الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[باب ما جاء في الحمية
(1)] قوله [إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا] هذا ليس كليًا كما يفهم من التنظير بل المراد الذي علم أنه يستضر بالدنيا، وأما إذا لم تضره فلا.
[باب ما جاء في الدواء والحث]
قوله [يا عباد الله تداووا] الأمر أمر إباحة وتخيير، ثم اعلم أن التوكل (2) أقسام بمقابلة النص كمن شرب سما متوكلاً
(1) قال الشيخ في البذل: الحمية أي عن المضرات، وقد ذكره الله تعالى في آية الوضوء بقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الآية فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب ما يؤذيه، انتهى.
(2)
اختلفوا في الجمع بين ما ورد في التوكل وبين ما ورد في الأدوية والرقى، وجمع الحافظ في الفتح بينهما بأربعة أوجه فأرجع إليه لو شئت، وفي العالمكيرية: اعلم أن الأسباب المزيلة للضرر تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع، وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب؟ ؟ ؟ سائر أبواب الطب، وإلى موهوم كالكي والرقية، أما المقطوع به فليس تركه من التوكل بل تركه حرام عند خوف الموت، وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين، وأما المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضًا للتوكل بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظورًا بخلاف المقطوع به بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي حق بعض الأشخاص فهو على درجة بين الدرجتين انتهى، وقال الغزالي في الأربعين: قد يظن الجهال أن شرط التوكل ترك الكسب وترك التداوي والاستسلام للمهلكات وذلك خطأ لأن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على التوكل وندب إليه، فكيف ينال ذلك بمحظوره، وتحقيقه أن سعى العبد لا يعدو أربعة أوجه. وهو جلب ما ليس بموجود من المنفعة، أو حفظ الموجود، أو دفع الضرر كي لا يحصل، أو قطعه كي يزول، الأول جلب النافع وأسبابه ثلاثة، إما مقطوع به، وإما مظنون ظنًا غالبًا ظاهرًا، أو موهوم، أما المقطوع به فمثاله أن لا يمتد اليد إلى الطعام وهو جائع، ويقول هذا سعي وأنا متوكل، أو يريد الولد ولا يواقع أهله، وهذا جهل لأن سنة الله تعالى لا تتغير وارتباط هذه المسببات بهذه الأسباب من السنة التي لا تجد لها تبديلاً، وإنما التوكل فيه بأمرين أحدهما أن تعلم أن اليد والطعام وقدرة التناول من قدرة الله، والثاني أن لا يتكل عليها بقلبه بل على خالقها، وكيف يتكل على اليد وربما يفلج في الحال أو يهلك الطعام وذلك تحقيق قولك لا حول ولا قوة إلا بالله، فالحول الحركة والقوة القدرة، فإذا كان هذا حالك فأنت متوكل وإن سعيت، وأما المظنون فكاستصحاب الزاد في البوادي والأسفار فليس تركه شرطًا في التوكل بل هي سنة الأولين، وأما الموهومات كالاستقصاء في حيل المعيشة واستنباط دقائق الأمور فيها وذلك ثمرة الحرص، وقد يحمل على أخذ الشبهة فكل ذلك ينافي التوكل، إلى آخر ما بسطه.
أو تردى من جبل أو ترك الأكل، وهو لا يستطيع هذه الأشياء فكان عدولاً عن امتثال قوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وهو حرام، وتوكل بترك ما غلب الظن بسببيته كشرب الدواء للمرضى، وهو أعلى مراتب التوكل، وعلى هذا فالأولى ترك المعالجة بتوكيله الله سبحانه، وتوكل بترك ما لم يغلب الظن على
سببيته كترك الرقى، وهذا أدنى مراتب التوكل بل ليس فوقه شيء من التوكل، وبما قررنا ظهر لك أن تداويه صلى الله عليه وسلم لنفسه أوامره لغيره بذلك إنما كان لبيان الجواز.
قوله [فإن الله لم يضع داء إلخ] إلا أن العلم بعين هذا الدواء النافع لهذا المرض لما لم يكن يقينًا (1) آل الأمر إلى غلبة الظن الحاصلة بكثرة التجارب فكانت المعالجة بشيء من الأدوية منافيًا لأعلى مراتب التوكل وإن لم يناف أصل التوكل. قوله [الهرم] المراد به (2) الموت لأنه علامة له وسبب، له فلا ينافي ما ورد في الروايات في تفسيره أنه الموت، وأيضًا فلا يرد على ذلك أن ضعف من الشيخوخة ممكن الانجبار بما هو معروف في إزالة الضعف وتقوية القوى والأعضاء الرئيسية.
[باب ما جاء لا تكرهوا (3) مرضاكم على الطعام والشراب] قوله [يطعمهم
(1) ولذا ورد في آخر حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود: علمه من علمه وجهله من جهله، قال الحافظ: أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم، ومما يدخل في قوله من جهله ما وقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه، فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الداء، فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبًا أن لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبًا فيقع الخطاء من ههنا، انتهى.
(2)
قال الحافظ: واستثناء الهرم إما لأنه جعله شبيهًا بالموت، والجامع بينهما نقص الصحة، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعًا والتقدير لكن الهرم لا دواء له، انتهى.
(3)
قال الشيخ في إنجاح الحاجة، أي إن لم يأكلوا برغبتهم ولا تقولوا إنه يضعف بعدم الأكل فإنه تعالى يطعمهم أي يرزقهم صبرًا وقوة فإن الصبر والقوة من الله حقيقة لا من الطعام والشراب ولا من جهة الصحة، وقال القاضي: أي يمدهم ويحفظ قواهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن، كذا في المرقاة، وقال الموفق: ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية وما أجدرها للأطباء، وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال طبيعته بمقاومة المرض فإعطاء الغذاء في هذه الحال يضر جدًا، انتهى. قلت: ولذا يمنعون عن الغذاء يوم البحران ويوم النوبة أشد المنع، لأن الطبيعة مشتغلة في هذه الأيام في مقابلة المرض خاصة، انتهى.