الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأضاف الثَّوبين إليه؛ لأنَّهما كانا مَلبوسَين لأَجْله، وهو المُسوِّغ للإضافة، وإنْ أرادَ المُتحلِّي كمَنْ لَبِسَ ثوبَين مِن الزُّور، قد ارتَدى بأَحدِهما، واتَّزَر بالآخَر، كقوله:
إِذَا هُوَ بالمَجْدِ ارتَدَى وتَأزَّرا
قال (ك): الكلام الكافي، والتقدير الشَّافي أنْ يُقال: مَعناه المُظهِر للشِّبَع وهو جائعٌ؛ كالمُزوِّر الكاذِب المُتلبِّس بالباطِل.
وشبِّه الشِّبَع بلُبس الثَّوب بجامع أنَّهما يَغشَيان الشَّخص تَشبيهًا تحقيقيًّا أو تَخييليًّا كما قيَّد السَّكَّاكي في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]، وفائدة التَّشبيه المُبالغة إشعارًا بالاتزار والارتداء، يعني: ذُو زُورٍ من رأْسه إلى قَدَمهِ، أو الإعلام بأنَّ في التشبُّع حالتَين مكروهتَين: فُقدان ما يُشبَع به، وإظْهار الباطِل.
* * *
107 - بابُ الْغَيْرة
وَقَالَ وَرَّادٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غيْرَ مُصْفِحٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أتعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي".
(باب الغَيْرة)
قوله: (قال وَرَّاد) موصولٌ في (الحدود).
(غَيْرَ مُصْفِحٍ) قال (ع): بكسر الفاء، وسُكون الصاد، وقد رويناه بفتح الفاء، أي: غير ضارِبٍ بعرضه للزَّجر، والإِرهاب بل بِحَدِّه تأكيدًا لبَيان ضَربه لقَتْله وإهلاكه، فمَن فتَحه جعلَه وَصْفًا للسَّيف، وحالًا، ومَن كسَره جعلَه وَصْفًا للضَّارب، وحالًا منه، وصَفْحتا السَّيف وَجْهاه العَريضان، وغِراره حَدَّاه.
وقال ابن الأَثِيْر: يُقال صَفَحَه بالسَّيف: إذا ضَرَبه بعَرْضه دُون حَدِّه، فهو مُصفِح، والسَّيف مُصفَحٌ به، ويُروَيان معًا، وقد حكى السَّفَاقُسي تشديد الفاء من صفَّح.
* * *
5220 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ".
الحديث الأول:
(أحب) بالنصب، والمَدح فاعلُه، وهو مِثْل مسأَلة الكُحل، وفي بعضها بالرَّفْع.
وسبَق في (سورة الأنعام).
* * *
5221 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزني، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا".
الثاني:
(يزني) يجوز فيها التذكير والتأنيث حيث جازَ أنْ يكون خبَرًا في الأصل للعَبْد والأَمَة.
(ما أعلم)؛ أي: مِن شُؤْم الزِّنا ووَخامَة عاقبَتِه، أو مِن أَحوال الآخِرة وأَهوالها.
* * *
5222 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ".
الثالث:
(أغير) جوَّز ابن السِّيْد رفعَه ونصبَه على أنَّها تميميَّةٌ أو حِجازِيَّةٌ،
و (مِن) زائدةٌ لا مؤكِّدةٌ في المَوضعَين، ويجوز إذا فتحت الرَّاء من (أَغير) أنْ تكون صِفةً لأَحَد على المَوضع، والخبَر محذوفٌ في الوجهَين، أي: موجودٌ.
* * *
5223 -
وَعَنْ يَحْيَى، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللهُ".
الرابع:
(أن لا يأتي) قال الغَسَّاني: كذا في جميع النُّسَخ، وصوابه: أَنْ يَأْتِيَ.
قال (ك): لا شكَّ أنه ليس معناه: أنَّ غَيْرة الله -تعالى- هو نفْس الإِتْيان أو عدَمه، فلا بُدَّ مِن تَقدير نحو: لئَلَّا يأتيَ، أي: غَيرة اللهِ تعالى على النَّهي عن الإِتْيان، أو على عدَم إتْيان المُؤمن به، وهو المُوافق لمَا تقدَّم حيث قال ":(ومِنْ أَجْل ذلكَ حَرَّمَ الفَواحِشَ)، فيكون ما في النُّسَخ صَوابًا.
ثم يقول: إنْ كان المَعنى لا يَصحُّ مع (لا)؛ فذلك قَرينةٌ لكَونها
زائدةً نحو: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12].
أما نِسبة الغَيرة إلى الله -تعالى- فأوِّلَتْ على الزَّجْر، والتَّحريم، ولهذا جاء:(ومِنْ غَيْرتهِ تَحريمُ الفَواحِشِ).
قال (ن): الغَيْرة: المَنْع، والرَّجل غَيُورٌ على أهله، أي: يَمنَعُهم من التَّعلُق بأجنبي بنَظَرٍ أو حديثٍ ونحوه، وقال بعضُهم: الغَضَب لازِمُ الغَيرة، فغَيرةُ الله غضَبه على الفَواحِش.
قال (خ): قوله صلى الله عليه وسلم في الغيرة: أنْ لا يَأتِيَ أَحسَنُ ما يكون في تفسير غَيرة اللهِ -تعالى- وأَبْيَنُه.
وقال الطِّيْبِي: هو مبتدأ، وخبره بتقدير اللام، أي: غَيرة اللهِ تأتيهِ لأَجل أنْ لا يأتيَ.
* * *
5224 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: تَزَوجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ، وَلَا مَمْلُوكٍ، وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ، وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَستقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجنُ، وَلَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي، وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ:
"إخْ إخ". لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرتَهُ، وَكانَ أَغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: لَقِيني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأنَاخَ لأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ. فَقَالَ: وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ. قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِيني سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي.
الخامس:
(ولا مملوك) خاصٌّ بعد عامٍّ.
(ولا شيء) عامٌّ بعد خاصٍّ.
(ناضح) بعيرٌ يُسقَى عليه.
(وأخْرِزُ) هي خِيَاطة الجُلُود.
(غَرْبَهُ) هو الدَّلْو العَظيمة.
(نِسْوَةَ صِدْقٍ) بالصِّفة والإضافة، والصِّدْق بمعنى: الصَّلاح والجُودة، أي: نِسوةً صالحاتٍ.
(فَدَعَاني) إنما عرَض عليها الرُّكوب؛ لأنها أُختُ زَوجتِه، فهي كالمَحرَم الآن.
(إخْ إخْ) بكسر الهمزة، وسُكون المُعجمة: صَوت عند إناخَةِ البعير.
قال في "المُفصل": بَخ مشدَّدة ومخفَّفة: صَوتُ إناخَتِه، وهَيْخْ، وإيخْ مثله.
(أشد) لأنَّه لا عارَ في الرُّكوب مع النبي صلى الله عليه وسلم بخلافِ حَمْل النَّوى، فإنَّه قد يُتوهَّم منه خِسَّة النَّفْس، ودَناءة الهِمَّة، وقِلَّة التَّمييز.
* * *
5225 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَة فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ:"غَارَتْ أُمُّكُمْ"، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كسَرتْ.
السادس:
(علي)؛ أي: ابن المَدِيْني.
(بعض نسائه) هي عائشة رضي الله عنها.
(إحدى أُمهات المؤمنين) هي صَفيَّة، وقيل: أُم سلَمة، وقيل: زينب.
(فِلَقَ) ضُبط بكسر الفاء، وفتح اللام.
قال السَّفَاقُسي: والظَّاهر أنَّه بفتح الفاء، وسُكون اللام: جمع: فَلْقَة كتَمْرةٍ وتَمْرٍ، وهي القِطْعة، لا يُقال: القَصْعة مُتقوِّمةٌ لا مِثْليَّةٌ، فيكف ضُمِّنَت بقَصعةٍ؟ لأنَّ كليهما مِلْك النبي صلى الله عليه وسلم، فله التصرُّف بما شاءَ.
وسبق الحديثُ في (المَظالم).
* * *
5226 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أتيْتُ الْجَنَّةَ، فَأبْصَرْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلَّا عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ"، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، يَا نبِيَّ اللهِ! أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ؟!
السابع:
سبَق في (باب: ما جاء في صفة الجنة).
* * *
5227 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني ابْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا