الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
65 - باب فَضْلِ التَّسْبِيحِ
(باب: فضل التسبيح)
6406 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ".
(كلمتان) من تسميته الجملةَ كلمةً، وهو مجازٌ شائع؛ كما يقال: كلمةُ الشّهادة.
(خفيفتان) فيه من البديع: المقابلة بين الخفة والثقل، والقصد: أنه عملٌ قليل، وثوابه كثير، وجوازُ السجع، ويحمل ما نهي عنه على نحو سجع الكهان؛ لأنه باطل، وما يتكلَّفُ.
(الميزان)؛ أي: الّذي يوزن به في القيامة أعمالُ العباد، وفي كيفيته أقوال، والصّحيح: أنه جسم محسوس ذو لسان، وكفتين، والله تعالى يجعل الأعمالَ كالأعيان موزونة، أو توزن صحف الأعمال.
وفيه: إثبات الميزان.
(حبيبتان)؛ أي: محبوبتان؛ أي: محبوبٌ قائلهُما، ومحبته هي إرادةُ اتصال الخير لهُ، وأمّا تأنيث حبيب، مع أن فعيلًا بمعنى مفعول
يستوي فيه المذكر والمؤنث، إمّا لكونه جائزًا لا واجبًا، أو الوجوب في المفرد، لا حالَ التثنية، أو أنث لمناسبة خفيفة وثقيلة، إذ هما بمعنى فاعل لا مفعول، أو التاء لنقل اللّفظ من الوصفية إلى الاسمية.
(الرّحمن) خص من بين سائر الأسماء؛ لأن السياق لبيان سَعَةِ رحمة الله تعالى؛ حيث يجازي على العمل القليل الثوابَ الكثير.
(سبحانَ) لازم النصب على المصدرية بإضمار فعل، وهو عَلَم على التسبيح، وهو من العَلَم الجنسي الّذي للمعنى، والعَلَم شخصي وجنسي، ويكون للعين وللمعنى، وأمّا وجوب إضافته مع كونه علمًا، ولا يجمَع بين إضافة وعَلَمية، فجوابه: أنه يُنَكَّر، ثمّ يضاف؛ كما قال:
عَلَا زَيْدُنَا يَوْمَ الوَغَى رَأْسَ زَيْدِكُمْ
…
بابيَضَ مَاضِي الشَّفْرَتَيْنِ يَمَانِي
والتسبيحُ معناه: التنزيهُ، أي: أنزه اللهَ تعالى عما لا يليق به.
(وبحمده) الواو فيه للحال، أي: سبحْتُ اللهَ متلبسًا بحمدي له، من أجل توفيقه لي، ويحتمل أن الحمد مضاف للفاعل.
والمرادُ من الحمد: لازمُه مجازًا، وهو ما يوجب الحمدَ؛ من التوفيق ونحوِه، أو بعطف جملة على جملة، أي: والتبستُ بحمده.
والمختار في الحمد: أنه الثّناء على الجميل الاختياري على وجه التعظيم، والإشارةُ بالتسبيح إلى وصفه تعالى بصفات الجلال،
وهي السلبية؛ نحو: لا شريكَ له، ولا جهةَ له، ولا مثلَ له، ونحو ذلك من التنزيهات، وبالحمد؛ لصفات الإكرام؛ كالعلم، والقدرة، ونحوِهما، وهو معنى قوله تعالى:{ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وقدم السلبيّ على الوجوديّ؛ لأن النظم الطبيعي يقتضي إثبات التخلية أولًا عن النقصان، والتحلية ثانيًا بالكمال.
وفيه نكتةٌ أُخرى، وهي الإتيانُ باسم الله الّذي هو اسمٌ للذات المقدسة، الجامعةِ لجميع الصفات العليا، والأسماء الحسنى، ثمّ وصفه بالعظيم الّذي هو شامل لسلب ما لا يليق به؛ وإثبات ما يليق به؛ لأنها العظمة المطلقة، وأمّا تكرار التسبيح، فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق، ثمّ بأن التسبيح ليس إلا متلبسًا بالحمد؛ ليعلم ثبوت الكمال له نفيًا وإثباتًا معًا جميعًا، أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثرُ من الاعتناء بالتحميد؛ لكثرة المخالفين فيه؛ قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، ولهذا جاء في القرآن بعبارات متعددة بلفظ المصدر؛ نحو:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة: 1]، {سَبَّحَ لِلَّهِ} [الحديد: 1]، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] أو أن التنزيهات ممّا تدركها عقولنا، والكمالات تقصر عن إدراك حقيقتها؛ كما قال بعض المتكلمين: الحقائقُ الإلهيةُ لا تعرف إلا على طريق السلب؛ كما يقال في العلم: لا يدرى منه إلا أنه ليس بجاهل، أنها معرفةُ حقيقةِ علمه، فلا سبيل إليها، فهي كلمة جامعة ممتثل بها قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [طه: 130]، وينحط