الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو]
إنما قال ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير شيئًا في الميزان هو مذكور ههنا كما يتضح بالنظر في الأحاديث الآتية (1)(بياض في الأصل). قوله [فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال الأستاذ أدام الله بره على الوافدين وغمر بالمنة الصادرين منهم والواردين:
(1) بياض في الأصل، ولا أدري هل سقط ههنا شيء في النقل أو لم يتفق للشيخ نور الله مرقده كتابته، ولعله أراد إشارة إلى ما ورد عن رؤيا صلى الله عليه وسلم في الميزان: فقد قال القارئ: أخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأيت قبل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهي المفاتيح، وأما الموازين فهي التي يوزن بها، ووضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فرجحت، ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم فرجح، ثم جيء بعمر فوزن بهم فرجح الحديث.
لا أدري ماذا قالوا (1) ههنا في وجه الكراهية وليست أحصله، فإن قولهم لم يكن بينهما معادلة فيه نقض ظاهر، وعدول عن الحق باهر، أفلست ترى أن ما بين عثمان وعلي كما بين أبي بكر وعمر وهكذا، فلا معنى لنفي ما يوازن رأسًا كما ارتكبوا (2)
(1) قال القارئ: أحزن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر الرجل من رؤياه، وذلك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر، ومعنى رجحان كل من الآخر في الميزان أن الراجح أفضل من المرجوح، وإنما لم يوزن عثمان وعلي لأن خلافة علي على اختلاف الصحابة، فرقة معه وفرقة مع معاوية، فلا تكون خلافة مستقرة متفقًا عليها، ذكره ابن الملك، وقال التوربشتي: إنما ساءه -والله أعلم- ما عرفه من تأويل رفع الميزان، فإن فيه احتمالاً لانحطاط رتبة الأمر في زمان. القائم به بعد عمر عما كان عليه من النفاذ والاستعلاء والتمكن بالتأييد، ويحتمل أن يكون المراد من الوزن موازنة أيامهم لما كان نظر فيها من رونق الإسلام وبهجته، ثم إن الموازنة تراعي في الأشياء المتقاربة مع مناسبة فيظهر الرجحان، فإذا تباعدت كل التباعد لم يوجد للموازنة معنى فلهذا رفع الميزان، انتهى.
(2)
كما تقدم في آخر كلام القارئ، وهكذا حكاه المحشي عن اللمعات إذ قال: إن الموازنة إنما يراعي في أشياء متقاربة مع مناسبة ما، فإذا تباعدت كل تباعد لم يوجد للموازنة معنى فلذا رفع الميزان، انتهى.
بل الحق عندي في وجه الكراهية أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تذكر بذكرة منامه ما يرد على أمته من الفتن والمصائب حزن لذلك (بياض)(1). قوله [عن رؤيا النبي
(1) بياض ههنا في المنقول عنه، ولا أدري هل سقوط من الناقل أو من الشيخ بنفسه، ولا يبعد أن يكون ههنا شيء يتعلق بحديث ورقة، واختلف في إسلامه وصحبته، وظاهر حديث الباب، وكذا ظاهر حديث الوحي عند البخاري وغيره أنه مؤمن، قال القسطلاني تحت حديث الوحي: ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل الدعوة إلى الإسلام فيكون مثل بحيرًا، وفي إثبات الصحبة له نظر لكن في زيادات المغازي من رواية يونس عن ابن إسحاق فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك نبي مرسل الحديث، وفي آخره: فلما توفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني، وأخرجه البيهقي من هذا الوجه في الدلائل، وقال: إنه منقطع، ومال البلقيني إلى أنه يكون بذلك أول من أسلم من الرجال، وبه قال العراقي في نكته علي ابن الصلاح، وذكره ابن مندة في الصحابة، انتهى. قلت: وذكره الحافظ في القسم الأول من الإصابة، وذكر الاختلاف فيه، وقال العيني: قال الكرماني: إن قلت ما قولك في ورقة أيحكم بإيمانه؟ قلت: لا شك أنه كان مؤمنًا بعيسى عليه السلام، وأما الإيمان بنبينا فلم يعلم أن دين عيسى قد نسخ عند وفاته أم لا، فلئن ثبت أنه كان منسوخًا في ذلك الوقت فالأصح أن الإيمان التصديق، وهو صدقه من غير أن يذكر ما ينافيه، وفي مستدرك الحاكم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا ورقة فإنه كان له جنة أو جنتان، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرطهما، ثم ذكر العيني حديث الترمذي هذا وأجاب عن كلام المصنف في عثمان بالتقوية بما ورد في الباب.
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر] معناه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأبا بكر وعمر، فالإضافة فيه إلى المفعول، والفاعل متروك (1) الذكر.
قوله [فيه ضعف والله يغفر له] وأما وجه (2) الضعف فليس يرجع
(1) هذا هو الظاهر في رواية الترمذي بلفظ: وأبي بكر بحرف العطف، بخلاف رواية البخاري بسنده إلى سالم عن أبيه عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر، الحديث. ففي هذا السياق الإضافة إلى الفاعل، ونسخ الترمذي من الهندي والمصرية متظافرة على هذا السياق، أي على حرف العطف، قال الحافظ: قوله عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم كأنه تقدم للتابعي سؤال عن ذلك، فأخبره الصحابي، وفي الحديث (أي في سياق البخاري) اختصار يوضحه غيره، وإن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولاً فنزع في البئر، ثم جاء أبو بكر، انتهى بتغير.
(2)
قال القارئ: قوله والله يغفر له جملة حالية دعائية وقعت اعتراضية مبينة أن الضعف الذي وجد في نزعه لما يقتضيه تغير الزمان وقلة الأعوان، غير راجعة إليه بنقيصة، وقال القاضي: لعل القليب إشارة إلى الدين الذي هو منبع ما به تحيا النفوس، ويتم أمر المعاش، ونزع الماء في ذلك إشارة إلى أن هذا الأمر ينتهي من الرسول إلى أبي بكر، ومنه إلى عمر، ونزع أبي بكر ذنوبًا أو ذنوبين إشارة إلى قصر مدة خلافته، وأن الأمر يكون بيده سنة أو سنتين، ثم ينتقل إلى عمر، وكان مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر، وضعفه فيه إشارة إلى ما كان في أيامه من الاضطراب والارتداد، أو إلى ما كان له من لين الجانب والمداراة مع الناس، ويدل عليه قوله غفر الله له، وهو اعتراض ذكره صلى الله عليه وسلم ليعلم أن ذلك موضوع ومغفور عنه غير قادح في منصبه، وقال النووي: قوله في نزعه ضعف ليس فيه حط لمنزلته، ولا إثبات فضيلة عمر عليه، إنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها واتساعها، وقوله والله يغفر له ليس فيه نقص، ولا إشارة إلى ذنب، إنما هي كلمة كان المسلمون يزينون بها كلامهم، وقد جاء في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها، افعل كذا والله يغفر لك، انتهى. وقال الحافظ في الفتح: اتفق من شرح هذا الحديث على أن ذكر الذنوب إشارة إلى مدة خلافته، وفيه نظر، لأنه ولى سنتين وبعض سنة، فلو كان ذلك المراد لقال: ذنوبين أو ثلاثة، والذي يظهر لي أن ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة، ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى ذكر ما نزعه من الدلاء، وإنما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات، وقوله في نزعه ضعف أي على أنه على مهل ورفق، وقوله والله يغفر له قال النووي: هذا دعاء من المتكلم، أي لا مفهوم له، وقال غيره: إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر، وهو نظير قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} فإنها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لأن سببه قصر مدته، فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه، انتهى. والحديث ذكره البخاري في مناقب أبي بكر، ومال العيني إلى أن وجهه ذكره قبل عمر، وتقدمه عليه في النزع، قلت: أو لما أنه وقع له نظير ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الإشارة بقرب الأجل كما تقدم، ففيه مناسبة تامة معه صلى الله عليه وسلم.
إلى نقص في فضل الصديق، بل السبب في ذلك ما كان في زمنه من تزلزل في الملك، وارتداد في الإسلام، حتى أن أمثال عمر -وكان علمًا في بأسه (1) ونجدته- قد كان تخوف كما يظهر بالمراجعة إلى كتب السير.
(1) قال المجد: البأس العذاب، والشدة في الحرب بؤس ككرم، باسًا فهو بئيس شجاع، وقال: أيضًا النجد الشجاع الماضي فيما يعجز غيره، وقد نجد ككرم نجادة ونجدة، والذي أشار إليه الشيخ مشهور في كتب السير، فقد قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: أخرج الإسماعيلي عن عمر قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من العرب، وقالوا: نصلي ولا نزكي، فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم، فإنهم بمنزلة الوحش، فقال: رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك، جبارًا في الجاهلية خوارًا في الإسلام، بماذا عسيت أتألفهم، بشعر مفتعل أو بسحر مفتري، هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً، قال عمر: فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم، وأدب الناس على أمور هانت على كثيرة من مؤنتهم حين وليتهم، انتهى.
قوله [في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب] ووجه (1) ذلك أن الغرائب والخوارق تظهر حينئذ إتمامًا للحجة، وإيقاظًا عن سنة الغفلة كتكلم
(1) قال الحافظ: وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم إذا اقترب الزمان إذا كان المراد به آخر الزمان ثلاثة أقوال: أحدها أن العلم بأمور الديانة لما يذهب غالبه بذهاب غالب أهله، وتعذرت النبوة في هذه الأمة عرضوا بالمرأى الصادقة ليجدد لهم ما قد درس من العلم، والثاني أن المؤمنين لما يقل عددهم، ويغلب الكفر والجهل والفسق على الموجودين يؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة إكرامًا له، وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين، بل كلما قرب فراغ الدنيا، وأخذ أمر الدين في الاضمحلال تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق، والثالث أن ذلك خاص بزمان عيسى بن مريم، وأولها أولاها، انتهى. قلت: والأوجه من الكل ما أفاده الشيخ.
الفخذ والسوط إلى غير (1) ذلك من الفتن.
قوله [كاذبين يخرجان من بعدي] أي بعد رؤيتي (2) هذه، ووجه (3)
(1) فقد تقدم قريبًا عن أبي سعيد مرفوعًا: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الأنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده، انتهى.
(2)
وهذا أوجه مما أول هذا الحديث النووي وغيره من شراح الحديث، وتوضيح ذلك أنه اختلفت الروايات في هذا اللفظ، فلفظ البخاري من حديث أبي هريرة: فأولتهما الكذابين أنا بينهما، صاحب صنعاء وصاحب اليمامة، قال الحافظ: هذا ظاهر في أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين، وهو كذلك، لكن وقع في رواية ابن عباس يخرجان بعدي، والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة، نقله النووي عن العلماء، وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم، فأدعى النبوة، وعظمت شوكته، وحارب المسلمين، وغلب على البلد، وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما مسيلمة فأدعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته، ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر، فأما أن يحمل ذلك على التغليب، وإما أن يكون المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي، انتهى.
(3)
اختلف في وجه هذا التعبير كما بسطه الحافظ، وما أفاده الشيخ أيضًا موجه، وقريب منه ما حكاه القارئ عن القاضي إذ قال: قال القاضي وجه تأويل السوارين بالكذابين المذكورين -والعلم عند الله- أن السوار يشبه قيد اليد والقيد فيها يمنعها عن البطش، ويكفها عن الاعتمال والتصرف على ما ينبغي، فيشابه من يقوم بمعارضته، ويأخذ بيده فيصده عن أمره، انتهى.
التأويل المذكور أنهما قبضًا على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهما الجارحة والكاسبة، فكأنهما منعاه عن إشاعة دينه، ونشر نبوته، وطيرانهما بالنفخ هلاكهما من دون افتقار إلى فضل علاج.
قوله [أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا] قد تفرقوا (1) في تبيين الخطأ على
(1) اختلفوا في موضع الخطأ على أقوال ذكر الشيخ منها ثلاثة لشهرتها وكثرة قائليها، فقد قال الحافظ: قال الملهب موضع الخطأ قوله: ثم وصل له، لأن في الحديث: ثم وصل، ولم يذكر ((له)) وتعقبه الحافظ: بأن ((له)) ثابت في الروايات، ثم قال: والعجب من القاضي عياض فإنه قال في الإكمال: قيل خطؤه في قوله: فيوصل له، وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل، وليس فيها ((له))، ولذلك لم يوصل لعثمان، وإنما وصلت الخلافة لعلي، وموضع التعجب سكوته عن تعقب هذا الكلام مع كون هذه اللفظة ثابتة في صحيح مسلم الذي يتكلم عليه. ثم قال: وقيل الخطأ ههنا بمعنى الترك. أي تركت بعضًا لم تفسره، وقال الإسماعيلي: قيل السبب في قوله أخطأت بعضًا أن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره، فلما طلب تعبيرها كان ذلك خطأ، والمراد بقوله قيل ابن قتيبة فإنه القائل بذلك، ووافقه على ذلك جماعة، وتعقبه النووي تبعًا لغيره فقال: هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له ذلك، قال الحافظ: مراد ابن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء، بل بادر هو بالسؤال، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر لأنه خلاف ما يتبادر من جواب قوله: هل أصبت؟ فإن الظاهر أنه أراد الإصابة والخطأ في التعبير، ومن ثم قال ابن التين ومن بعده: الأشبه بظاهر الحديث أن الخطأ في تأويل الرؤيا، قال الحافظ: ويؤيده تبويب البخاري حيث قال: من لم يرد الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، وقال ابن هبيرة: إنما كان الخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه، وقال ابن التين: قيل أخطأ لكون المذكور في للرؤيا شيئين العسل، والسمن، ففسرهما بشيء واحد، وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة، ذكر لك عن الطحاوي وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير، وجزم به ابن العربي فقال: قالوا ههنا وهم أبو بكر فإنه جعل السمن والعسل معنى واحدًا، وهما معنيان القرآن والسنة، قال: ويحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل، ويحتمل أن يكونا الفهم والحفظ، وقيل: المراد بقوله اخطأت وأصبت أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن، والظن يخطئ ويصيب، وقيل: الخطأ في خلع عثمان لأنه في المنام رأى أنه آخذ بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه، وتفسير أبي بكر بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له، وعثمان قد قتل قهرًا، ولم يخلع نفسه، فالصواب أن يحمل وصله على ولاية غيره، وقد اختلف في تفسير القطع، فقيل: معناه القتل. وأنكره ابن العربي إذ لو كان كذلك لشاكه عمر، لكن قتل عمر لم يكن بسبب العلو، بل بجهة عداوة مخصوصة، وقتل عثمان كان من الجهة التي علا بها، وهي الولاية فلذلك جعل قتله قطعًا، وقال ابن العربي: أخبرني أبي أنه قيل: وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول هو الظلة، والسمن والعسل القرآن والسنة، وقيل: وجه الخطأ أنه جعل السبب الحق وعثمان لم ينقطع به الحق، وإنما الحق أن الولاية كانت بالنبوة، ثم صارت بالخلافة فاتصلت لأبي بكر وعمر، ثم انقطعت بعثمان لما كان ظن به، ثم صحت براءته فأعلاه الله ولحق بأصحابه، قال: وسألت بعض الشيوخ العارفين عن تعيين الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر فقال: من الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدم أبي بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم للتعبير خطأ، فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطأه أعظم وأعظم، فالذي يقتضيه الدين والحزم الكف عن ذلك، قلت: وهذا الأخير هو الوجه عندي، قال الحافظ: وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم وغيرهما إنما أحكيه عن قائليه، ولست راضيًا بإطلاقه في حق الصديق، وقال الكرماني: إنما أقدموا على تبيين ذلك مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينه لأنه كان يلزم من تبيينه مفسدة إذ ذاك فزالت بعده، مع أن جميع ما ذكروه إنما هو بطريق الاحتمال، ولا جزم في شيء من ذلك، انتهى ما في الفتح.
ثلاثة أقوال، والظاهر أن الثلاثة بأسرها لا تصح، أما الذي قالوا من أن الخطأ
تعبير السمن والعسل بالقرآن، وحقهما أن يعبرا بالكتاب والسنة، ففيه أن الكتاب والسنة كأنهما شيء واحد فإن الكتاب تبيان لكل شيء، وإنما السنة تظهره، أو يقال: إن الكتاب والسنة كلاهما وحي، وإنما التفاوت في التلاوة، فهذا لا يستلزم التخطية، وأما قولهم: إن الخطاء إقدامه للتعبير فليس بشيء، لأنه بعد الإجازة لا يسمى خطأ، وأما قولهم: إن الخطأ تركه تعيين الرجال فهذا لا يسمى خطأ، وإنما هو تقصير في بيان المرام، وإجمال في سوق الكلام، بل الأوجه في توجيه الخطأ أن يقال: إن قول الرائي: ثم أخذ به رجل فقطع به، ثم وصل له فعلاً به، كان محتاجًا إلى تعبير، ولم يكن على ظاهره من أن الرجل المقطوع له هو الذي يوصل له الحبل، بل الموصول له إنما هو نائبه وخليفته، وعبر عنه في منامه عنه لأن فعله فعله، وأما أبو بكر فعبره على ظاهره.
قوله [لا تقسم] لأن الاستحسان (1) في بره، وهذا ينافي المصالح
(1) يعني مقتضى الاستحسان بر قسمه وفيه مفسدة، قال النووي: هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الأبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالأبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبرر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب في عثمان، وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذكرها مخافة من شيوعها، أو أن المفسدة لو أنكر عليه مبادرته ووبخه بين الناس، أو أنه أخطأ في ترك تعيين الرجال الذين يأخذون بالسبب بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في بيانه صلى الله عليه وسلم أعيانهم مفسدة، انتهى. قال الخطابي: فيه مستدل لمن ذهب إلى أن القسم لا يكون يمينًا بمجرده حتى يقول: أقسمت بالله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار المقسم، فلو كان يمينًا لأشبه أن يبره، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، وقد يستدل به من يرى القسم يمينًا بوجه آخر، فيقول: لولا أنه يمين ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تقسم، وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة وأصحابه، انتهى، هكذا في البذل. قلت: لفظ القسم يمين عندنا الحنفية كما صرح به في الفروع، وما حكى الخطابي من موافقة مالك الشافعي يأبى عنه كلام ابن رشد إذ قال في البداية: اختلفوا في قول القائل أقسم أو أشهد إن كان كذا وكذا هل هو يمين أم لا، على ثلاثة أقوال، فقيل: ليس بيمين وهو أحد قولي الشافعي، وقيل: يمين ضد القول الأول، وبه قال أبو حنيفة، وقيل: إن أراد الله بها فهو يمين وإلا لا، وهو مذهب مالك، انتهى مختصرًا. فعلم أن في مذهب مالك تفصيلاً، وما ذكر الخطابي من الاستدلال بالحديث فلا يصح، فقد قال القاضي: في الحديث أن من قال: أقسم لا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يزد على قوله أقسم، قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي عجب، فإن الذي في جميع نسخ صحيح مسلم أنه قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني، وهذا صريح يمين، انتهى.
العديدة. وبذلك يعلم أن الرجل إذا حلف آخر لا يجب عليه إبراره ولا على الحالف، ولو أبره المحلوف فهو مستحسن، ولا شيء في الخنث على أحد منهما.
أبواب الشهادات (1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله [الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها] قد وقع في ظاهر هذا والذي يأتي (2) من بعد من ذم قوم يشهدون ولا يستشهدون تعارض دفعه العلماء بأن الأول: حين خاف فوت الحق. والثاني: في غير ذلك، والظاهر أن منطوق أحدهما غير متناول للآخر حتى يلزم التعارض، فإن الخيرية في الحديث الأول تنبئ عن كونه أدى شهادته لله تعالى، لا لنفسه أو غير ذلك، وفشو الكذب (3) في
(1) جمع شهادة، وهي مصدر شهد يشهد، قال الجوهري: الشهادة خبر قاطع، والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور، لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره، مأخوذة من الإعلام، هكذا في الفتح، وقال الراغب: الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر، انتهى. وفي حواشي الهداية: الشهادة في اللغة عبارة عن الإخبار بصحة الشيء عن مشاهدة وعيان، ولذا قالوا: إنها مشتقة عن المشاهدة التي تنبئ عن المعاينة، وفي اصطلاح أهل الفقه عبارة عن إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة، انتهى.
(2)
ما سيأتي من لفظ الحديث: يعطون الشهادة قبل أن يسألوها، وفي حديث عمر: حتى يشهد الرجل ولا يستشهد، وما أفاده الشيخ من لفظ الحديث تقدم قريبًا من حديث عمران عند المصنف في الفتن.
(3)
فلفظ الحديث: ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد، فلفظ
_________
((حتى)) أصرح قرينة على ما أفاده الشيخ، وإلى هذا التوجيه أشار المصنف أيضًا فيما سيأتي من كلامه، قال النووي: قوله ألا أخبركم بخير الشهداء إلخ في المراد بهذا الحديث تأويلان: أصحهما وأشهرهما تأويل مالك وأصحاب الشافعي أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد، فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له، والثاني أنه محمول على شهادة لحسبة، وذلك في غير حقوق الآدميين المختصة بهم، فمما تقبل فيه شهادة الحسبة الطلاق والعتق والوقف والوصايا العامة والحدود ونحو ذلك، فمن علم شيئًا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به، وحكى تأويل ثالث أنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله، كما يقال: الجواد يعطي قبل السؤال، أي يعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقف، وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذم من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم: يشهدون ولا يستشهدون، وقد تأول العلماء هذا تأويلات: منها أنه محمول على شاهد الزور، فيشهد بما لا أصل له ولم يستشهد، ومنها أنه محمول على من ينتصب شاهدًا وليس هو من أهل الشهادة، ومنها أنه يشهد لقوم بالجنة أو بالنار من غير توقف، وهذا ضعيف، انتهى. وزاد العيني على بعضها قال ابن بطال: والشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق، إنما أريد بها الشهادة في الإيمان يدل عليه قول النخعي رواية في آخر الحديث: وكانوا يضربوننا على الشهادة، فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة المذمومة هي قول الرجل: أشهد بالله ما كان كذا على كذا على معنى الحلف فكره ذلك، وهذه الأقوال أقوال الذين جمعوا بين الحديثين، انتهى. يعني ومال آخرون إلى ترجيح أحد الحديثين على الآخر، قال الحافظ: اختلف العلماء إلى ترجيحهما فجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران لا أصل له، وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه، وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد، انتهى.
الحديث الثاني قرينة على أن إقدامه على الشهادة من غير استشهاد مبني على كذبه، أو هو مبني على الشر، وإن كان صدقًا في الواقع.
قوله [لا تجوز شهادة خائن (1) ولا خائنة] النظر إلى مجموع (2)
(1) قال القارئ: أي المشهور بالخيانة في أمانات الناس دون ما ائتمن الله عليه عباده من أحكام الدين، كذا قاله بعض علمائنا من الشراح، قال القاضي: ويحتمل أن يكون المراد به الأعم منه، وهو الذي يخون فيما اتئمن عليه، سواء ما ائتمنه الله عليه من أحكام الدين أو الناس من الأموال، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} فالمراد بالخائن هو الفاسق، وهو من فعل كبيرة أو أصر على الصغائر، انتهى.
(2)
كما يدل عليه رد شهادة الخائن للفسق، وكذا المحدود، وكما يدل رد شهادة ذي الغمر والمجرب والقانع، لا سيما الظنين في الولاء للتهمة، فتهمة الوالد للولد أكثر من تهمة هؤلاء الأربع، قال ابن رشد في البداية: والنظر في الشهود في ثلاثة أشياء: في الصفة، والجنس، والعدد، أما عدد الصفات المعتبرة في قبول الشاهد بالجملة فهي خمسة: العدالة، والبلوغ، والإسلام، والحرية، ونفى التهمة، وهذه منها متفق عليها، ومنها مختلف فيها، فأما العدالة فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول شهادة الشاهد لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} واختلفوا فيما هي العدالة، ثم بسط الاختلاف، وقال: اتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الآية، ثم قال: وأما التهمة التي سببها المحبة، فإن العلماء أجمعوا على أنها مؤثرة في إسقاط الشهادة، واختلفوا في رد شهادة العدل بالتهمة لموضع المحبة أو البغضة التي سببها العداوة الدنيوية، فقال بردها فقهاء الأمصار، إلا أنهم اتفقوا في مواضع على إعمال التهمة، وفي مواضع على إسقاطها، وفي مواضع اختلفوا فأعملها بعضهم وأسقطها بعضهم، فما اتفقوا عليه رد شهادة الأب لابنه والابن لأبيه، وكذلك الأم لأبنها وابنها لها، ثم ذكر بعض فروع هذا الباب سيأتي بيان بعضها قريبًا، وقال: أما أبو ثور، وشريح، وداؤد، فإنهم قالوا: تقبل شهادة الأب لابنه فضلاً عمن سواه، انتهى مختصرًا.
ألفاظ هذا الحديث حاكم بأن شهادة الفاسق والمتهم غير مقبولة، وكذا شهادة الولد للوالد وعكسه، لكونه متهمًا في ذلك، ثم قوله: مجلود حدًا إن أريد بالحد غير حد القذف، فهو ما لم يتب، وإن أريد حد القذف فشهادته (1) مردودة وإن تاب، ووجه ذلك أما نقلاً فاتفاق القراء على جواز الوقف على قوله تعالى أبدًا، فكان قوله:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} جملة على حدة فيتصل الاستثناء به، وأما عقلاً فلكون القاذف قد اجترم ما كان حقه أن يقطع لسانه لكنه لما كان مثله،
(1) اختلف ههنا في مسألتين إحداهما ما ذكرها الجصاص في أحكام القرآن إذ قال: حكم الله تعالى في القاذف إذا لم يأت بأربعة شهداء على ما قذفه بثلاثة أحكام: الجلد، وبطلان الشهادة، والحكم بتفسيقه إلى أن يتوب، واختلف أهل العلم في لزوم هذه الأحكام له بعد اتفاقهم على وجوب الحد عليه بنفس القذف عند عجزه عن إقامة البنية على الزنا، فقال قائلون: قد بطلت شهادته، ولزمته سمة الفسق قبل إقامة الحد عليه، وهو قول الليث والشافعي، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد ومالك: شهادته مقبولة ما لم يحد، انتهى. وهذه المسألة بسطها الرازي لكن الشيخ لما لم يذكرها طوينا عن ذكرها، والثانية التي نظم جواهرها الشيخ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سلكه هي التي قال الجصاص أيضًا: اختلف الفقهاء في شهادة المحدود في القذف بعد التوبة، فقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد والثوري والحسن بن صالح: لا تقبل شهادته إذا تاب، وتقبل شهادة المحدود في غير القذف، وقال مالك والليث والشافعي: تقبل شهادة المحدودة في القذف إذا تاب، وقال الأوزاعي: لا تقبل شهادة محدود في الإسلام، انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قال الجمهور إن شهادة القاذف بعد التوبة انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قال الجمهور إن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل، سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله، وتأولوا قوله تعالى {أَبَدًا} ما دام مصرًا على قذفه، وبالغ الشعبي فقال: إن تاب القاذف قبل إقامة الحد سقط عنه، وذهب الحنفية إلى أن شهادته لا تقبل أبدًا، وقال بذلك بعض التابعين، وفيه مذهب آخر يقبل بعد الحد لا قبله، انتهى. قال ابن رشد: سبب الخلاف هل يعود الاستثناء في قوله تعالى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} الآية، إلى أقرب مذكور إليه، أو على الجملة إلا ما خصصه الإجماع، وهو أن التوبة لا تسقط عنه الحد، انتهى. قال العيني: شهادته لا تقبل أبدًا عند الحنفية لأن رد الشهادة من تتمة الحد لأنه يصلح جزاء، فيكون مشاركًا للأول في كونه حدًا، وقوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لا يصلح جزاء، لأنه ليس بخطاب للأئمة، بل هو إخبار عن صفة قائمة بالقاذفين، فلا يصلح أن يكون من تمام الحد، لأنه كلام مبتدأ على سبيل الاستيناف منقطع عما قبله، لعدم صحة عطفه على ما سبق، لأن قوله:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} جملة إخبارية ليس بخطاب للأئمة، وما قبله جملة إنشائية خطاب للأئمة، وكذا قوله: ولا تقبلوا جملة إنشائية خطاب للأئمة، فيصلح أن يكون عطفًا على قوله فاجلدوا، والشافعي قطع قوله ولا تقبلوا عن قوله فأجلدوا مع دليل الاتصال وهو كونه جملة إنشائية صالحة للجزاء مفوضة إلى الأئمة مثل الأولى، وواصل قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} مع قيام دليل الانفصال وهو كونه جملة اسمية غير صالحة للجزاء، انتهى.
وأيضًا ففيه تعطيله عن مصالح دنياه وآخرته جوزي بأن قوله لا يعتبر أبدًا، وأيضًا فمبنى الجنايات على الخفاء ما أمكن الجاني كالزنا والسرقة وشرب الخمر، إلا القذف فمبناه على التشهير، وإلا فالقذف في موضع خال عن غير القاذف لا يفيد فجوزي على ذلك باشتهاره في سوءته.
قوله [ولا ذي غمر لاحنة ولأخيه (1)] وعلى الوجهين فاللام متعلق
(1) كلام الشيخ مبني على النسختين، واختلفت نسخ الترمذي في هذا اللفظ، ففي النسخة المصرية ((ولا ذي عمر لأخيه)) وفي النسخ الهندية ((لاحنة))، وجمع الشيخ كلتا النسختين تعميمًا وتوضيحًا للمعنى، وفي الحواشي الهندية عن اللمعات: قوله لاحنة، هكذا وقع، والصواب ولا ذي غمر لأخيه بالياء، وقد ذكره الدارقطني وصاحب الغريبين بلفظ يدل على صحة هذا، وهو إلا ذي غمر لأخيه، قلت: أكثر ما روى ولا ذي غمر على أخيه، وهو الموافق للقياس، إلا أن يقال: اللام بمعنى على، انتهى. قلت: ولا يحتاج إلى تصريف اللام إلى معنى على في توجيه الشيخ، وهو أن يقال: إنه متعلق بالغمر، نعم يحتاج إذا قيل: إنه يتعلق بالشهادة كما لا يخفى، والحديث ذكره صاحب المشكاة عن الترمذي بلفظ: على أخيه بالياء، قال القارئ: أي قوله على أخيه أي المسلم، يعني لا تقبل شهادة عدو على عدو، سواء كان أخاه من النسب أو أجنبيًا، وعلى هذا إنما قال: على أخيه تليينًا لقلبه وتقبيحًا لصنيعه، انتهى. وما في النسخ الهندية من قوله لاحنة لم يذكر صاحب المجمع وغيره في هذا اللفظ هذا الحديث، نعم قال في شرح حديث آخر: وفي صدره إحنة أي حقد، وجمعها إحن وإحنات، والحنة والحنات لغة فيه، وقال المجد: الاحنة بالكسر الحقد والغضب، وقد أحن كسمع فيهما والمواحنة المعاداة، انتهى.
بالغمر لا الشهادة يعني أن غمره لوجه (1) دنياوي، كذلك الإشارة في قوله ولا ذي غمر لأخيه ثابتة إلى أن الغمر لوجه دنياوي، وإلا فالإخوة لا تبقى دون ذلك.
(1) قال ابن رشد: أما اختلافهم في قبول شهادة العدو على عدوه فقال مالك والشافعي: لا تقبل، وقال أبو حنيفة: تقبل، انتهى. قلت: ما في عامة فروع الحنفية أنها لا تقبل شهادته، قال الزيلعي على الكنز: لأن المعاداة لأجل الدني حرام، فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول عليه، أما إذا كانت العداوة دينية فتقبل، لأنها من التدين فتدل على قوة دنيه وعدالته، وهذا لأن المعاداة قد تكون واجبة بأن رأى فيه منكرًا شرعًا، ولم ينته بنهيه، والذي يوضح هذا المعنى أن المسلمين مجمعون على قبول شهادة المسلم على الكافر، والعداوة الدينية قائمة بينهما، انتهى. وهكذا في البحر، ثم قال ابن نجيم: إن المصرح به في غالب كتب أصحابنا، والمشهور على ألسنة فقهائنا ما ذكره المصنف من التفصيل، ونقل في القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها، أو يجلب منفعة، أو يدفع بها عن نفسه مضرة، وهو الصحيح وعليه الاعتماد، ثم بسط الكلام على ذلك، وأجاب عن الحديث بأنه يمكن حمله على ما إذا كان غير عدل بدليل أن الحقد فسق للنهي عنه، ثم قال: وقد ذكر ابن وهبان تنبيهات حسنة لم أرها لغيره، الأول الذي يقتضه كلام صاحب القنية والمبسوط أنا إذا قلنا: إن العداوة قادحة في الشهادة تكون قادحة في حق جميع الناس لا في حق العدو فقط، وهو الذي يقتضيه الفقه، فإن الفسق لا يتجزأ حتى يكون فاسقًا في حق شخص عدلاً في حق آخر، انتهى. وفي الفتاوى الخير سئل في جماعة بينهم وبين شخص عداوة دنيوية هل تقبل شهادتهم عليه؟ أجاب لا تقبل شهادتهم عليه للتهمة مطلقًا ولا على غيره حيث كانت فسقًا لأن الفسق لا يتجزأ، ثم ذكر التنبيه الأول المذكور في كلام ابن وهبان وتعقبه، فقال: بل الظاهر من كلامهم أن عدم القبول للتهمة لا للفسق، ويؤيده ما في كلامهم أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل، فالتقييد بكونها على عدوه ينفي ما عداه، انتهى مختصرًا.
قوله [ولا القانع (1) أهل البيت لهم] أي الذين منافعهم مشتركة، ورد
(1) وفي المرقاة: قال المظهر القانع السائل المقتنع الصابر بأدنى قوت، والمراد به ههنا أن من كان في نفقة أحد كالخادم والتابع، لا تقبل شهادته له لأنه يجر نفعًا بشهادته إلى نفسه، لأن ما حصل من المال للمشهود له بعود نفعه إلى الشاهد لأنه يأكل من نفقته، ولذلك لا تقبل شهادة من جر نفعًا بشهادته إلى نفسه، كالوالد يشهد لولده أو الوالد لوالده، أو الغريم يشهد بمال للمفلس على أحد، وتقبل شهادة أحد الزوجين للآخر خلافًا لأبي حنيفة وأحمد، وتقبل شهادة الأخ لأخيه خلافًا لمالك، انتهى. قلت: وما حكى من الاختلاف في شهادة الزوجين والأخ يأباه كلام ابن رشد إذ قال في شهادة الزوجين أحدهما للآخر: إن مالكًا ردها وأبا حنيفة، وأجازها الشافعي وأبو ثور، وقال ابن أبي ليلى: تقبل شهادة الزوج لزوجه لا شهادتها له، وبه قال النخعي، ومما اتفقوا على إسقاط التهمة فيه شهادة الأخ لأخيه ما لم يدفع بذلك عن نفسه عارًا على ما قال مالك، وما لم يكن منقطعًا إلى أخيه يناله بره وصلته ما عدا الأوزاعي فإنه قال لا تجوز، انتهى. وفي الهداية: لا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر، قال ابن الهمام: قال الشافعي تقبل، وبقولنا قال مالك وأحمد، وقال ابن أبي ليلى والثوري والنخعي: لا تقبل شهادة الزوجة لزوجها، لأن لها حقًا في ما له لوجوب نفقتها، وتقبل شهادته لها لعدم التهمة، انتهى. وفي الهداية تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ولا الأجير لمن استأجره: والمراد بالأجير على ما قالوا التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا شهادة للقانع بأهل البيت لهم، قال ابن الهمام: قال أبو عبيد: القانع التابع لأهل البيت كالخادم لهم يعني ويطلب معاشه منهم، انتهى. وفي الدر المختار: أو التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا شهادة للقانع بأهل البيت، أي الطالب معاشه منهم، من القنوع لا من القناعة، انتهى.
شهادته للتهمة، والقانع المنحصر قوته على أهل بيت، وكذلك الحكم لغيره (1) ممن منافعهم متحدة مشتركة. قوله [ولا ظنين إلخ] الظنين (2) في الولاء له معنيان، أي المتهم في ادعائه ولاء أو قرابة، كأن يدعي أنه مولي لفلان أو قريب لفلان، وقد كان المدعي لذلك متهمًا في ذلك القول فشهادته غير مقبولة مطلقًا، لما أن الظاهر من
(1) كما سيأتي التصريح بذلك في كلام الجصاص في أحكام القرآن، وفي البدائع: ومنها (أي من الشرائط) أن لا يجر الشاهد إلى نفسه مغنمًا، ولا يدفع عن نفسه مغرمًا بشهادته، لقوله صلى الله عليه وسلم لا شهادة لجار المغنم ولا لدافع المغرم، ولأن شهادته إذا تضمنت معنى النفع أو الدفع، فقد صار متهمًا، ولا شهادة للمتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى.
(2)
قال القارئ: وإنما رد شهادته لأنه ينفي الوثوق عن نفسه، وقال المظهر: يعني من قال أنا عتيق فلان وهو كاذب فيه بحيث يتهمه الناس في قوله ويكذبونه لا تقبل شهادته، لأنه فاسق لأن قطع الولاء عن المعتق وإثباته لمن ليس بمعتقه كبيرة وراكبها فاسق، وكذلك الظنين في القرابة، وهو الداعي القائل أنا ابن فلان أو أخو فلان من النسب والناس يكذبونه انتهى.
حاله لما كان هو الكذب ارتفع الأمان من شهادته، ويحتمل (1) أن يكون المراد بقوله الظنين في الولاء أن المتهم في ولاء قوم أو قرابتهم لا تقبل شهادته لهم خاصة، لما له في ذلك من التهمة.
قوله [ولا نعرف معنى هذا الحديث] ووجه ذلك مخالفته لمذهبهم فإن هؤلاء يقبلون (2) شهادة كل قريب لقريبه، وأما أصحاب الإمام وتابعوهم فقد حملوا الحديث على ما هو كامل (3) في القرابة الولاد، وسلموا عن وصمة مخالفة الحديث، ولا يلزم (4) تخصيص قوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} لأن الحديث بين أن
(1) وباعتبار هذا المعنى الثاني قال المنصف: لا نعرف معنى هذا الحديث، وأما باعتبار المعنى الأول فقال صاحب الحاشية: إنه يجري على المذاهب، انتهى. قلت: فالحديث لا يخالف الحنفية على كلا معنييه بل ولا الجمهور، إذ يراد بالقرابة القرابة الكاملة، كما وجهه الشيخ علي ما سيأتي في كلامه.
(2)
قلت: عدم قبول شهادة الوالد لابنه وكذا العكس إجماعي لم يختلف فيه إلا بعض أصحاب الظواهر، كما تقدم في كلام ابن رشد، والحديث باعتبار ما وجهه الشيخ لا يخالف أحدًا من الأئمة، ولعل المصنف حمل القرابة على مطلق القرابة، فقال: ولا نعرف معنى الحديث، وهذا كله على الاحتمال الثاني من احتمالي معنى الظنين، وأما على الأول فهو فسق كما عرفت.
(3)
فقد قال صاحب البدائع بعد ما ذكر عدم قبول شهادة الوالد وإن علا لولده وإن سفل وكذا العكس: أما سائر القربات كالأخ والعم والخال ونحوهم فتقبل شهادة بعضهم لبعض، لأن هؤلاء ليست لبعضهم تسلط في مال البعض عرفًا وعادة فالتحقوا بالأجانب، وكذا تقبل شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع، وكذا العكس.
(4)
جواب عما يرد على الجمهور أن نفي قبول شهادة الولد لوالده، وكذا العكس ينافي عموم الآية، وأجاب عنه الجصاص في أحكام القرآن بوجه آخر فقال: إن قيل إذا كان الشاهد عدلاً فواجب قبول شهادته لهؤلاء، كما تقبل لأجنبي، لأن من كان متهمًا في الشهادة لابنه بما ليس بحق له فجائز عليه مثل هذه التهمة للأجنبي، قيل له: ليست التهمة المانعة من قبول شهادته لابنه ولأبيه تهمة فسق ولا كذب، وإنما التهمة فيه من قبيل أنه يصير فيها بمعنى المدعي لنفسه، ألا ترى أن أحدًا من الناس وإن ظهرت أمانته وصحت عدالته، لا يجوز أن يكون مصدقًا فيما يدعيه لنفسه، لا على جهة تكذيبه ولكن من جهة أن كل مدع لنفسه فدعواه غير ثابتة إلا ببينة تشهد له بها، فالشاهد لابنه بمنزلة المدعي لنفسه لما بينا، وكذلك قال أصحابنا إن كل شاهد يجر بشهادته إلى نفسه مغنمًا أو يدفع بها عن نفسه مغرمًا فغير مقبول الشهادة، لأنه حينئذ يقوم مقام المدعي، والمدعي لا يجوز أن يكون شاهدًا فيما يدعيه، ثم اشتهد على ذلك بشهادة خزيمة في قصة بيع الأعرابي مع أنه لا أحد من الناس أصدق من نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ دلت الأعلام المعجزة على أنه لا يقول إلا حقًا، وأن الكذب غير جائز عليه، انتهى.
شهادة الولد للوالد والعكس ينافي العدالة، فكأن الحديث بين في معنى النص أن العدل من لا يتهم في خبره، وهذا متهم فلم يك عدلاً، فليس مما تناوله النص حتى يلزم تخصيص الكتاب بالسنة.
قوله [عدلت شهادة الزور إشراكًا بالله] لإخفاء أن المتعاطفين لا بد لهما من الشركة في وصف وإن اختلفا في آخر، كما هو مبين في البلاغة بأوضح بيان، وعلى هذا فلا بد من الوصف المشترك في هذين حتى يصح عطف أحدهما (1)
(1) أي في الآية الكريمة، وكأنه أشار بذلك إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: عدلت شهادة الزور، مستنبط من الآية الشريفة لهذا الوجه، قال الرازي في التفسير الكبير: وإنما جمع الشرك وقول الزور في سلك واحد لأن الشرك من باب الزور، لأن المشرك زاعم أن الوثن تحق له العبادة، فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله، انتهى. وقال القارئ: أي جعلت الشهادة الكاذبة مماثلة للإشراك بالله في الإثم، لأن الشرك كذب على الله تعالى بما لا يجوز، وشهادة الزور كذب على العبد بما لا يجوز، وكلاهما غير واقع في الواقع، انتهى.
على الآخر، وهو الاشتراك في كونهما كذبًا، وإن كان موجب أحدهما أشد من الآخر، فقوله عدلت لا يستلزم التكافؤ من كل وجه.
قوله [واجتنبوا قول الزور] في إعادة لفظ الأمر مزيد توكيد حيث كرر أمر الاجتناب، ولم يذكره تبعًا لما قبله. قوله [ثلاثًا] أي كرر الفقرة المذكورة ثلاثًا. قوله [ثم الذين يلونهم] في بعض النسخ مرتين، وفي البعض الآخر ذكره ثلاثًا، ومآلهما (1) بعد ذكر الراوي قوله ثلاثًا واحد (2).
(1) يعني لما ذكر الراوي لفظ ثلاثًا بالتصريح فلا بد أن تحمل النسخ التي وقعت فيها هذه الجملة مرتين على الاختصار ولا يكون بين النسختين تضاد، وقد أخرج البخاري من حديث عمران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، قال الحافظ: وقع مثل هذا الشك في حديث ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم، وفي حديث بريدة عند أحمد، وجاء في أكثر الطرق بغير شك، منها عن النعمان بن بشير عند أحمد، وعن مالك عند مسلم عن عائشة، قال رجل: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني ثم الثالث، ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال، وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه، قلت: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: أنا وقرني، فذكر مثله، وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني ثم الثالث، ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردأ، ورجاله ثقات، إلا أن جعدة مختلف في صحبته، انتهى. واقتضى الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، قاله الحافظ، وسيأتي تمام كلامه في أبواب الأمثال تحت قوله صلى الله عليه وسلم: مثل أمتي مثل المطر، الحديث، وفي أبواب المناقب تحت حديث القرون
(2)
وهي خيرية القرن الثالث بعد قرنه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالحديث يخالف الأحاديث التي ورد فيها بعد القرنين: ثم يفثو الكذب، ومقتضاها فشو الكذب ونحوه في القرن الثالث، وجمع بينهما في الإرشاد الرضى بأن الخيرية والشرية إضافيتان، فالقرن الثالث بعد قرنه صلى الله عليه وسلم شر باعتبار القرون الثلاثة التي سبقت، وخير باعتبار القرون الآتية، قلت: ويؤيده ما في المشكاة بوراية البخاري عن أنس مرفوعًا: لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده أشر منه، قال القارئ: وفي الجامع عن أنس مرفوعًا بلفظ: لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر منه، رواه أحمد والبخاري والنسائي، وفي الكبير للطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا: ما من عام إلا ينقص الخير فيه، ويزيد الشر، انتهى.
قوله [وبيان هذا في حديث عمر] حيث ذكر الشهادة بعد (1) ذكر فشو الكذب فكانت كذبًا.
(1) وجعل الإشهاد غاية لفشو الكذب، إذ قال: ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل، فكأن الكذب يترتب على الإشهاد.
هكذا بالألف في المشكاة، وفي المرقاة: قال القاضي: أخير وأشر أصلان متروكان لا يكاد يستعملان إلا نادرًا، وإنما المتعارف في التفضيل خير وشر، انتهى.