الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللفظ مع أن الحديث المذكور فيه ليس فيه ذكر الواديين إشارة إلى أن المذكور في الحديث ليس المراد به الحصر على ما ذكر، بل المراد به أنه لو كان له واد لابتغى ثانيًا، ولو كان اثنان لابتغى ثالثًا، وهلم جرًا إلى ما تشاء.
قوله [يهرم ابن آدم] ويضعف منه كل قوة وشهوة سوى هذين، وهذا أكثري.
[باب في الزهادة في الدنيا]
قوله [وأن تكون في ثواب المصيبة إذا إلخ] المراد بالمصيبة ههنا ما يصيب الجسم من الآلام والأسقام.
قوله [لو أنها أبقيت لك] داخل في المفضل والمفضل (1) محذوف، وتقدير العبارة كونك راغبًا في ثواب المصيبة لو أبقيت لك أزيد من رفعها، أي إن المصيبة لا تبقى بل ترتفع، لكنها لو أبقيت فإنك لا ترغب فيه أزيد من رغبتك فيها، هذا ما قاله الأستاذ أدام الله ظله وأفاض علينا كثره (2) وقله، وهو حق لا غبار عليه،
(1) هكذا في المنقول عنه، والظاهر فيه سقوط من الناسخ، والصواب المفضل عليه.
(2)
الكثر بالكسر والضم الكثير، وضده القل بالكسر والضم.
ولعله المحصور فيه الحق والصواب، ولا يبعد أن (1) في توجيه العبارة: أن المراد بالمصيبة ههنا ما يصيب من نقص في الأموال، والمفضل عليه محذوف، لكن جملة (لو أنها أبقيت لك) داخلة في المفضل عليه، والمعنى كونك أرغب في ذهاب الشيء الذي أصبت بفقدها من كونها لو أنها أبقيت لك ولم تذهب، وإطلاق المصيبة على الشيء المفقود المصاب به غير قليل، فقد ورد في الحديث: اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، فقد سأل خيرًا من المصيبة، وههنا لا يصح من المصيبة إلا المعنى الأخير، وعلى هذا فالحديث بيان لنعمتي الصبر والشكر، وموافق لما ورد من أن لا يفرح بموجود كما في الجملة الأولى، ولا يساء بمفقود كما في الجملة الثانية، والله أعلم بالصواب.
قوله [وهو يقول ألهكم إلخ] أي حين (2) وصلت إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم ألفيته صلى الله عليه وسلم يفسر قوله تعالى {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} أي طلب (3) الكثرة على الآخر، سواء كان في القول بأن يقول كل: مالي أكثر من مالك، ورجالي أكثر من رجالك،
(1) وكلا التوجيهين أحسن مما قال القارئ: (وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها) بصيغة المجهول (أرغب فيها) أي في حصول المصيبة (لو أنها) أي لو فرض أن تلك المصيبة (أبقيت لك) أي منعت لأجلك وأخرت عنك، فوضع أبقيت موضع لم تصب، وجواب لو ما دل عليه ما قبلها، وخلاصته أن تكون رغبتك في وجود المصيبة لأجل ثوابها أكثر من رغبتك في عدمها، انتهى. ففي هذا التوجيه غير معنى أبقيت بخلاف توجيهي الشيخين، انتهى.
(2)
ولفظ مسلم بسنده عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ إلهاكم التكاثر، الحديث.
(3)
قال القارئ: قوله إلهاكم التكاثر، أي أشغلكم طلب كثرة المال، وقوله: مالي مالي، أي يغتر بنسبة المال تارة ويفتخر به أخرى، انتهى.
إلى غير ذلك، أو في الفعل بأن يطلب كل كثرة على الآخر في ماله وخيله وجماله.
قوله [فأمضيت] فيه إشارة (1) إلى أنه ينبغي أن يكثر الانفاق، لأنه إبقاء إلى غير ذلك الموضع، فيوجد باقيًا، وقوله أفنيت وأبليت إشارتان إلى أن الواجب أو الذي ينبغي أن يداوم عليه ويثابر الاكتفاء من الأكل واللباس على ما لا بد منه، فإنه لما كان إفناءًا وإبلاءًا ينبغي أن لا يستكثر منهما فإنه إضاعة مختصة.
قوله [فكأنما حيزت (2) له الدنيا] أي كأنه سلطان، فإن المستفاد يجمع الدنيا ليس إلا هذه الثلاث.
قوله [ثم نقر بيديه (3)] أي صفق بهما وضرب بإحداهما على الأخرى
(1) قال القارئ: قوله فأمضيت، أي أمضية من الإفناء والإبلاء وأبقيته لنفسك يوم الجزاء، قال تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاق} وقال عز اسمه {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} الآية، انتهى.
(2)
قال القارئ: من الحيازة وهي الجمع والضم، قول في أوله: قوله سربه، المشهور كسر السين أي في نفسه، وقيل: السرب الجماعة فالمعنى في أهله وعياله، وقيل: بفتح السين أي في مسلكه وطريقه، وقيل: بفتحتين أي في بيته، انتهى.
(3)
هكذا في النسخ الهندية، وما فسر به الشيخ محتمل اللفظ، وفي النسخة المصرية، ثم نفض بيده، وفي المشكاة برواية أحمد والترمذي وابن ماجة: ثم نقد بيده، قال صاحب المجمع: بالدال من نقدته بأصبعي واحدًا بعد واحد، وهو كالنقر بالراء، ويروى به أيضًا، والمراد ضرب الأنملة على الأنملة أو على الأرض كالمتقلل للشيء، أي يقلل عمره وعدد بواكيه، ومبلغ تراثه، وقيل: هو فعل المتعجب من الشيء، انتهى. وقال القارئ: نقد بالنون والقاف والدال المهملة المفتوحات أي نقد النبي صلى الله عليه وسلم بيده، بأن ضرب إحدى أنملتيه على الأخرى حتى سمع منه صوت، وفي النهاية: هو من نقد الدراهم، ونقد الطائر الحب إذا لقطه واحدًا بعد واحد، وهو مثل النقر، ويروى بالراء وهو كذا في نسخة، أي صوت بأصبعه، وفي رواية -وهي الظاهر من جهة المعنى جدًا- ثم نفض يده، انتهى. ثم ذكر شيخ مشائخنا الشاه عبد الغني في الانجاح أن هذه الفرقة تسمى الملامتية ورئيسهم الصديق الأكبر فإنه لم ينقل عنه ما نقل عن غيره من الصحابة والتابعين وغيرهم من العبادات الكثيرة الشاقة، ومع ذلك ورد في حقه: لو وزن إيمان أمتي مع إيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر، وحقق ذلك الشيخ محي الدين العربي، وتبعه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت، وإنما يسمون بالملامتية لأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، لعدم التفاتهم إلى المخلوق لا لما اشتهر بين الناس أنهم يتهاونون في بعض أمور الشرع، حاشاهم عن ذلك، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولا يخفى أن مثل هذا الرجل يلام في العوام، ما لهذا الرسول يأكل الطعام، الآية، ثم لا يخفى أن هذه الصفات التي ذكرت في الحديث من كونه خفيف الحاذ، وقلة الرزق، والغموض في الناس، والحظ في الصلاة، وتعجيل المنية، وقلة التراث، كانت في الصديق الأكبر على وجه الكمال، فإنه لم يفتح في زمنه فتوحات، ولم يعش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وأشهرًا، وحظه في الصلاة بحيث لا يلتفت إلى غيرها مشهور في الأحاديث الصحاح، والغموض في الناس على حرفة البزازين، وقلة بواكيه لقلة العيال مما لا يخفى على المتأمل، انتهى.
كما يفعل في التعجيل للشيء وبيان عجيب في ديارنا أيضًا، والمراد بذلك أنه لما مرض وقارب الموت لم يسأله أحد لقلة المبالاة به وإنما (1) اشتهر موته، وذلك
(1) غرض الشيخ بهذا الكلام الإشارة إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم عجلت منهته ليس باعتبار موته وخروج روحه، بل باعتبار سماع الناس خبر موته، فإنهم لم يخبروا بمرضه بل بموته دفعة واحدة، وإنما احتاج إلى ذلك لأن الظاهر من اعتبار حاله من خفة الحاذ، وقلة المال، وقلة الأعوان، والبر على ما ابتلى به من الشدة، وكفاف الرزق، أن لا يداوى بالأدوية، ولا يعان بالأطباء، فالظاهر من هذه الأحوال ابتلاؤه بشدة المرض أيضًا، واختلفت الشراح في معنى عجلة المنية، فقيل: لم يلبث إلا قليلاً فإشارة إلى قصر عمره كما حكاه القارئ عن التوربشتي، وقيل: يسلم روحه سريعًا لقلة تعلقه بالدنيا، وغلبة شوقه إلى المولى، كما مال إليه القارئ، وحكى عن الأشرف أنه قليل مؤن الممات كما أنه قليل مؤن الحياة، انتهى.