الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأشربة
[باب في شارب الخمر]
قوله [كل مسكر خمر] أما الأئمة الثلاثة (1) ومحمد رحمهم الله تعالى فقد حملوه على أنه بيان اللغة فكان كل ذلك خمرًا لا كالخمر
(1) اعلم أن صاحب الهداية أجاد الكلام ههنا مع الاختصار والإحصاء فنورده ملخصًا بلا خوف تطويل فقال الأشربة المحرمة أربعة الخمر وهي عصير العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، والعصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه وهو الطلاء، ونقيع التمر وهو السكر، ونقيع الزبيب إذا اشتد وغلى، أما الخمر فالكلام فيها في عشرة مواضع، الأول في بيان ماهيتها وهي النئي من ماء العنب إذا صار مسكرًا، وهذا عندنا وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم، وقال بعض الناس هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر خمر» وقوله صلى الله عليه وسلم «الخمر من هاتين الشجرتين» وأشار إلى الكرمة والنخلة ولنا أنه اسم خاص بأطباق أهل اللغة فيما ذكرنا، ولذا اشتهر استعماله فيه وفي غيره غيره، ولأن حرمة الخمر قطعية وهي في غيرها ظنية والحديث الأول طعن فيه يحيى بن معين، والثاني أريد به بيان الحكم إذ هو اللائق بمنصب الرسالة، والثاني في حد ثبوت هذا الحكم وهذا الذي ذكر في الكتاب قول أبي حنيفة، وعندهما إذا اشتد صار خمرًا ولا يشترط القذف بالزبد، وقيل يؤخذ به في حرمة الخمر احتياطًا، والثالث أن عينها حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه، ومن الناس من أنكر حرمة عينها، وقال السكر منه حرام وهذا كفر لأنه جحود الكتاب فإنه سماه رجسًا، والرجس ما هو محرم العين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقد جاءت السنة متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر وعليه انعقد الإجماع، ثم هو غير معلول عندنا حتى لا يتعدى حكمه إلى سائر المسكرات، والشافعي يعديه إليها. والرابع أنها نجاسة غليظة كالبول لثبوتها بالدلائل القطعية. والخامس أنه يكفر مستحلها. والسادس سقوط تقومها في حق المسلم حتى لا يضمن متلفها وغاصبها ولا يجوز بيعها، واختلفوا في سقوط ماليتها والأصح أنه مال. والسابع حرمة الانتفاع بها لأن الانتفاع بالنجس حرام. والثامن أن يحد شاريها وإن لم يسكر منها لقوله صلى الله عليه وسلم:«من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه» إلا أن حكم القتل قد انتسخ فبقى الجلد مشروعًا وعليه انعقد إجماع الصحابة. والتاسع أن الطبخ لا يؤثر فيها لأنه للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر على ما قالوا لأن الحد بالقليل في النئى خاصة وهذا قد طبخ. والعاشر جواز تخليلها وفيه خلاف الشافعي، هذا هو الكلام في الخمر، وأما العصير إذا طبخ حتى يذهب أقل من ثلثية وهو المطبوخ أدنى طبخة ويسمى الباذق والمنصف هو ما ذهب نصفه بالطبخ فكل ذلك حرام عندنا إذا اشتد وقذف بالزبد، أو إذا اشتد على الاختلاف، وقال الأوزاعي إنه مباح. وأما نقيع التمر وهو السكر وهو النئى من ماء التمر أي الرطب فهو حرام مكروه، وقال شريك بن عبد الله: إنه مباح، ولنا إجماع الصحابة عليه. وأما نقيع الزبيب وهو النئى من ماء الزبيب فهو حرام إذا اشتد وغلى وفيه خلاف الأوزاعي إلا أن حرمة هذه الأشربة دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها ويكفر مستحل الخمر، لأن حرمتها اجتهادية وحرمة الخمر قطعية، ولا يجب الحد بشر بها حتى يسكر ويجب بشرب قطرة من الخمر، ونجاستها خفيفة في رواية وغليظة في أخرى ونجاسة الخمر غليظة رواية واحدة، إلى آخر ما بسطه صاحب الهداية وشراحها.
فوجب لهم القول بنجاسته وحرمة شرب ما لم بسكر ولو قطرة والحد على شاربه، والإمام أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف فقالا: هذا ينافي منصب الرسالة أفترى النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليعلم العرب لسانهم التي هم أبناء بجدتها (1) والمصير إليهم في حل عقدتها فلم يكن مقصوده صلى الله عليه وسلم إلا بيان اشتراك كل مسكر بالخمر في الحد على شاربها لا غير وهذا لا يتحقق ما لم يسكر فإن الحكم على المشتق ينبئ عن كون المأخذ علة للحكم إلا أن الإمام مع ذلك حرم أربعًا من أنواع الخمر في بعض (2)
(1) قال المجد: هو ابن بجدتها للعالم بالشيء وللدليل الهادي ولمن لا يبرح عن قوله وعنده بجدة ذلك أي علمه، انتهى.
(2)
هكذا في الأصل والظاهر أنه وقع فيه شيء من السقوط ولعل الصواب لاشتراكها، ثم المراد بالأربعة إن كان مع الخمر فهي الأربعة المذكورة في كلام صاحب الهداية قبل ذلك، وعلى هذا فقوله بعد ذلك ثم حرمتها ظنية أي حرمة الثلاثة منها غير الخمر، وإن كان المراد الأربعة غير الخمر فلما مر في كلام صاحب الهداية أن العصير نوعان الباذق والمنصف، ثم لا يذهب عليك حاصل مذهبنا في الأشربة أنها ثلاثة أنواع أحدها الخمر تحرم قطرة منه ويحد بها ويكفر مستحلها. والثاني الأشربة الثلاثة المذكورة يحرم قليلها وكثيرها لكن لا يحد بها ما لم يسكر ولا يكفر مستحلها. والثالث ما سوى ذلك من الأشربة المسكرة يجوز شربها للتقوى لا للتلهي ما لم يبلغ حد السكر فإن بلغ مقدار الشرب إلى حد أسكر يحرم هذه الجرعة الأخيرة ومع ذلك لا يحد شاربها وإن سكر منه على قول، قالوا والأصح أنه يحد، كذا في الفروع. وهذا القسم الثالث مختلف عند أئمتنا ففي الدر المختار الحلال منها أربعة: الأول نبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخة إذا شرب بلا لهو وما لم يسكر فإن السكر حرام في كل شراب، والثاني الخليطان من الزبيب والتمر إذا طبخ أدنى طبخة، والثالث نبيذ العسل والتين والبر والشعير والذرة سواء طبخ أولاً، والرابع المثلث العنبي، وحرم محمد هذه الأربعة التي هي حلال عند الشيخين وبه يفتي، انتهى بزيادة.
أوصافها ثم حرمتها بعد ذلك ظنية لا غير، فلا يكفر جاحد حرمتها كما يكفر لو جحد حرمة الخمر.
قوله [لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا] اعلم أولاً أن عدم القبول لا يستلزم (1) عدم فراغ الذمة. وثانيًا أن المراد بالصباح هو اليوم تسمية للكل باسم الجزء لما أن بداية الصلوات كلها منه. وثالثًا أن الأربعين له صلوح المداخلة (2) في تغير الآثار وأن الغذاء يبقى أثر ما منه إلى انقضاء أربعين يومًا. ومعنى قوله لم يتب الله عليه أنه بناء على ما هو الأكثر من عادته سبحانه وتعالى الجارية في عباده من أنه لا يوفقه بعد ذلك للتوبة وإن تاب فالتوبة مقبولة، ومعنى قوله في الرابعة فإن تاب إنما هو إرادته التوبة لا حقيقتها، وكذلك معنى قول صلى الله عليه وسلم في الرواية المتقدمة فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة إنما هو إذا استحلها لأنه إذا أدمنها فكثيرًا ما لا يبقى في قلبه حرمتها، أو النفي غير مؤبد أي لم يشربها إلى حين انقضاء أيام الجزاء الذي قدر له، أو المعنى لم يشربها في الآخرة لعدم اشتهاءه إياها بأمر الله تعالى سبحانه وقدرته وتصرفه تعالى على قلبه وشهوته، ولا يمكن أن يقال إنه تشديد وتغليظ وليس المراد مدلول لفظه لأنه يلزم عليه أن يكون كذبًا،
و
(1) كما تقدم مبسوطًا في أول الكتاب وتقدم أيضًا الإجماع على فراغ الذمة في حديث الباب.
(2)
لما ورد في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك (أي أربعين يومًا) ثم يكون مضغة مثل ذلك، الحديث. وهذا الحديث، وأيضًا ميقات موسى أربعين ليلة وغير ذلك مما ورد في الباب مأخذ الصوفية في أربعيناتهم المشهورة المعلومة.
يمكن أن يقال إن من حمله على التشديد والتغليظ ليس غرضه أنه كلام لم يرد معناه أصلاً حتى يلزم الكذب بل، غرضه أنه لم يرد ظاهر معناه وحقيقته المتبادرة منه، وهو نفي القبول أصلاً، بل المنفي نوع من القبول خاص والأخبار متعلقة بنفي توبة مخصوصة وهو الرجوع بالرحمة الكاملة الذي كان لو لم يرجع إلى الشرب رابعة، إلا أنه أبرزه في صورة العام المطلق تشديدًا وتهديدًا كالمعلم يهدد تلميذه أو المولى يشدد على عبده فيقول: إن لم تفعل هذا قتلتك ليس المراد ظاهر معناه حتى يلزم الكذب، بل هو مجاز عن الضرب الشديد إلا أنه أبرزه في صورة القتل تغليظًا واتمامًا للزجر وتشديدًا، ولا يتوهم أن مدمن الخمر ليس بأدون شأنًا ولا أكثر عقابًا من الكافر ومع ذلك فكثير من الكفار يوفق للتوبة فكيف لا يوفق مدمن الخمر، وعدم التوهم لأن الكافر كان جاهلاً عن نعمة الإسلام ولم يعرف حقيقة أمره فلا يسخط عليه كما يسخط على من عرف بشأنه ثم سقط في هوة (1) المنكرات الشرعية، ونظيره المرتد فإنه ليس أسوء حالاً من أهل الذمة في نفس الكفر ومع ذلك فقد وجب قتل المرتد دون أهل الذمة لهذا الذي ذكرنا فإن الامتناع أسهل من الارتداد.
قوله [سئل عن البتع] وهو شراب العسل لكن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بقول فصل يمهد لهم أصلاً يتفرع عليه جزئيات كثيرة، وهو أن كل مسكر حرام، أو كل شراب أسكر فهو حرام، وما لم يبلغ مقداره إلى حد الاسكار لم يدخل في أفراد الموضوع حتى يصح عليه حمل الحرام، فبقى على حله، إلا إذا كان بغير نية التقوى للعبادة فإنه يحرم حينئذ المقدار الغير المسكر أيضًا لكن لا بالنص الذي (2)، بل بقوله عليه الصلاة والسلام الآتي بعد ذلك وهو ما أسكر كثيره فقليله حرام، وما أسكر الفرق منه فملأ منه حرام، وهذا الذي ذكرنا محمل لهذين الحديثين فإن قليله
(1) قال المجد: الهوة كقوة ما انهبط من الأرض أو الوهدة الغامضة منها كالهواءة كرمانة.
(2)
بياض في المنقول عنه ولعله سقط منه لفظ سبق أو تقدم أو ما في معناهما.
حينئذ يكون باعثًا على شرب كثيره فيكون سبب الحرام وسبب الحرام حرام، ولا يكون منجزًا إلى الكثير إذا كان شربه بنية التقوى على الطاعة وإنما يحتاج إلى أمثال هذه التأويلات لما ثبت من بعض (1) الصحابة شرب أمثالها، فعلم بفعله أن النهي ليس مطلقًا، عامًا ويمكن أن يقال في الرواية الأولى وهو ما أسكر كثيره أن الكثير والقليل كلاهما مسكرن إلا أن الكثير أكثر إسكارًا من القليل، فالقليل حينئذ قسمان قليل مسكر وقليل غير مسكر، والموضوع في الحديث هو القليل الأول دون الثاني، فكان المعنى أن القليل المسكر حرام وإن قل إسكاره، فبقى القليل الغير المسكر على حله، وهذا التأويل جار في قوله عليه الصلاة والسلام كل مسكر حرام
(1) ففي البذل عن البدائع: احتج أبو حنيفة وأبو يوسف بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة، أما الحديث فما في الطحاوي عن عبد الله بن عمر رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بنبيذ فشمه فقطب وجهه لشدته ثم دعا بماء فصبه عليه وشرب منه، وأما الآثار فمنها ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ الشديد ويقول: إنا لننحر الجزور، الحديث. ومنها ما روى عنه أنه كتب إلى عمار بن ياسر أني أتيت بشراب من الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه، يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه، فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم، نص على الحل ونبه على المعنى وهو زوال الشدة المسكرة بقوله: ويذهب ريح جنونه، وندب إلى الشرب بقوله: فليتوسعوا من أشربتهم. ومنها ما روى عن علي رضي الله عنه أنه أضاف قومًا فسقاهم فسكر بعضهم فحده، فقال الرجل: تسقيني ثم تجدني؟ فقال علي: إنما أحدك للسكر، وروى هذا المذهب عن ابن عباس وابن عمر أنه قال حين سئل عن النبيذ: اشرب الواحد والاثنين والثلاثة فإذا خفت السكر فدع، فإذا ثبت الإحلال من هؤلاء الصحابة الكرام فالقول بالتحريم يرجع إلى تفسيقهم، إلى آخر ما قاله.
قوله [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم] جملة استفهامية حذفت (1) منه همزة الاستفهام، والنهي عن منسوخ (2) كما يتبين بالحديث الآتي بعد ذلك، ولعل ابن عمر رضي الله عنه لم يبلغه النسخ، أو بلغه لكن لما كان ارتفاع النهي بارتفاع علته وهو وفور الرغبات إليها والتباس بلوغه إلى حد الاسكار عاد النهي بعود علته، ويكون السائل كذلك.
قوله [أو ينسج نسجًا] المراد بالنسج هو الخرط والصنع، والجامع توارد الحركات المختلفة كما في النسخ، وقيل: الصحيح (3) النسخ -بالحاء المهملة- وهو النقر
(1) وهي مذكورة في رواية مسلم.
(2)
قال ابن بطال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعًا للذريعة فلما قالوا لا نجد بدًا من الانتباذ في الأوعية، قال: انتبذوا وكل مسكر حرام، وهكذا الحكم في كل شيء نهى عنه بمعنى النظر إلى غيره، فإنه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لا بد لنا منها، قال: فأعطوا الطريق حقها، قال الخطابي: ذهب الجمهور إلى أن النهي إنما كان أولاً ثم نسخ، وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق، منهم ابن عمر وابن عباس، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق، قال: والأول أصح، والمعنى في النهي أن العهد بإباحة الخمر كان قريبًا فلما اشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط ترك شرب المسكر، وكأن من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ، هكذا في الفتح.
(3)
فقد أخرجه مسلم بلفظ ((وعن النقير وهي النخلة تنسخ نسخًا وتنقر نقرًا)) قال النووي: هكذا في معظم الروايات والنسخ بسين وحاء مهملتين أي تقشر ثم تنقر فتصير نقيرًا، ووقع لبعض الرواة في بعض النسخ تنسج بالجيم قال القاضي وغيره: هو تصحيف، وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيح مسلم وفي الترمذي بالجيم وليس كما قال، بل معظم نسخ مسلم بالحاء، انتهى، وفي المجمع: قيل الصواب بحاء مهملة بمعنى أن ينحي عنها قشرها، وقيل: النسج ما بحات عن التمر من قشره وأقماعه مما يبقى في أسفل الوعاء، انتهى، قلت: وتفسير الشيخ محمول على حمل النسج على معناه المشهور من نسج الثوب يعني أراد بالنسج الصنع مجازًا فإن في صنع الشيء أيضًا يتوالى الحركات من الفوق والتحت كما تكون في نسج الثوب. قال المجد: نسج الريح الربع أن يتعاوره ريحان طولاً وعرضًا، انتهى.
ثم النهي عن الانتباذ في هذه الظروف دون الأسقية لما فيها من خفاء حال المظروف لعدم إمكان انتفاخها عند الاشتداد، ولما فيها من تسارع الاشتداد إليه لعدم نفوذ الهواء، وأما الأسقية فيعلم حال ما فيها إذا اشتد وغلا، وهذا إذا أوكيت أفواهها فإنها بانتفاخها يعلم اشتداد ما فيها، وأما إذا لم يوك فالكل سواء.
قوله [الخمر من هاتين] ولا يعني به الحصر (1).
قوله [نهى أن ينتبذ البسر والرطب] هذا النهي كالنهي عن الانبتاذ في الظروف المتقدم ذكرها، كان (2) في أول الأمر لما فيه بعد الخلط من قوة فيسرع
(1) قال النووي: ليس فيه نفي الخمرية عن نبيذ الذرة والعسل وغير ذلك، فقد ثبت في تلك الألفاظ أحاديث صحيحة بأنها كلها خمر وحرام، انتهى، وقال أيضًا واتفق أصحابنا على تسمية جميع هذه الأنبذة خمرًا لكن قال أكثرهم: هو مجاز وإنما حقيقة الخمر عصير العنب، وقال جماعة منهم هو حقيقة، انتهى. قلت: فقول الحنفية موافق لقول أكثرهم، وما أفاده الشيخ من عدم الحصر هو المشهور بين أهل العلم من شراح الحديث وأصحاب الفروع، ومال صاحب نتائج الأفكار إلى الحصر فقال بعد البحث: والحق أن المراد بالحكم الذي أريد بيانه بالحديث هو حرمة قليله وكثيره، وهذا المعنى لا يتحقق في المتخذ من غير تينك الشجرتين، فيصح الحصر المستفاد من ذلك الحديث بلا غبار.
(2)
ففي الهداية: لا بأس بالخليطين لما روى عن ابن زياد أنه قال سقاني ابن عمر رضي الله عنه شربة ما كدت اهتدي إلى أهلي فغدوت إليه من الغد فأخبرته بذلك، فقال: ما زدناك على عجوة وزبيب، وهذا من الخليطين وكان مطبوخًا، لأن المروي عنه حرمة نقيع الزبيب وهو النيء منه، وما روى أنه عليه السلام نهى عن الجمع بين التمر والزبيب الحديث محمول على حالة الشدة، وكان ذلك في الابتداء يعني حمله على حالة الشدة والعسرة في ابتداء الإسلام لئلا يشبع هو بنوعين وجاره جائع.