الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصراط، ثم بعد ذلك في الهول والشدة هو الميزان، ثم الحوض.
[باب ما جاء في الشفاعة]
قوله [أنا سيد الناس يوم القيامة] وارتباطه (1) بما قبله أن أكله صلى الله عليه وسلم بذلك كما مما ينكره (2) أهل الدنيا والمتكبرون بأنه يدل على الحرص وقلة الأدب فرده صلى الله عليه وسلم بأن كل سنتي فهو مشتمل لخيري الدنيا والدين، وإن كان ظاهره (3) خلافًا، فهذا البيان منه صلى الله عليه وسلم تنبيه على فضيلة سنته صلى الله عليه وسلم بأنها سنة مثل
(1) لله در الشيخ ما أجاد في الربط بينهما، ويحتمل أن يكون ذكره صلى الله عليه وسلم ذلك لمجرد الإعلام. والتبليغ وقوعه بوقت النهش اتفاقيًا، فإن القصة كانت في الدعوة كما في رواية للبخاري: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها، وقال: أنا سيد الناس، الحديث. وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم التبليغ والإعلام في المجامع.
(2)
كما هو مشاهد في زمننا هذا أيضًا فإنهم يعدون الأكل بالسكين ونحوه من الآداب في اتباع النصارى.
(3)
أي على سبيل التسليم والفرض، وإلا فالنهش لا مخالفة فيه بالآداب الظاهرة أو الأخلاق الحسنة في الظاهر أيضًا، ولا عبرة بمن غلبت عليه الصفراء فيحسب الحلاوة مرًا.
هذا الرجل الذي هو سيد (1) الأولين والأخرين، وشافع أهل المحشر من بين المرسلين فلا تكون إلا خيرًا محضًا.
قوله [فيبلغ الناس] مفعول (2) وفاعله الموصول بعده. قوله [فيقول اناس بعضهم لبعض: عليكم بآدم إلخ] وإنما لم يلهمهم الله أن يأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ليعلمهم فضله (3) صلى الله عليه وسلم بأنه تحمل ما لم يتحمله أحد من الأنبياء، وأطاق ما لم يطقه أحد من المرسلين، ولذلك لم يعلمهم آدم صفي الله أن يأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
قوله [وإنه قد كانت لي دعوة إلخ] يعني (4) أني لا أستيقن بقبولها لو
(1) وقد قال صلى الله عليه وسلم بقدر علو شأنه وارتفاع مقامه: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ آدم فمن سواء إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، كذا في المرقاة برواية الترمذي وغيره عن أبي سعيد.
(2)
أي لفظ الناس مفعول ليبلغ. وفاعله لفظ ما لا يطيقون الآتي بعد.
(3)
وأيضًا فما يحصل بتحمل المشاق الكثيرة يكون ألذ وأعلى منزلة وأرفع شأنًا، مع ما في هذا التدرج من المشاق التي تناسب يوم الحشر وعظمة شأنه، فقد حكى العيني عن الغزالي أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف سنة، وكذا إلى كل نبي، حتى يأتوا نبينا صلى الله عليه وسلم، انتهى. وقال الحافظ: لم أقف لذلك على أصل، وقد أكثر من إيراد أحاديث لا أصول لها، انتهى.
(4)
اختلفت الروايات في جوابه عليه السلام كما بسطها الحافظ في الفتح، ففي حديث الباب ما ترى، وفي حديث أنس عند البخاري: فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته، وفي رواية هشام: ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم، وفي حديث أبي هريرة: إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض، وجمع الحافظ بأنه اعتذر بأمرين: أحدهما نهي الله تعالى له أن يسأل ما ليس له به علم، فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك، ثانيهما أن له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض، فخشي أن يطلب فلا يجاب.
شفعت، وذلك لأنه قد كانت لي دعوة مستيقن إجابتها، لكني دعوت بها على قومي فلم يبق، فلا أشفع، أو المعنى أني لما دعوت على قومي فأهلكهم الله أخاف أن يسأل ربي لم دعوت عليهم فماذا جوابي إذًا. قوله [وإني قد كذبت ثلاث كذبات إلخ] وهذه وإن لم تكن كذبات (1) حقيقة بل إيهامًا وتورية وهي جائزة، لكنه عليه السلام خاف بها أيضًا على نفسه، فإنما حسنات الأبرار سيئات المقربين.
قوله [فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي إلخ] هكذا (2) ذكره أصحاب
(1) قال البيضاوي: إحدى الكذبات المنسوبات إلى إبراهيم عليه السلام قوله: إني سقيم، وثانيتها قوله: بل فعله كبيرهم هذا، وثالثتها قوله لسارة: هي أختي، والحق أنها معاريض ولكن لما كانت صورتها صورة الكذب سماها أكاذيب واستنقص من نفسه لها، فإن من كان أعرف بالله وأقرب منه منزلة كان أعظم خطرًا، وأشد خشية، وعلى هذا سائر ما أضيف إلى الأنبياء من الخطايا، قال ابن الملك: الكامل قد يؤاخذ بما هو عبادة في حق غيره كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، كذا في المرقاة.
(2)
وهكذا وقع في أكثر الروايات فقد أخرج البخاري حديث أنس في الشفاعة ووقع في آخره: ثم أشفع فيحد لي حدًا، ثم أخرجهم من النار، قال الحافظ: كأن راوي هذا الحديث ركب شيئًا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف، وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار، يعني وذلك يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط، وسقوط من يسقط في تلك الحالة، وهو إشكال قوي، وقد أجاب عنه عياض، وتبعه النووي بأنه وقع في حديث حذيفة بعد قوله: فيأتون محمدًا فيقوم فيؤذن له أي في الشفاعة، وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط الحديث. قال عياض: فبهذا يتصل الكلام لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف، ثم تجيء الشفاعة في الإخراج، ثم بسط الحافظ الروايات الدالة على ذلك، وقال بعد ذكر الجمع في الموقف، الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد، ثم تمييز المنافقين من المؤمنين، ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه قال: وبهذا تجتمع متون الأحاديث وتترتب معانيها، فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر. قلت، ويمكن الجواب أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم لما طلب تعجيل الحساب ليوم المحشر طلب أيضًا لأمته خاصة أدعية مخصوصة كما هو ظاهر دأبه صلى الله عليه وسلم من أدعيته العامة والخاصة الشاملة الكاملة، فعلى هذا يكون قوله صلى الله عليه وسلم: يا رب أمتي أمتي أحد الأدعية التي دعا بها في هذا الوقت ذكرها تطييبًا لقلوب أمته.
السنن والصحاح المتداولة بين أيدي علمائنا، والظاهر أن فيها هاهنا حذفًا وتركًا لم يذكره الروايات بأسرها، وهو أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لهم في شفاعته بالحساب والخلاص من عرصة المحشر، ثم يقول بعد ذلك في أمته ويلتمس منه سبحانه وتعالى أن يغفر لهم، فهذا قوله: يا رب أمتي أمتي إلخ. قوله [كما بين مكة وبصري (1)]
(1) بضم الموحدة وسكون الصاد المهملة مقصورة بلد معروف بطرف الشام من جهة الحجاز، هكذا في الفتح، واختلفت الروايات في تقدير مسافة الحوض اختلافًا كثيرًا بسطها الحافظ، وحكى عن القرطبي أنه قال: ظن بعض القاصرين أن الاختلاف في قدر الحوض اضطراب وليس كذلك، ثم حكى الوجوه المختلفة في الجمع بينها، منها ما أفاده الشيخ، ومنها ما حكى عن القاضي عياض أنه من اختلاف التقدير، لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابًا، وإنما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة، وكان صلى الله عليه وسلم يضرب في كل منها مثلاً بعد أقطار الحوض وسعته بما يسنح له من العبارة، ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المحققة، ومنها ما قال النووي إنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة، وحاصله أنه أخبر أولاً بالمسافة اليسيرة، ثم أعلم بالمسافة الطويلة فأخبر بها، كأن الله تفضل عليه باتساعه شيئًا بعد شيء قلت: وهذا الكلام في الحقيقة يتضمن ثلاث توجيهات كما لا يخفى، ومنها ما حكى الحافظ عن بعضهم أنه جمع الاختلاف بتفاوت الطول والعرض، ورد بما ورد زواياه سواء، ومنها ما جمع بعضهم باختلاف السر البطئي والسريع، قال الحافظ: وهو أولى ما يجمع به، انتهى.
ليس المقصود تحديده بل المراد تكثير طوله وعرضه حيثما ورد (1). قوله [شفاعي لأهل الكبائر] إن كان المراد بالشفاعة شفاعة (2) مغفرة المعاصي والسيئات فلا غرو
(1) يعني حيثما ورد بيان مسافة الحوض فالمراد فيه التكثير لا التحديد، وهو إشارة إلى الاختلاف المذكور الوارد في بيان مسافة الحوض.
(2)
قال القاري: الشفاعة خمسة أقسام: أولها مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم وهي الإراحة من هول الموقف، وتعجيل الحساب، الثانية في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه أيضًا ورد في نبينا صلى الله عليه وسلم، الثالثة الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله، الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعة نبينا والملائكة، وإخوانهم من المؤمنين، الخامسة الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها، وهذه لا ننكرها، انتهى أي هذه الأخيرة لا تنكرها المعتزلة وغيرهم أيضًا، فإنهم أولوا أحاديث الشفاعة إلى هذا النوع، وحديث الباب يرد عليهم. عجيبة حكاها النووي في كتاب الأذكار عن بعضهم أنه قال: لا يقل: اللهم ازرقنا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لمن استوجب النار، وهذا جهل وباطل رده النووي والقاضي عياض مع أن شفاعته صلى الله عليه وسلم لأقوام في دخولهم الجنة بغير حساب، ولأقوام لزيادة الدرجات، هذا وكل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو مشفق من كونه من الهالكين، ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة أيضًا فإنها لأصحاب الذنوب، رزقنا الله تعالى شفاعة نبيه ووسيع رحمته.
في حمل اللام للاختصاص، فإن أهل اللمم تغفر لممهم بحسناتهم ومصائبهم الدنيوية، وبما كابدوا في عرصات الحشر فلا يحتاجون إلى شفاعة، وإن أريد بها المعنى الأعم من رفع المعاصي ورفع الدرجات فالمعنى أن الشفاعة لأهل الكبائر أيضًا كما أنها لأهل الصغائر، قوله [بشفاعة رجل من أمتي إلخ] أي خارج (1) من الطائفة التي يقال لها إنها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيمكن أن يكون هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فإنه داخل في من قام بهذه الجهة، وكثيرًا ما يقال: خرج منا رجل ويريد به المتكلم نفسه، فكذلك فهم الصحابة رضوان الله عليهم هاهنا أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لعله عني بالرجل نفسه فصح سؤالهم بقولهم: سواك؟ ويمكن أن يقال كما أن الشهادة برسالته صلى الله عليه وسلم واجبة على أمته فكذلك الاعتقاد برسالته صلى الله عليه وسلم واجبة على نفسه النفيسة أيضًا، وبهذا المعنى لا يبعد عده نفسه صلى الله عليه وسلم من أمته لكونه من المؤمنين برسالته، ثم هذا الرجل
(1) هذا جواب عن إشكال يأتي في كلام الشيخ بنفسه، وتوضيح ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما قال بشفاعة رجل من أمتي فكان الظاهر من هذا السياق كون الرجل غيره صلى الله عليه وسلم، فكيف سأل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يا رسول الله سواك؟ مع أن الصحابة أهل اللسان وأهل العرفان، فسؤالهم هذا بظاهره عبث، وأجاب؟ الشيخ عن هذا الإشكال بجوابين مآلهما أن لفظ رجل كان محتملاً لشموله صلى الله عليه وسلم بوجهين: الأول أن لفظ الأمة قد يطلق على مجرد الطائفة فيدخل فيها رئيس الطائفة أيضًا، والثاني أنه صلى الله عليه وسلم من حيث أن الإقرار برسالته واجب عليه أيضًا داخل في أمة محمد، وبهذين الاعتبارين كان دخوله صلى الله عليه وسلم في مصداق هذا الرجل محتملاً، فلذا سأل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ما سألوا، ولما كان الظاهر منه أن يكون هذا الرجل غيره عبروا بهذا العنوان وقالوا: سواك يا رسول الله؟ ولعل الباعث لهم على اعتبار هذا الاحتمال استبعادهم شفاعة غيره صلى الله عليه وسلم لمثل هذه الجماعة الكثيرة الكبيرة.