الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمذكور في الرواية فرقًا بين التميمي (1) والتيمي، فلعل السامع يلتبس بينهما.
[باب مثل النبي والأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين]
قوله [فأكملها إلخ] يعني أن الشرائع التي كلف الله بها الأمم السابقة لم تكن كملت ولا تمت لقصور (2) في المكلفين بها، فبعث نبينا صلى الله عليه وسلم مكملاً ما بقى من الخيرات والبركات، هاديًا إلى أرشد السبل في الطاعات والعادات، بشرائع لا خلاف في أنها أحسن الشرائع ولا شقاق، ويشير إليه قوله: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
(1) هذا أيضًا مبني على النسخ الهندية، إذ فيها: وإنما كان ينزل بني تميم، والصواب ما تقدم عن النسخة المصرية: إنما ينزل بني تيم، والمعنى أن سليمان لم يكن تيميًا، وإنما نسب إليهم لنزوله فيهم.
(2)
ما أجاد الشيخ! فلا يرد على تقريره ما أشكل على الشراح من إيهام النقص في الأنبياء السابقين، وزعم ابن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة، وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار، قال: وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور، قال الحافظ: هذا إن كان منقولاً فهو حسن، وإلا فليس بلازم، نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها، وقد وقع في رواية همام عند مسلم: إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة، وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصًا، وليس كذلك، فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة، فالمراد ها هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة، انتهى.
قوله [وإنه كاد أن يبطئ بها] فإن الأمر إما مطلق أو مؤقت والتأخير في الأول لا يوجب مذمة ولا يعد المأمور به قاضيًا، وفي الثاني عصيان والمأمور بالتأخير فيه يعد قاضيًا، والأمر ليحيى عليه السلام لعله كان من قبيل الثاني، فلذلك صح قوله: كاد أن يبطئ بها، وعيسى عليه السلام لم يكن بعد أوحى إليه كتاب، فلا يشكل أنه كيف أمر يحيى مع وجود عيسى، وكيف ساغ لعيسى عليه السلام أن يطلب نيابة من الذي هو دونه، لأنهما (1) كانا مساويين إذًا، وفي قوله:((أخشى إن سبقتني بها)) إشارة إلى جواز الخلف في الوعد وامتنع لغيره، فإن العذاب في حق الأنبياء لو استحال لذاته لم يكن لخشيته عليه السلام معنى.
قوله [فامتلأ وقعدوا على الشرف (2)] يمكن أن يستنبط من ها هنا أن الإمام إذا كان من أسفل وصار بعض القوم في موضع عال منه جاز عند الضرورة والزحمة، فإن قوم عيسى لما ارتفعوا على الشرف بعد امتلاء بيت المقدس لم ينكر عليهم ذلك (3).
قوله [فقال] أي قال قائل وهو (4) الصدقة ها هنا، فإن الصدقة تطفئ
(1) علة لقوله: لا يشكل، يعني لم يكن يحيى دونه، بل كانا مساويين.
(2)
قال المجد: الشرف محركة العلو والمكان العالي، وشرفة القصر معروف والجمع شرف، انتهى. وفي لغات الصراح: الشرفة كمنكره جمعه الشرف.
(3)
مع كونه عليه السلام نبيًا، فجواز التفوق على الإمام يثبت بالأولى، والقصة وإن لم تكن في الصلاة لكن العلة وهي الازدراء بالإمام مشتركة فإن قدر الإمام ليس بأجل من قدر النبي.
(4)
فإن الصدقة هي التي فدت نفسها المتصدق الأسير، وهذا هو الظاهر من سياق الترمذي، والحديث ذكره ابن الأثير في أسد الغابة بتغير يسير في بعض الألفاظ، ولفظه في أمر الصدقة: إنما مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، فقال: دعوني أفد نفسي منكم فجعل يعطيهم القليل والكثير حتى يفدي نفسه، الحديث.
غضب الرب، ولا يرد البلاء إلا الصدقة والدعاء، واتقوا النار ولو بشق تمرة.
قوله [السمع والطاعة] لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أوتى جوامع الكلم بين في هذين اللفظين ما يربو كثيرًا على الخمس التي بينه يحيى عليه السلام، فإن السمع شامل لسمع أمر الله سبحانه وأنبيائه ونوابهم إلى يوم القيامة، فكأن المعنى إني آمركم أن تسمعوا أمر كل من أمركم موافقًا لأمر الله ورسوله ولو مباحًا، لو أميرًا (1) عليكم في كل ما لا يحصى تفاصيله، ثم إن السمع البحت لما لم يفد فقد قال قوم ممن سمع: سمعنا وعصينا، أردف السمع بالطاعة، فشمل ما في الشريعة من الأركان والعادات، والسنن والطاعات، وكرائم الأخلاق والحسنات، فلله دره، ثم إنه خص منه بعض ما اهتم به فقال:
[والجهاد والهجرة] وهما مثل الأولين يشملان معاني لا تحصى، وفي تخصيص الأمر بموافقة الجماعة مزيد اهتمام بها فإن التأسي بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو ملاك الأمر وسنام العمل.
قوله [ومن أدعى دعوى الجاهلية] علاوة على الخمس التي وعد بها، وليس شيئًا يباين ما سبق، فإن كلا من السمع والطاعة والجماعة يشمله إلا أنه فصله وبينه لما رأى ابتلاءهم بذلك، والمراد بدعوى الجاهلية يمكن أن يعم بحيث يصدق على كل ما خالف الشرع من الأمور، وإن يخص (2) بما اعتاده أهل
(1) أي لو كان الآمر أميرًا عليكم، والظرف في قوله: في كل ما لا يحصى متعلق للفعل في قوله تسمعوا، أو المصدر في قوله: لسمع أمر الله.
(2)
قلت: ولا يبعد أن يخص بما ذكر الحافظ برواية مسلم وابن حبان وغيرهما من طريق أبان بن يزيد وغيره، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري مرفوعًا بلفظ: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة، انتهى. فإن سند هذا الحديث يوافق سند حديث الباب فأولى أن يفسر به.
الجاهلية من دعاء أصنامهم، أو دعاء أعوانهم على الحطام الدنيوي للحرب والفساد، ودعائهم فيما بينهم بأسماء منعهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
قوله [عباد الله] منادى بحذف حرف النداء.
قوله [لا يسقط ورقها] هذا يحتمل أن يكون وجه (1) الشبه، وأن يكون بيانًا لبعض خواصه ليسهل عليهم فهمه، ومع هذا فهو بعض (2) من الوجوه
(1) ويؤيد ذلك ما قال الحافظ: ووجه الشبه بين المسلم والنخلة من جهة عدم سقوط الورق ما روى عن ابن عمر من وجه آخر بلفظ: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ قالوا: لا! قال: هي النخلة، لا تسقط لها أنملة ولا تسقط لمؤمن دعوة، انتهى.
(2)
اختلفوا في وجه الشبه في هذا التشبيه، وكلام الشيخ يشير إلى أنه جامع لأمور كثيرة، قال العيني: أما وجه الشبه فقد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو كثرة خيرها، ودوام ظلها وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منها منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها، فيستعمل جذوعًا وحطبًا وعصيًا ومحاضر وحصرًا، وغير ذلك مما ينتفع به من أجزائها، ثم آخرها نواها ينتفع به علفًا للإبل وغيرها، ثم جمال نباتها وحسن ثمرتها، وهي كلها منافع وخير وجمال، وكذلك المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ومواظبته على صلاته وصيامه، وذكره والصدقة وسائر الطاعات، هذا هو الصحيح في وجه الشبه، وقال بعضهم: وجه التشبيه أن النخلة إذا قطعت رأسها ماتت بخلاف باقي الشجرة، وقال بعضهم: لأنها لا تحمل حتى تلقح، وقال بعضهم: لأنها تموت إذا مزقت أو فسد ما هو كالقلب لها، وقال بعضهم: لأن لطلعها رائحة المنى، وقال بعضهم: لأنها تعشق كالإنسان، وهذه الأقوال كلها ضعيفة من حيث أن التشبيه إنما وقع بالمسلم وهذه المعاني تشمل المسلم والكافر.
التي وقع التشبيه لأجلها، وهي عدم سقوط ورقها، والورق بهاء النخل وزينتها وحياتها فهي لا تنفك عنها كالمؤمن، فإن الإيمان لا ينفك عنه ساعة، وهو بهاؤه وزينته وحياته، وطيب ثمرتها ونفعها، كما أن ثمرة المؤمن -وهي الأعمال الحسنة- طيبة نافعة، وأن النخل لا يطيب ثمارها بغير التأثير كما أن المؤمن لا يستجيد دينه ولا يكمله إل بتلقين وتعليم من الأستاذ والمرشد، وأن منفعة النخل تبقى بعد قطعها في منافع شتى، فكذا المؤمن يخلف من آثاره ما ينتفع به، وقد يقال: إن الماء إذا ارتفع على رأس النخلة فإنها تموت كما أن الإنسان كذلك.
قوله [فاستحييت إلخ] أشار إلى أن (1) الأدب مع الكبراء أن لا يتكلم بين أيديهم، لكن ذلك حسن في غير مسائل الدين وأحكامه، لقول عمر: لأن تكون قلتها إلخ، وفي الحديث جواز إدارة الأحاجي (2) فيما بينهم وأن لا منع
(1) قال الحافظ: في الحديث استحباب الحياء ما لم يؤد ذلك إلى تفويت مصلحة، ولذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت، وقد بوب عليه المؤلف في العلم والأدب، انتهى. بوب عليه بقوله ((باب الحياء في العلم)) كتاب العلم، وبقوله ((باب ما لا يستحي من الحق للتفقه في الدين)) في كتاب الأدب، وما أفاده الشيخ بوب له البخاري أيضًا في كتاب الأدب بقوله ((باب إكرام الكبير)).
(2)
جمع أحجية أصله أحجووة، يقال له في الهندية جيستان، كذا في لغات المقامات. ثم ما رواه أبو داؤد من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغلوطات محمول على ما لا نفع فيه، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه، قاله الحافظ: وفي البذل عن الخطابي: المعنى أنه نهى أن يعرض للعلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلظ ليستنزلوا فيها، يستسقط رأيهم فيها، انتهى