الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رده، إلا أن (1) المستحسن للقاري أن يسكت عن قراءته فيرد عليه.
[باب في كراهية أن يقول: عليك السلام]
قوله [طلبت النبي صلى الله عليه وسلم] وكان حضوره لإرادة الإسلام إلا أنه لم يكن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك قال بعد ذلك: ولا أعرفه.
قوله [تحية الميت] الظاهر (2) في معناه أن عليك السلام بتقديم عليك
(1) وقد حكى ابن عابدين أنه يأثم بالسلام على المشغولين بالخطبة أو الصلاة، أو قراءة القرآن أو مذاكرة العلم وغيرها، وأنه لا يجب الرد في الأولين لأنه يبطل الصلاة، والخطبة كالصلاة، ويردون في الباقي لإمكان الجمع بين فضيلتي الرد وما هم فيه من غير أن يؤدي إلى قطع شيء تجب إعادته، انتهى.
(2)
وحكى القاري عن بعض العلماء أنه لم يرد به أنه ينبغي أن يحي الميت بهذه الصيغة إذ قد سلم صلى الله عليه وسلم على الأموات بقوله: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنما أراد به أن هذا تحية تصلح أن يحيى بها الميت لا الحي، وذلك لمعنيين: أحدهما أن تلك الكلمة شرعت لجواب التحية، ومن حق المسلم أن يحيي صاحبه بما شرع له من التحية، فيجيب صاحبه بما شرع له من الجواب، فليس له أن يجعل الجواب مكان التحية، وأما في حق الميت فإن الغرض من التسليم عليه أن تشمله بركة السلام، والجواب غير منتظر هنالك، فله أن يسلم عليه بكلتا الصيغتين، والآخر أن إحدى فوائد السلام أن يسمع المسلم المسلم عليه ابتداء لفظ السلام ليحصل الأمن من قبل قلبه، فإذا بدأ بعليك لم يأمن حتى يلحق به السلام، بل يستوحش ويتوهم أنه يدعو عليه، فأمر بالمسارعة إلى إيناس الأخ المسلم بتقديم السلام، وهذا المعنى غير مطلوب في الميت فساغ للمسلم أن يفتح من الكلمتين بأيتهما شاء، وقيل: إن عرف العرب إذا سلموا على قبر قالوا: عليك السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليك السلام تحية الميت على وفق عرفهم وعادتهم، لا أنه ينبغي أن يسلم على الأموات بهذه الصيغة، انتهى. فعلى الأخير يحمل على عرف خاص أو على جهل الرجل بالعرف، والجاهل بمنزلة الميت، فما أحسن موقع كلامه صلى الله عليه وسلم: عليك السلام تحية الميت، وفي المجمع: هذه إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المرائي كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء، وذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب بعليك السلام، فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب.
تحية خصها شعراء العرب وفصحاؤهم بالأموات كما يشهد به أشعارهم، فلا يناسب ذكرها للأحياء، ويمكن أن يقال وإن كان بعيدًا أن عليك السلام تحية الأموات (1) من أهل الجاهلية، فلا يناسب ذكرها في الإسلام لأهله، وإضافة التحية إلى الميت على التوجيه الأول إضافة المصدر إلى مفعوله، وعلى التوجيه الثاني إلى فاعله، أي كان الجاهلية يحيون به فما بينهم وقد ودع الإسلام هذه التحية.
قوله [ثم رد النبي صلى الله عليه وسلم] تأخيره صلى الله عليه وسلم في رده عليه مشعر بأن الرد لم يكن واجبًا (2) عليه، وإلا لسارع إليه قبل كل شيء، نعلم أن الذي يجب رده هو
(1) وهذا توجهه قريب من التوجيه الأخير في كلام القاري، والمعنى أن الميت جنس يراد به جهلة العرب، فإن الجهلاء أموات حقيقة، وفي المجمع: أراد بالموتى كفار الجاهلية، انتهى.
(2)
والمسألة خلافية، قال النووي: يكره أن يقول المبتدي: عليكم السلام، فإن قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور، وقيل: لا يستحق، وحكى ابن عابدين عن الشرنبلالي أنه لا يجب الرد على المبتدي بهذه الصيغة فإنه ما ذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام عليه، بل نهاه وهو أحد احتمالات ثلاثة ذكرها النووي، فيترجح كونه ليس سلامًا، وإلا لرد عليه، انتهى.
قلت: لكنه يرد عليه حديث الباب فتأمل، ثم ما أشار إليه المصنف من القصة الطويلة في حديث الباب هي ما في المشكاة برواية أبي داود عن أبي جرى قال: أتيت المدينة، فرأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئًا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله، قال قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال: لا تقل: عليك السلام عليك، السلام تحية الميت، قل: السلام عليك، قلت: أنت رسول الله؟ فقال أنا رسول الله الذي إن أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة نضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قلت: أعهد إلى، قال: لا تسبن أحدًا، قال: فما سببت بعده حرًا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاة، قال: ولا تحقرون شيئًا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الأزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه، انتهى.
التسليم الذي يكون على وجه السنة، وأما إذا سلم بتغيير لا يجب رده، وأيضًا فقد علم بذلك أن التغيير كما يكون بتبديل الكلمات يكون بنقض ترتيبها، ثم إن رده صلى الله عليه وسلم عليه بعد ذلك كان منة منه عليه وتفضلاً، فكذلك حكم التسليم والرد على من سلم غير موافق للسنة، ولعلك دريت من هذه الأحاديث ما في البدعات وإن قل (1) خلافها من الكراهة والشناعة.
قوله [كان إذا سلم سلم ثلاثًا إلخ] ليس المراد ما يتبادر منه أنه صلى الله عليه وسلم
(1) يعني وإن لم تكن البدعة بتمامها خلاف السنة، بل يكون فيها شيء يسير من خلاف السنة، وقوله: من الكراهة بيان لما في قوله: ما في البدعات.
كان كلما سلم سلم ثلاثًا، وكلما تكلم تكلم ثلاثًا، فإن هذا المعنى يرده كثير من الروايات والحكايات، بل المراد أن الثلاث كانت منتهى تكراره إذا أراد ذلك في الأكثر، فكان إذا سلم ولم يسمع أحد أو أراد أن يتكلم فيفهم ولم يسمعه المخاطب أعادها، وكانت الإعادة لا تجاوز الثلاث، وهذا المعنى خال عن التكلفات، نعم قد ثبت في بعض المواضع تكرار الإعادة فوق ثلاث لكنه نادر فلا يحكم عليه، ويمكن في توجيه تكرار التسليم ما قال المحشى أيضًا (1).
(1) ولفظه: أي للاستيذان، وفيه نظر لأن تسليم الاستيذان لا يثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا يثلث إذا حصل بالثاني، ولفظ إذا يقتضي التكرار فالوجه أن الأول للاستيذان، والثاني للتحية، والثالث للوداع، والمراد بالكلمة الجملة المفهومة المفيدة، كذا في المجمع. قلت: وزاد في المجمع عن الكرماني: كان ذلك أي التثليث في أكثر أمره، انتهى. فهذا توجيه ثالث، ويؤيد ما أفاده الشيخ لفظ الترمذي في شمائله برواية أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثًا لتعقل عنه. قال القاري: المراد ها هنا ما لا يتبين مبناها أو معناها إلا بالإعادة، وفي الاقتصار على الثلاث إشعار بأن مراتب الفهم ثلاث: الأدنى والأوسط والأعلى. وقال المناوي: الأولى للأسماع، والثانية للفهم، والثالثة للفكر، أو الأولى إسماع، الثانية تنبيه، والثالثة أمر، والثلاثة غاية، وبعده لا مراجعة، وحمله على ما إذا عرض للسامعين نحو لفظ فاختلط عليهم، فيعيده لهم ليفهموه، أو على ما إذا كثر المخاطبون، فيلتفت مرة يمينًا وأخرى شمالاً ليسمع الكل رده العصام بأنه تخصيص لابد له من مخصص، لكن نازعه الشارح بأنه لا يحتاج إلى توقيف، وقوله: لتعقل للإعادة بقصد حصول المعنى للمخاطب تنبيهًا على أن الإعادة كانت في مقام الحاجة، انتهى.
قوله [فاستحيي فاستحيى الله منهي يحتمل وجهين (1) أحدهما أن الرجل استحيى أن يشق الصوف ويخطي أعناق الجلوس، أو كره أن يدخل بين اثنين فيؤذيهما، فجلس (2) خلف الحلقة حياء فلم يدخل بينهم، فمعنى استحيى الله منه جازاه على حيائه، وعلى هذا فأجره أوفر من أجر صاحبه الذي دخل في الحلقة، والوجه الثاني أن يقال: إن الرجل قد كان أخذ في الذهاب، فلما مشى قليلاً أو كاد أن يزول عن موضعه استحيى من الله في أن يترك مجلس نبيه وهو يعظ الناس، أو استحيي من الناس أن يكون جلس معهم، وهم جلوس في مجلس وعظه صلى الله عليه وسلم، واستحياء الله تعالى على هذا التوجيه معناه إثابته وإشراكه في الأجر بصاحبه وترك عقوبته وعدم السخط عليه،
(1) ويؤخذ الاحتمالان معًا من كلام العيني إذ قال: قوله فاستحيا، أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر، قاله القاضي عياض، ويقال: معناه استحيي من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث، ويؤيد هذا المعنى ما جاء في رواية الحاكم: ومضى الثاني، فلبث، ثم جاء فجلس، انتهى. وقال النووي: قوله فاستحيي أي ترك المزاحمة والتخطي حياء من الله تعالى ومن النبي صلى الله عليه وسلم والحاضرين، أو استحياء منهم أن يعرض كما فعل الثالث، فاستحيى الله منه أي رحمه ولم يعذبه، بل غفر ذنوبه، وقيل: جازاه بالثواب، قالوا: ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول، انتهى. قلت: وهذا على المعنى الثاني دون الأول كما أفاده الشيخ، وهو ظاهر.
(2)
وبوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث «باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها» قال الحافظ: فيه استحباب الأدب في مجالس العلم، وفضل سد خلل الحلقة، وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ أحدًا، فإن خشي استجب الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني، وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير، انتهى.