الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكلم بالكلمات الموجبة للرحمة والرضوان لا يتوقف ثوابه على علمه (1)، غاية الأمر أن مثوبته تزيد بعمله ناويًا للثواب، وكذلك الفعلة القبيحة لا يتوقف وزرها على علمه بها وقصده ذلك، وإنما الموقوف عليه المزيد.
[باب ما جاء في هوان الدنيا]
قوله [لو كانت الدنيا إلخ] الدنيا هي الغفلة من ذكره سبحانه، ومعنى الحديث أن أمتعة الدنيا لما كانت أسباب الغفلة زيدت للكفرة، ولو كانت الغفلة عند الله تزن (2) جناح بعوضة وهي الصغيرة من هذا النوع لما أعطى الكفار منها شيئًا.
قوله [السخلة] ووجه ذلك أنها لصغرها لا تفيد من حيث شعرها ولا
(1) لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئء ما نوى، وما في معناه من الروايات الكثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا.
(2)
قال القارئ: هو مثل للقلة والحقارة، والمعنى لو كان لها أدنى قدر ما سقى كافرًا من مياه الدنيا شربة ماء، أي يمنع الكافر منها أدنى تمتع، فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه، كما أشار إليه في حديث: إن الله يحمي عبده المؤمن عن الدنيا كما يحمي أحدكم المريض عن الماء، وحديث ((ما زويت الدنيا عن أحد إلا كانت له خيرة)) ومن كلام الصوفية: من العصمة أن لا يقدر، ومن دنائتها لديه أن يكثرها على الكفار والفجار، قال تعالى {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم لعمر: أما ترضي أن يكون لهم الدنيا ولنا الآخرة، انتهى. ولا يذهب عليك أن الشيخ فسر الدنيا بالغفلة، وعامتهم يفسرونها بالأموال والأمتعة، ولا منافاة بينهما، فإن أصل الدنيا الغفلة، لكن هذه الأشياء سبب لها وموجدها، وقلما يلم الرجل بعد هذه عن الغفلة، حفظنا الله تعالى عنها، ثم قال الراغب: البعوض بني لفظه من بعض، وذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات.
جلدها ولا غير ذلك، فظاهر هوانها.
قوله [إن الدنيا ملعونة] المراد بذلك ههنا هي الدار الدنيا، فالاستثناء بعد ذلك متصل، وإن أريد (1) بذلك الغفلة فالاستثناء منقطع.
وقوله [ملعون ما فيها] هذا محتمل للمعنيين كما قبله. وقوله [إلا ذكر الله وما والاه] أي والذي والاه الله تعالى أي أحبه (2)، أو المعنى والذي يكون سبب ذكر الله واتبعه، فيدخل في ذلك أسباب الذكر كالمناكح والمعايش والعلوم الأدبية وغيرها مما يحتاج إليه في ذكره سبحانه.
(1) كما قال الشيخ: جيست دنيا أن خدا غافل بودن ني قماش ونقره وفرزند وزن، وعلى هذا فمعنى قوله: ملعون ما فيها هي الأفعال الصادرة في هذه الحالة، وعلى هذا فاستثناء الذكر بمقتضى ما جزم به شيخ مشائخنا، قطب وقته، مصدر هذا التقرير، أن ذكر الله تعالى بقلب غافل أيضًا لا يخلو عن تأثير في القلب.
(2)
قال القارئ: أي أحبه الله تعالى من أعمال البر وأفعال القرب، أو المعنى ما والى ذكر الله، أي قاربه من ذكر خير، أو تابعه من أتباع أمره ونهيه، وقال المظهر: أي ما يحبه الله في الدنيا، والموالاة المحبة بين اثنين، وقد تكون من واحد وهو المراد ههنا، وقال الأشرف: هو من الموالاة وهي المتابعة، وقال الطبي: كان من حق الظاهر أن يكتفي بقوله: وما والاه، لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع، ثم بينه في المرتبة الثانية بقوله: والعلم، تخصيصًا بعد تعميم دلالة على فضله، فعدل إلى قوله: عالم ومتعلم، تفخيمًا لشأنهما صريحًا ولينبه على أن المعنى بالعالم والمتعلم العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن تعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدين، انتهى.