الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب قول الله عز وجل: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85])
6028 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ:"اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ".
عُرِفَ معنى الحديث فيه مما سبق في الباب قبلَه.
* * *
38 - باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا ولا متفحشًا
(باب لم يكن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فاحشًا)
أي: بالطبع.
(ولا مُتفحِّشًا)؛ أي: بالتكلُّف، أي: لا فحشَ عندَه لا ذاتيًّا ولا عرضيًّا، والفحشُ هو القبحُ، وكلُّ سوءٍ جاوَزَ حدَّه فهو فاحشٌ، أي: لم يكن مُتكلِّمًا بالقبيح أصلًا.
6029 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوق
قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا".
الحديث الأول:
(من أخيركم)؛ أي: من خيركم، فاستُعمل فيه (أفعل) التفضيل على الأصل.
(خُلقًا) بالضم: مَلَكةٌ تصدر بها الأفعالُ بسهولةٍ من غير تفكُّرٍ.
* * *
6030 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ يَهُودَ أتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللهُ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ:"مَهْلًا يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ"، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ".
الثاني:
(يهود) غير منصرف.
(والعُنْف) ضد اللُّطف.
(والفحش) التكلُّم بالقبيح.
(فيُستَجَاب لي)؛ أي: لأنه بالحقِّ.
(ولا يُستَجَاب لهم) لأنه بالباطل.
قال (خ): السامُ: الموتُ، دَعَوا عليه به، قال: ولم يكن من عائشةَ رضي الله عنها إفحاشٌ، بل دعاءٌ عليهم بما هم أهلٌ له، وهم الذين بدؤوا فجازَتْهم على ذلك، والفحشُ: المجاوزةُ إلى حدِّ الإفراط.
* * *
6031 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِناَ عِنْدَ الْمَعْتِبةِ:"مَا لَهُ، تَرِبَ جَبِينُهُ".
الثالث:
(لم يكن) إلى آخره: يُحتمَل أن الفرقَ بين الثلاث أن السبَّ يتعلق بالنَّسَب كالقذف، والفحشَ بالحَسَب، واللَّعنَ يتعلق بالآخرة؛ فإنه البعدُ عن رحمة الله.
(المَعْتِبَة) بالفتح والكسر والموحدة.
قال الخليل: العِتَابُ: مخاطبةُ الإذلال.
(ما له) استفهام.
(تَرِبَ جبينُه)؛ أي: أصابَه الترابُ، ويقال: تَرِبَتْ يداك، على الدعاء، أي: لا أَصبتَ خيرًا.
قال (خ): هذا الدعاءُ يَحتملُ وجهَينِ: أن يَخرَّ لوجهه فيُصيبُ الترابُ جبينَه، وأن يكونَ دعاءً له بالطاعة ليُصلِّيَ فيتربَ جبينُه، وقيل: الجَبينانِ هما اللذانِ يكتنفانِ الجبهةَ، فمعناه: صُرِعَ لجبهته، فيكونُ سقوطُ رأسه على الأرض من ناحية الجبين.
* * *
6032 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ"، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَائِشَةُ! مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ".
الرابع:
(أن رجلًا) قيل: هو مَخرَمة بن نوفل بن أُهَيب أخي وهب، والد آمنة بنت وهب، وهو والدُ المِسْوَر بن مَخرَمة، كان من المُؤلَّفة، كذا
سَمَّاه عبد الغني بن سعيد في "مُبهمَاته"؛ وكذا هو في "أمالي الهاشمي" من طريق أبي زيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء مَخرَمةُ بنُ نوَفل، فذكر الحديث، وقيل: عُيَيْنَة -بالتصغير- بن حصن الفَزَاري، ولم يكن أَسلَمَ، وإن أَظهرَ الإسلامَ، فأراد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُبيِّنَ حالَه ليَعرفَه الناسُ.
(أخو العشيرة)؛ أي: القبيلة، أي: بئسَ هذا الرجلُ منها، كقولك: يا أخا العرب! لرجلٍ منهم، وهذا من أعلام النبوة؛ لأنه ارتدَّ بعدَه صلى الله عليه وسلم وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر رضي الله عنه.
(تطلَّق)؛ أي: انشرحَ وانبسطَ له، يقال: رجلٌ طَلْقُ الوجه وطليقُه، ولا مخالفةَ بين هذا وقوله فيه ذلك؛ لأنه لم يَمدَحْه ولا أَثنَى عليه في وجهه، بل أَلَانَ له القولَ تألُّفًا، ولامتثاله على الإسلام، وفيه: مداراةُ مَن يُتَّقَى فُحشُه، وجوازُ غيبةِ الفاسقِ المُعلِنِ بفسقه ومَن يُحتاج إلى التحرُّز منه.
وقال (خ): الغيبة إنما هي مِن بعضِ الناس في بعضٍ، وليس منه قولُه صلى الله عليه وسلم في أمَّته من الأمور التي يضيفها إليهم بغيبةٍ، لأنه يجب عليه أن يُبيِّنَ ويُفصحَ بالشيء، ويُعَرِّفَه للناس، فإنه نصحٌ وشفقةٌ، ولكنه لِمَا جُبِلَ عليه من الكرم وحسن الخُلق أَظهَرَ له البشاشةَ، ولم يُجبْه لتَقتديَ به أُمَّتُه في اتِّقاء شرِّ مَن هذه سبيلُه في مداراته.
* * *