الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان الظاهر من قوله ليجعلن الله أن الخلافة لما جعلها الله في غير قريش لفسقهم لم يبقوا مستحقين لها فصارت الخلافة الحقة حق غير قريش، وليس الأمر كذلك فإن استحقاقهم الخلافة لا يرد عليه مزيل إلى يوم القيامة، وعلى هذا اعترض عمرو ابن العاص حيث قال: كذبت والله إلخ، يعني أن الذي قاله البكري كان حقًا لا يرتاب فيه، فإن الأئمة القرشيين لما لم يعدلوا ينزع الله الملك عنهم ويعطيه غيرهم إلا أن الاستحقاق باق لهم بعد، وأما ما يتبادر بلفظ جعل الله أنهم لا يبقون مستحقين لها فكذبه عمرو ورده بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله [قريش ولاة الناس] أي مستحقون لها، وأما إذا تغلب رجل من غيرهم فإنه يصير أميرًا لا محالة فيجب متابعته (1) إذا لم يقدروا على عزله. قوله [رجل من الموالي يقال له جهجهاه (2)] الموالي الأعاجم ولعل ذلك بعد عيسى (3) عليه السلام.
[باب في المهدي]
قوله [لطول الله ذلك اليوم] لكون ولايته أمرًا يقينًا واقعًا لا محالة. قوله [خشينا أن يكون بعد نبينا حدث إلخ] ظاهر هذا
(1) قال النبي صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي، قال الحافظ: نقل ابن بطال عن المهلب لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي لما تقدم أن الإمامة لا تكون في قريش، وأجمعت الأئمة أنها لا تكون في العبيد، قال الحافظ: ويحتمل أن يسمى عبدًا باعتبار ما كان قبل العتق، وهذا كله إنما هو فيما يكون بطريق الاختيار، أما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخمادًا للفتنة ما لم يأمر بمعصية، انتهى. وكذا قال العيني وغيره.
(2)
اختلف في أن هذا ورجلاً من قحطان يسوق الناس بعصاه واحد أو اثنان كما بسطه الحافظ في الفتح.
(3)
وبذلك جزم عامة من صنف في علامات القيامة.
السؤال والجواب ليس على المطابقة بينهما فإن ظهور المهدي لا يشفيهم عما سألوه إذ ذلك لا ينفي الحدث، والجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان أخبرهم بخيرية القرن الذي هو فيه ثم بخيرية من بعدهم، وهكذا إلى ثان وثالث، علموا بوقوع الأحداث بعد ذلك فخافوا أن تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون، فكان ذلك شفقة منهم على أمة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وحسرة على حالهم أن يفاجئهم الموت في حال غفلتهم واشتغالهم بما لا ينفعهم في غدهم، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار ظهور المهدي (1) إذ ذاك، فيزكيهم ويعلمهم ويطهرهم عن دنس البدعات ويكلمهم، فلا يهلك الأمة بأسرها غافلة عن ربها لاهية في زهرة الدنيا وحبها، ويمكن أن يقال في الجواب أنهم لما علموا أن كل يوم شر من الأمس فكان مقتضى ذلك أن يضل الآخرون شر ضلالة لما رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ثم يفثو الكذب إلخ، وكذلك ما رووا في الروايات الأخر من أحوال هذه الأمة الذين لم يأتوا بعد فخافوا على إخوانهم المسلمين بابًا لهم (2) في هاتيك الضلالات، ومن ذا الذي ينبههم عن سنة الغفلات مع وفور الشرارات وتزايد الجهالات على مر الشهور والسنوات، فسلاهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن بين حال المهدي الذي هو آخر مجددي هذه الأمة، وبذلك علم حال ما يقدمه من الزمان دلالة، فإن ظهور الهداة في ذلك الزمان الذي هو غاية في الضلال والغواية وظهور الفتن
(1) قال الدمنتي: قال الرافعي في تاريخ قزوين أورده الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة أمير المؤمنين المهدي العباسي فكأنه أشار لحمل الحديث عليه، انتهى. قلت: ولا يخفي ما فيه، وهذا أحد الأقوال الأربعة التي ذكرها صاحب الإشاعة في المهدي، والصحيح أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان، وقد ملئت جورًا فيملئوها قسطًا وعدلاً كما عليه أكثر الأحاديث.
(2)
هكذا في الأصل، ويحتمل أن يكون ما بالهم أي ما يكون حالهم إذ ذاك، أو يكون ما نابهم أي ما يصل إليهم من الحوادث، أو با بانتهم وإبانة الرجل كل أصحابه، أو بابالتهم والإبالة الجماعة.