الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله [هو مصيصي] نسبة إلى مصيصة بفتح الميم وكسر الصاد مخففة (1).
قوله [ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين] يعني بذلك إمكان اللقاء بينهما لاتحاد عصرهما.
قوله [أن يضرب الناس أكباد الإبل] وضرب الأكباد كناية عن طول السفر لما في أسفارهم من قلة في الماء فييبس (2) بذلك كبده.
[باب في فضل الفقه على العبادة]
قوله [فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم] يحتمل أن يكون هذا هو الحديث المسئول عنه، والظاهر أنه غيره وإنما ذكر هذا الحديث بشارة له، وإظهارًا لفضيلة طلب العلم.
قوله [كفضل القمر على سائر الكواكب] فيه إشارة إلى أن المعتبر من العلم ما وافق الكتاب والسنة، فإن القمر نوره مستفاد من نور الشمس، وليس
(1) بياض في المنقول عنه بعد ذلك، ولعل الشيخ أراد أن يذكر الاختلاف في ضبط هذه النسبة فلم يتفق له، وقال المجد: المصيصة كسفينة القصعة وبلدة بالشام، ولا تشدد، وقال السمعاني في الأنساب: المصيصي بكسر الميم والتحتانية بين الصادين المهملتين الأولى مشددة نسبة إلى بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام يقال لها المصيصة، وقد استولى الفرنج عليها، واختلف في اسمها، والصواب الصحيح المشدد بكسر الميم.
(2)
والضرب يستعمل استعمال الأفعال العامة، وقال صاحب المجمع: ضرب الأكباد كناية عن السير السريع لأن مريده يضرب كبده برجله.
من عنده، فكذلك يجب أن يكون نور العلم في العالم مستفادًا من نور شمس الرسالة، وأيضًا ففيه إشارة إلى أن أحدًا من أفراد الأمة وإن كان غاية في العلو فلا يساوي نبيه فإن ما فيه من الأنوار مستفاد من الغير وعرض له وبالواسطة، وهو إصالة وبالذات لنبيه، فكان أدون منه.
قوله [حسن سمت (1) ولا فقه في الدين] والسبب في ذلك منة الله
(1) قال القاري: أي خلق وسيرة وطريقة، وقال الطيبي: هو التزيي بزي الصالحين، وقال ميرك: السمت بمعنى الطريق أعني المقصد، وقيل: المراد هيئة أهل الخير، والأحسن ما قاله ابن حجر أنه تحرى طرق الخير، والتزيي بزي الصالحين مع التنزه عن المعائب الظاهرة والباطنة، وقوله: ولافقه عطف بلا لأن حسن سمت في سياق النفي، فلا لتأكيد المنفى المساق. قال التوربشتي: حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب، ثم ظهر على اللسان، فأفاد العمل، وأورث الخشية والتقوى، وأما الذي يتدارس أبوابًا منه ليتعزز به ويتأكل به فإنه بمعزل عن الرتبة العظمى، لأن الفقه تعلق بلسان دون قلبه، قيل: ليس المراد أن إحداهما قد تحصل دون الأخرى، بل هو تحريض للمؤمنين على الاتصاف بهما، والاجتناب عن أضدادهما، وهو من باب التغليظ، انتهى. قلت: لا شك أن كمال الفقه ما يورث الخشية والتقوى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين، قال القاري: أي أحكام الشريعة والطريقة والحقيقة، ولا يختص بالفقه المصطلح المختص بالأحكام الشرعية العملية، فقد روى الدارمي عن عمران قال قلت للحسن يومًا في شيء قاله: يا أبا سعيد هكذا يقول الفقهاء، قال: ويحك هل رأيت فقيهًا قط، إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه، انتهى. لكن المراد في حديث الباب هو المعنى المصطلح المختص بالأحكام الشرعية كما يظهر من كلام الشيخ، ويدل عليه العطف وأصله المغائرة، ولفظ يجتمعان بالتثنية.
على عباده ودفع أنواع المفاسد عن بلاده، وهو أن عادة الله جارية بأن الخلق تتبع حسن الفعال وإن لم يكن فقيهًا، وكذلك كثيرًا ما يرجعهم إليه المقرر واللسن وإن لم يكن متورعًا متصفًا بحسن السمت، وأما إذا جمع المرأ هذين الوصفين فهو غاية في كونه مرجعًا للأنام ومعتقدًا للخواص والعوام، فأما إذا فقه ولم يتورع ولم يجتهد في الطاعة فأكثر الناس يعرضون عنه، ويقولون فلان ليس بشيء، أما ترى أنه يرتكب كذا وكذا من المعاصي، وكذلك إذا تورع واجتهد في إتيان العبادات والحسنات واجتناب المعاصي والسيئات، فإنهم إذا لم يكن مع ذلك فقيهًا يقولون فيه: إنما هو جاهل مطلق لاحظ له من العلم، أفترى أنه يصل إلى مقام، وإنه لا يحسن مسألة عن الزكاة، ما هو إلا مدحرة الشيطان، لا يعتمد بصلاته ولا بصيامه، ولا بركوعه وسجوده وقيامه، إلى غير ذلك، فلذلك لم يوفق الله لهذين منافقًا.
قوله [والآخر عالم (1)] أي ليس يشتغل بنوافل الصيام والصلاة وإنما
(1) حكى صاحب المجمع عن الشيخ على المتقي: اتفق المحققون على أن أفضل الأعمال ما ينفع بعد موته، كالباقيات الصالحات الوارد في الكتاب العزيز، والسبعة الواردة في الحديث من تعليم، وإجراء نهر، وحفر بئر، وغرس نخل، وبناء مسجد، وترك مصحف أو ولد، قال: ونشر العلم أفضلها فإنه أبقى، إذ مثل النخل والبئر ينمحي بعد مدة، والعلم يبقى أثره إلى يوم الدين، قال: وله أسباب كتدريس، ووقف كتاب وإعارته، وإعطاء كاغذ، أو مداد، أو قلم، والعمدة فيه تعليم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عامي أو صبي الهجاء حتى يتفرع علوم جمة، كغرس شجرة يتفرع عليه أغصان وأثمار، ومما يدل على فضل التعليم والتعلم حديث فضل عالم يصلي المكتوبة ثم يجلس. الحديث، وغير ذلك من الروايات، قال: ثم رأيت كثيرًا من الجهاد المتصوفة يدعون سلوك الطريق إلى الله، وهم ليسوا عليها، وينكرون التعلم والتعليم ويمنعون أصحابهم عنهما، كأنهم أعداء العلم والعلماء، ولا يعلمون أنه يضر بإيمانهم، ويحتجون بكون النبي صلى الله عليه وسلم أميًا ولا يعرفون أنه صاحب وحي ومعدن علم، وربما يحصل الجاهل بشغل ذكر أو اسم بعض صفاء، فيغتر ولا يدري أن له آفات بغير علم كالحلول والاتحاد، وربما يحتج بعض الجهال بقول المشايخ: العلم حجاب الله الأكبر، ولا يدري أنه حجة عليه فإن مثله بترك العلم بهذا كمثل من عشق شخصًا فأخبر بأنه وراء جدار فيقول: الجدار حجاب فيتركه، فانظر هل أحد أحمق منه، وكان يجب عليه أن يقطع الجدار، ويصل إلى المحبوب، وإنما وصفوه بالحجاب الأكبر لأنه يحتاج في قطعه إلى مشقة شديدة، كما قال أبو يزيد: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت أشد من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبت، وأيضًا إنما يكون حجابًا لمن طلبه للتفاخر وحطام الدنيا، وأيضًا مثل من ترك العلم كشخص يدعي محبة أحد فأرسل المحبوب إليه كتابًا يتضمن طريق وصوله إليه، وهو يطرح الكتاب ويظن أنه حجاب، فلا شك أنه ينسب إلى الحق، فالقرآن والحديث وعلوم الدين تعرف طريق الوصول إلى الله. ثم اعلم أن العلم ظاهر وباطن، وللظاهر مقدمات كالفنون العربية، ومقاصد كالتفسير والفقه والحديث، والباطن علم الأخلاق كالإخلاص والتوكل والتواضع وغيرها، وضدها كالكبر ونحوها، وكل منها إما فرض عين أو فرض كفاية، ويطلب كل ذلك من مظانه، وبالله التوفيق، انتهى.
وقته بعد أداء الفرائض والسنن الرواتب مشغول في تعلم العلوم وتعليمها، إذ لو لم يأت بهذا القدر من العبادة لكان فاسقًا، {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} .
قوله [حتى يكون منتهاه الجنة] أي حتى الموت، فإن منتهى تحصيله العلوم إنما هو الموت لكنه عبر عنه بالجنة لما أن قبر المؤمن روضة من رياضها.
قوله [ضالة المؤمن] فإن (1) النفوس قد جبلت على الفطرة، وهي مبدأ لكل خير ومنشأ لكل حسنة، لكن كثافات البهيمية والدار الدنيوية منعتها عن ملاحظة تلك الفضائل فنسجت عليها عناكب الذهول والنسيان، ولكن كلما وقف عليها باطلاع من غيره أيًا ما كان فهو أحق بها لأنها كانت له، وإنما ذهبت من عنده لسوء اختياره وقلة تحفظه وتذكاره.
(1) لله در الشيخ ما أجاد في توجيه إطلاق الضالة على الحكمة، وهذا أوجه مما ذكرت الشراح من التوجيهات، قال القاري: قوله ضالة الحكيم، أي مطلوبه، قال السيد جمال الدين: يعني أن الحكيم يطلب الحكمة، فإذا وجدها فهو أحق بها، أي بالعمل بها واتباعها، أو المعن أن كلمة الحكمة ربما تفوه بها من ليس لهاها بأهل، ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من قائلها من غير التفات إلى خساسة من وجدها عنده، أو المعنى أن الناس يتفاوتون في فهم المعاني فينبغي أن لا ينكر من قصر فهمه عن إدراك الحقائق على من رزق فهمًا، كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها، أو كما أن الضالة إذا وجدت مضيعة فلا تترك، بل تؤخذ ويتفحص عن صاحبها حتى ترد عليه، كذلك السامع إذا سمع كلامًا لا يفهم معناه ولا يبلغ كنهه، فعليه أن لا يضيعه وأن يحمله إلى من هو أفقه منه، فلعله يفهم أو يستنبط منه ما لا يفهمه، أو كما أنه لا يحل منع صاحب الضالة عنها فإنه أحق بها، كذلك العالم إذا سئل عن معنى لا يحل له كتمانه إذا رأى في السائل استعدادًا لفهمه، انتهى.