الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر الرجال]
عقد الترجمة بهذا اللفظ تنبيهًا على أن النهي في الحديث الوارد في هذا الباب إنما هو لكونه معصفرًا لا للحمرة فكأنه شرح الحديث بالترجمة، وهذا هو التحقيق أن الحمرة ليست حرمتها مطلقة، إنما الحرام (1) على الرجال هو المعصفر والمزعفر ما بدأ لونهما أو إذا غسل بحيث لا يكاد لونه أن يبدو إلا قليلاً لا يحرم.
قوله [وإبرار المقسم] له معنيان: أقسم رجل على ما لم يطق أن يفعله وجب إعانته حتى يفعل، والثاني أنه أقسم بما (2) هو مختص بك كان لم تأتني غدًا
(1) ففي الدر المختار: كره لبس المعصفر والمزعفر الأحمر والأصفر للرجال مفاده أنه لا يكره للنساء، انتهى.
(2)
وقال القارئ: والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل، وأنت تقدر على تصديق يمينه ولم يكن فيه معصية كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فأفعل كيلا يحنث، وقيل: إبراره في قوله لتفعلن كذا، انتهى. قلت: مال المعنى الأول من كلام القارئ ومعنى الثاني من كلام الشيخ واحد، والاحتمال الثاني من كلام القارئ هو معنى ثالث للرواية، ولها معنى آخر وهو المشهور أن يقسم أحد بأن يقول: أقسمت عليك، فهذا وإن لم يكن حلفًا شرعًا لكن الأولى أن يفعل ما سأله الملتمس احترامًا لاسمه عز اسمه.
فعبدي حر أو مثل ذلك فينبغي لك الذهاب إلى بيته حتى لا يحنث، وأورد (1) هذا الحديث ها هنا تمامًا للحديث الوارد قبله وإن لم يكن من هذا الباب.
قوله [أسمال مليتين] إذا أضيفت (2) التثنية إلى التثنية جاز لك أن تجمع المضاف. قوله [أقبية] وهي كالقميص إلا أنها (3) مشقوقة من خلف.
(1) هذا الكلام لم يكن في التقرير بل كان مكتوبًا بيد الشيخ على هامش كتابه فأوردته تكميلاً للفائدة، ويمكن توجيه المناسبة بأن يقال: إن الأمر السابع لم يذكر في هذا الحديث وهو الميثرة الحمراء كما في رواية الصحيحين وغيرهما ولفظة ((أو)) شك من الراوي، وتوجيه ذكر الحمرة في هذا الباب تقدم في كلام الشيخ.
(2)
وفي الحاشية: أسمال جمع سمل بسين مهملة وميم مفتوحة: الثوب الخلق، والمراد بالجمع ما فوق الواحد على أن الثوب الواحد قد يطلق عليه أسمال باعتبار اشتماله على أجزاء، وحينئذ فلا إشكال في إضافته إضافة بيانية إلى مليتين تصغير ملاءة بالضم والمد لكن بعد حذف الألف، ولا يقال: ملية، وهو كما في القاموس كل ثوب لم يضم بعضه ببعض بخيط بل كله نسج واحد، وفي النهاية: هي الازار، وفي الصحاح: هي الملحفة، قاله ابن حجر المكي في شرح للشمائل، انتهى. قلت: ثم ما ذكر المصنف أن في الحديث قصة طويلة، قال القارئ في شرح الشمائل: أخرجها الطبراني في الكبير في قريب زمن ورقتين، وتركته لأن النسخة كانت سقيمة ومصحفة محرفة جدًا بحيث ما كان يفهم المقصود منه، انتهى.
(3)
وترجم البخاري في صحيحه ((باب القباء وفروج حرير وهو القباء، ويقال: هو الذي له شق من خلفه)) قال الحافظ: القباء بفتح القاف والموحدة ممدود فارسي معرب، وقيل: عربي واشتقاقه من القبور وهو الضم، ويقال: الفروج هو الذي له شق من خلفه فهو قباء مخصوص، وقال القرطبي: القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلفه يلبس في السفر والحرب لأنه أعون على الحركة، وقال ابن بطال: القباء من لبس الأعاجم، هكذا في الفتح والعيني.
قوله [فقال: رضى مخرمة] من كلام (1) النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام مخرمة.
قوله [الشؤم في ثلاثة] وأصح (2) التأويلات فيه أن الشؤم يراد به
(1) قال الحافظ في اللباس: جزم الداؤدي بالأول، ورجحت في الهبة الثاني، انتهى مختصرًا.
(2)
وإنما احتيج إلى التوجيهات لمخالفته الحديث الصحيح المرفوع: لا عدوى ولا طيرة. وفي أبي داؤد برواية ابن مسعود مرفوعًا: الطيرة شرك ثلاثًا، والتطير والتشاؤم واحد، وجمع بينهما بوجوه كثيرة بسطها الحافظ وغيره من شراح البخاري لا يسعها هذا المختصر. والوجه الذي أختاره الشيخ في الجمع بينهما موجه بأنه مؤيد بعدة روايات، وذهب إليه أيضًا بعض السلف، قال الحافظ: وقيل يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع، وهو كحديث سعد بن أبي وقاص رفعه: من سعادة المرأ المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء، أخرجه أحمد، وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض، وبه صرح ابن عبد البر فقال: يكون لقوم دون قوم وذلك كله بقدر الله، وقال أيضًا في موضع آخر: أخرج أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سعد مرفوعًا: من سعادة ابن آدم ثلاثة، الحديث، بلفظ المركب الصالح، وفي رواية لابن حبان: المركب الهنئ والمسكن الواسع، وفي رواية للحاكم: وثلاثة من الشقاء، المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، والدابة تكون قطوفًا فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليل المرافق وللطبراني من حديث أسماء: من شقاء المرأ في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة، وفيه: سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها، وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها، وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها، انتهى.
معنيان: النحوسة المطلقة، والثاني اشتماله على ما تكرهه الطبيعة ويجتذب منه المشاق، وكونه سببًا لما تنتفر منه الطبيعة فحيث نفى الشؤم أصلاً أو قال (1): لو كان الشؤم لكان في هذه الثلاثة فالمراد هو المعنى الأول وحيث أثبته أراد الثاني.
قوله [ورواية سعيد أصح] يعني (2) أن ذكر حمزة من تلامذة سفيان لا يثبت فذكر ابن أبي عمر عن سفيان أنه ذكر حمزة يكون غير صحيح، نعم لو نسب إلى غير سفيان من أصحاب الزهري كان له وجه كما ذكروه عن مالك وغيره.
(1) وعليه حمل الإمام محمد في موطأه أحاديث الإطلاق إذ ذكر أولاً حديث الشؤم في المرأة والدار والفرس، ثم قال: قال محمد: إنما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس، انتهى. فكأنه أشار إلى أن أصل الحديث بلفظ إن الشرطية، وقد علم من الأحاديث الأخر النافية للطيرة أن الشرط لم يتحقق.
(2)
حاصل كلام الترمذي أنه رجح رواية سعيد التي ليس فيها ذكر حمزة على رواية ابن أبي عمر التي فيها ذكر حمزة، واستدل على مرامه بأن علي بن المديني والحميدي رويا عن سفيان أنه كان يقول: لم يرو لنا الزهري هذا الحديث إلا عن سالم عن ابن عمر، وتعقب الحافظ كلام الترمذي هذا وبسط الروايات التي فيها ذكر حمزة أيضًا، وقال في آخره: فالظاهر أن الزهري يجمعهما مرة ويفرد أحدهما أخرى، انتهى. وحاصل ما أفاده الشيخ توجيه لكلام الترمذي بحيث لا يرد عليه تعقب الحافظ، بأن إيراد الترمذي مقتصر على رواية سفيان فقط، وليس مقصوده الإيراد على جميع الروايات التي ورد فيها ذكر حمزة، كيف وقد روى عن مالك وغيره أيضًا.
قوله [عن معاوية بن حكيم إلخ (1)]. [باب لا يتنافى اثنان دون الثالث]
قوله [فإن ذلك يحزنه] فلعله يظن أنهما يتشاوران في أو لقلة (2) الالتفات.
(1) بياض في المنقول عنه بعد ذلك، ولعل الشيخ أراد كتابة توجيه الحديث فلم يتفق له، والمحدثون تكلموا على هذا الحديث، قال الحافظ: وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية، ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة، انتهى. وأنت خبير بأنه لا يخالف حديثًا على المحمل الذي حمل عليه الشيخ أحاديث الشؤم، فإنها بهذا المعنى تكون مختصة ببعض الأنواع كما صرح به ابن عبد البر، فيبقى اليمن في أفراد أخر، فتأمل.
(2)
يعني يكون سبب الحزن ما يظهر من قطنهما هذا قلة التفاتهما إلى الثالث، وقريب منه ما قالوا إنه يخالف إكرام المؤمن، وما قال الطحاوي في مشكلة من سوء الأدب بالثالث، وقيل: سبب الحزن ما يتوهم من فعلهما سوء رأيهما فيه، وأنه ليس ممن يعتمد عليه، أو خوف الغيلة وغيرها، كما أشار إليه الشيخ، ثم في الحديث عدة أبحاث: الأول علة النهي وقد تقدم، والثاني ما قال عياض: قيل كان هذا في أول الإسلام، فلما فشا الإسلام وأمن الناس، أي بعضهم عن بعض عن الغائلة وغيرها سقط هذا الحكم، قال صاحب الجمل: ذهب بعض الناس إلى أن ذلك في أول الإسلام، لأن ذلك كان حال المنافقين، فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، انتهى. وتعقبه القرطبي بأن هذا تحكم وتخصيص لا دليل عليه، والثالث ما قال الجمهور: لا فرق في ذلك بين السفر والحضر، وحكى الخطابي عن أبي عبيد بن جربويه أن الحكم مختص بالسفر في الموضع الذي لا يأمن الرجل على نفسه، وأما في الحضر والعمارة فلا، وحكى عياض نحوه ولفظه: قيل المراد بهذا الحديث السفر والمواضع التي لا يأمن فيها الرجل رفيقه،
_________
أو لا يعرفه، أو لا يثق به ويخشى منه، قال: وقد روى في ذلك أثر يعني ما أخرج أحمد بسنده إلى عبد الله بن عمرو رفعه: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما، وفي سنده ابن لهيعة، وعلى تقدير ثبوته فتقييده بأرض الفلاة يتعلق بإحدى علتي النهي، وهي توهم أنهما يتفقان على غائلة تحصل له منهما، وأحاديث الإطلاق تتعلق بالعلل الآخر، قال ابن العربي: الخبر عام اللفظ والمعنى والعلة الحزن موجودة في السفر والحضر فوجب أن يعمهما النهي جميعًا، والرابع أن ذكر الاثنين في أحاديث الباب ليس احترازًا، بل المنهي عنه ترك واحد، وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك: لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة لأنه نهى أن يترك واحد، وقال المازري ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد، قال القرطبي: بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد، فليكن المنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى، قال ابن بطال: وكلما كثر الجماعة كان أبعد لحصول الحزن، ووجود التهمة، فيكون أولى، والخامس ما قال الحافظ: ويستثنى من هذا الحكم ما إذا إذن من يبقى، فإن المنع يرتفع لكونه حق من يبقى، وقال النووي: النهي في الحديث للتحريم إذا كان بغير رضاه، وقال في موضع آخر: إلا بإذنه، أي صريحًا كان أو غير صريح، والإذن أخص من الرضا، لأن الرضا قد يعلم بالقرينة، فيكتفي بها عن التصريح، والرضا أخص من الإذن من وجه آخر لأن الإذن قد يقع مع الإكراه ونحوه، والرضا لا يطلع على حقيقته، لكن الحكم لا يناط إلا بالإذن الدال على الرضا، هكذا في الفتح، وفيه أن الرضا كما يعلم بالقرينة فكذلك الإذن، نعم لو قيل: إن الرضاء قد يحصل لكن لا يقدر على الإذن لعارض كمنع رجل كبير له بالإذن لكان له وجه، فتأمل. والسادس ما قال الحافظ أيضًا: إذا انتجى اثنان ابتداء وثم ثالث بحيث لا يسمع كلامهما لو تكلما جهرًا فأتى ليستمع عليهما فلا يجوز، كما لو لم يكن حاضرًا معهما، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية سعيد المقبري، قال: مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدث فقمت إليهما، فلطم صدري وقال: إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما، زاد أحمد في روايته من وجه آخر عن سعيد، قال: أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تناجى اثنان، قال ابن عبد البر: لا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجين في حال تناجيهما، انتهى. والسابع ما تقدم عن النووي أن النهي للتحريم. وهكذا حكاه عنه القارئ إذ قال: قال النووي: وهذا النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد نهى تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا بإذنه، وهو مذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء، وهو عام في كل الأزمان سفرًا وحضرًا، انتهى. وفي المسوى لشيخ مشايخنا الدهلوي أن النهي نهى تأديب، انتهى. وقريب منه ما في إنجاح الحاجة من أنه بعيد عن شأن المسلم.