الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه دون الذائب، قوله [فإن الشيطان يأكل بشماله] فيه دلالة على أن من لم يكن موجودًا بين يديه من الكفرة وغيرهم لم يجز التشبه بهم فإن حضور من يلزم به الشبه غير مشروط في حرمة التشبه، فإن الشيطان ليس بمعلوم ومحسوس أين هو؟ ولا يدرك صنعه هذا بحالة ومع ذلك فقد نهينا عن اختيار فعله فلو فلم يكن في قرية من اليهود أحد لم يجز لأهل تلك القرية اختيار عاداتهم وحركاتهم في قيامهم وقعودهم وكذلك في كثير من الأمور، فأفهم واغتنم فإنه يفيد فوائد والله أعلم.
[باب ما جاء في لعق الأصابع]
اعلم أن في بعض أجزاء الطعام بركة وفضلاً على بعض آخر منها كما أن في بعض أفعال الطاعم وحركاته بركة على بعض آخر منها وكل غير معلوم التعين ومعنى الحديث يحتمل الأمرين كليهما فلك أن تحمله على بركة أجزاء (1) الطعام ولك الصورة الثانية إلا أن بعض ألفاظ الحديث آب عن بعضها ولا يتوهم أن هذا تحضيض على كثرة الأكل (2) لأنها مع كونها
(1) وهو الأوجه لما ورد في روايات عديدة بسطها الحافظ في الفتح، من نص قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدري في أي طعامه البركة، قال ابن دقيق العيد جاءت هذه العلة مبينة في بعض الروايات، وقد يعلل بأن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه، قال الحافظ: قد يكون للحكم علتان فأكثر والتنصيص على الواحدة لا ينفي غيرها وقد أبدى عياض علة أخرى فقال: إنما أمر بها لئلا يتهاون بقليل الطعام، انتهى.
(2)
لأنه لا يدري أن البركة فيما أكل أو فيما بقى في الصحفة بل في القدر فلا يحصل اليقين إلا بتنفيذ ما في الصحفة والقدر وغيرها كلها.
منهية بالروايات (1) الآخر لا تستدعيها هذه الرواية: أيضًا فإن هذا الجزء البركتي إن فاته في هذا الوقت فإنه لا يفوته في الطعام الثاني أو الثالث، أما لو كان في الجزء الذي على أصابعه أو على الصفحة فإنه يفوته إذا غسل يديه أو صحفته.
قوله [لعق أصابعه الثلاث] فيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع (2) والحكمة فيه أن فيها كفاية والزيادة عليها كما في الأكل بخمس دالة على
(1) كما بسطها الغزالي في ربع المهلكات من الأحياء منها الحديث المشهور «المؤمن يأكل في معي واحد والمنافق في سبعة أمعاء» ومنها ما ملأ ابن آدم وعاءًا شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه الحديث، ومنها أطول الناس جوعًا يوم القيامة أكثرهم شبعًا في الدنيا وغير ذلك من الروايات.
(2)
وفي حديث ابن عباس عند البخاري مرفوعًا إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها الحديث، قال الحافظ: يحتمل أن يكون أطلق على الأصابع اليد ويحتمل -وهو الأولى- أن يكون المراد باليد الكف فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها، وقال ابن العربي: يدل على الأكل بالكف كلها أنه عليه السلام كان يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها، قال شيخنا فيه نظر لأنه يمكن بالثلاث سلمنا لكنه ممسك بكفه كلها لا آكل بها سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على العموم، ويؤخذ من حديث الباب أن السنة الأكل بثلاث أصابع وإن كان الأكل بأكثر منها جائزًا، قلت: وقد ورد نصًا في جامع الصغير أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بالثلاث وقال عياض الأكل بأكثر من الثلاث من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقمة فإن اضطر إلى ذلك لخفة الطعام وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة، وقد أخرج سعيد بن منصور من مرسل ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس فيجمع بينهما باختلاف الأحوال، انتهى مختصرًا.
شدة الحرص وباعثه على زيادة الأكل مع أنه إذا كانت لقمة صغيرة يكون للشبع حاصلاً في أقل مما يشبع لو أخذ اللقمة كبيرة وذلك لأنه في صغرها أقدر على المضغ منه إذا كانت اللقمة كبيرة وكلما كانت المضغة أجود كان الشبع أسرع لانتشار أجزاء الطعام في المعدة، وملئها إياها وذلك مشاهد في أجزاء الفوفل إذا قطعت فإن أجزاءها كلما كانت أصغر كانت أوفر وله نظائر كثيرة والله أعلم وعلمه أتم وأحكم، قوله [استغفرت له القصعة] لا حاجة (1) إلى حمله على المجاز بل استغفار القصعة على حقيقته كما أن تسبيحها في قوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ (2) بِحَمْدِهِ} على الحقيقة فأي بعد بعد ذلك في استغفار القصعة، ثم ما دعا القصعة (3) إلى الاستغفار توقيها بسبب لحس الرجل اللاحس عن سور الشيطان ولعابه لو لعقه بعدم لعقه.
قوله [قال أول مرة الثوم ثم قال الثوم إلخ] فاعل هذين القولين (4)
(1) قال العيني: المراد باستغفار القصعة يحتمل أن الله تعالى يخلق فيها تمييزًا أو نطقًا تطلب به المغفرة، وقد ورد في بعض الآثار إنها تقول أجرك الله كما أجرتني من الشيطان ولا مانع من الحقيقة ويحتمل أن يكون ذلك مجازًا كنى به، انتهى.
(2)
قال صاحب الجمل: لا يسمعها إلا الكمل كالنبي وبعض الصحابة، وجمهور السلف أنه على ظاهره من أن كل شيء حيوانًا كان أو جمادًا يسبح بلسان المقال، وهو الذي يشير له قول الجلال.
(3)
يعني أن الباعث للقصعة على الدعاء هو توقيها عن سؤر الشيطان ولعابه فإن هذا اللاجس لو لم يلحمه للعقه الشيطان فلفظة ما في كلام الشيخ موصولة ويؤيد الباعث المذكور ما تقدم في كلام العيني، من قولها أجرك الله كما أجرتني من الشيطان.
(4)
قال الحافظ: فقد رواه مسلم عن ابن جريج بلفظ من أكل من هذه البقلة الثوم، وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث ورواه أبو نعيم نحوه وعين الذي قال وقال مرة، ولفظه قال ابن جريج، وقال عطاء في وقت آخر الثوم والبصل والكراث، انتهى.
هو الراوي لا النبي صلى الله عليه وسلم، قوله [إني أخاف أن أوذى] فإن وقت نزول جبرئيل لم يكن معينًا ومعلومًا ثم اعلم أن الملائكة ليست كلها تتأذى بأمثال هذه الأشياء وإلا لكان الكل (1) حرامًا أو مكروهًا مطلقًا، وليس كذلك بل المتأذي هو بعضهم أو كان الرب تبارك وتعالى جعل للحفظة (2) أو الكتاب سبيلاً حتى لا يتأذون، قوله [ولا يحل وكاء] يمكن أن يكون من الحلول أو الحل خلاف العقد والأولى هو الأول، قوله [فإن الفويسقة] أعاد لفظ التعليل (3) وغير طرز الكلام توكيدًا
(1) هكذا في الأصل، وهو محتمل أي صار أكل هذه الأشياء كلها حرامًا وصوبه بعض ناظري هذا التقرير على الحاشية بقوله صوابه الأكل، ثم زاد في الإرشاد المرضي أن استثناء قوله صلى الله عليه وسلم إلا مطبوخًا مشير إلى أن علة الإذن في المطبوخ هو إزالة النتن وهو يحصل عادة بالطبخ فلو طبخه أحد بحيث بقى نتنه بقيت الكراهة على حالها ولو أزال النتن بدون الطبخ كما أن ألقاه في الخل ارتفعت الكراهة، انتهى.
(2)
فقد حكى العيني عن القاضي عياض ليس المراد بالملائكة الحفظة.
(3)
وأوضح لفظ القليل في حديث جابر عند البخاري بلفظ فإن الفويسقة ربما حرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت ووقع في سبب الأمر حديثان أحدهما فحدث بشأنهم النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فأطفؤها عنكم قال الحافظ: أخرج أبو داؤد وصححه ابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال جاءت فارة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا نمتم فأطفوا سراجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم، انتهى.