الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم نجد من العلماء تصريحًا بالطعن فيه غير ابن عون.
[باب في كراهية التسليم على الذي]
قوله [يا عائشة! إن الله يحب الرفق إلخ] يرد عليه أن الرفق حيث سب النبي صلى الله عليه وسلم أحد غير سائغ، والجواب (1)
(1) وأجاب عنه القاضي عياض في الشفاء بعد ما بسط الكلام على قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلت: لم لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي الذي قال له: السام عليكم وهذا دعاء عليه، ولا قتل الآخر الذي قال له: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وقد تأذى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، ولا قتل المنافقين الذين كانوا يؤذونه في أكثر الأحيان، فاعلم وفقنا الله وإياك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول الإسلام يستألف عليه الناس ويميل قلوبهم إليه، ويجب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم ويداريهم، ويقول لأصحابه: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا منفرين، ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وكان صلى الله عليه وسلم يداري الكفار والمنافقين ويغضى عنهم، ويحتمل من أذاهم، ويصبر على جفائهم ما لا يجوز لنا اليوم الصبر لهم عليه، فلما استقر وأظهره الله على الدين كله قتل من قدر عليه، واشتهر أمره كفعله بابن خطل ومن عهد بقتله يوم الفتح، ومن أمكنه قتله غيلة من يهود وغيرهم، وبواطن المنافقين مستترة وحكمه صلى الله عليه وسلم على الظاهر، وأكثر هذه الكلمات إنما كان يقولها القائل منهم خفية ويحلفون عليها إذا نميت، ويحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر، وبهذا أجاب بعض أئمتنا عن هذا السؤال، وقال: لعله لم يثبت عنده صلى الله عليه وسلم من أقوالهم ما رفع، وإنما نقله الواحد ومن لم يصل رتبة الشهادة، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في السلام، وأنهم لووا به ألسنتهم، فلم يبينوه، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة، ولو كان صرح بذلك لم تنفرد بعلمه، ولذا نبه عليه الصلاة والسلام أصحابه على فعلهم {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} ويقال: السام عليكم ليس فيه صريح سب، ولا دعاء إلا بما لابد منه من الموت الذي لابد من لحاقه جميع البشر، وقيل: بل المراد تسأمون دينكم والسأم والسآمة الملال، وهذا دعاء على سآمة الدين ليس بصريح سب، ولذا ترجم البخاري على هذا الحديث «باب إذا عرض الذمي أو غيره بسب النبي صلى الله عليه وسلم» قال بعض علمائنا: وليس هذا بتعريض بالسب، وإنما هو تعريض بالأذى والأولى في ذلك كله والأظهر من هذه الوجوه مقصد التأليف والمداراة على الدين لعلهم يؤمنون، ولذا ترجم البخاري على حديث القسمة «باب من ترك قتال الخوارج للتألف، ولئلا ينفر الناس عنه» انتهى مختصرًا.
أنه لم يكن سبأ، إنما هي كلمة يشفي بها الحقود صدره، ولا يضر المؤمن (1) سيما النبي صلى الله عليه وسلم فأنى يؤثر دعاؤهم عليه صلى الله عليه وسلم، ومن هاهنا يعلم أن الرفق في أمثال هذه المواضع أي حيث سمع سب النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك لا يجوز، ألا ترى ما اعتذرت به عائشة رضي الله تعالى عنها حيث قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ فكانت تعلم أن الرفق لا يجوز هناك، ولو علم النبي صلى الله عليه وسلم لما منعني عن سبهم وشتمهم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالرفق لما أنه لم تكن سبًا (2)، لا لأن السب وسوء الأدب
(1) كما يدل عليه ما في المشكاة من رواية البخاري قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعني ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في.
(2)
أي صريًحا، كما تقدم في كلام القاضي عياض، أو يقال: كان من باب المداراة وتأليف القلب، كما تقدم مبسوطًا، ومسلك الحنفية في مسألة الباب ما في الدر المختار: ويسلم على أهل الذمة لوله حاجة وإلا كره، هو الصحيح، كما كره للمسلم مصافحة الذمي، ولو سلموا على مسلم فلا بأس بالرد لكن لا يزيد على قوله: وعليك، كما في الخانية، ولو سلم على الذمي تبجيلاً يكفر، لأن تبجيل الكفار كفر، قال ابن عابدين: قوله لا يزيد على قوله: وعليك، لأنه قد يقول السام عليكم، أي الموت، كما قال بعض اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: وعليك، فرد دعاءه عليه، وفي التتار خانية: قال محمد: يقول وعليك، ينوي بذلك السلام لحديث مرفوع أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا سلموا عليكم فردوا عليهم، انتهى.