الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
68 - باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ
وَقَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكْتُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى.
(باب التبسُّم)
هو ظهورُ الأسنان عندَ التعجُّب بلا صوتٍ، فإن كان مع صوتٍ قويٍّ يُسمع الجيرانَ مثلًا فقَهقَهَةٌ، وإلا فضحكٌ.
(وقالت فاطمة) موصولٌ في (المناقب).
(أسرَّ إلَيَّ) وأنه أَسرَّ إليها: (إنك أولُ مَن يتبعُني).
(وقال ابن عباس) موصولٌ في (الجنائز).
(أَضحَك) لأنه لا مُؤثِّرَ في أفعاله وفي الوجود إلا اللهُ، كما يقوله الأَشعَري.
* * *
6084 -
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ
رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، وَإِنَّهُ وَاللهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ، لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبابِهَا، قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِباب الْحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ لَهُ، فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ، يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّبَسُّمِ، ثُمَّ قَالَ:"لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ".
الحديث الأول:
(حِبَّان) بكسر المهملة وشدة الموحدة.
(فبَتَّ)؛ أي: قطعَ بتطليقِ الثلاث.
(الزَّبِير) بفتح الزاي.
(الهُدْبَة) هي ما على طرف الثوب من الخَمل.
(وابن سعيد بن العاص)؛ أي: خالد بن سعيد، وهذا هو الصوابُ، وفي نسخة:(سعيد بن العاص).
(تَذُوقي) لا ينافي ذلك قولها: (كالهُدْبة)؛ لأنه في الرِّقَّة، لا في الرَّخَاوة، وسبق في (اللباس)، وأنه قال:(أَنفُضُها نفضَ الأديم).
(عُسَيلته) كنايةٌ عن لذة الجِمَاع، والعسل: يُؤنث، فصُغِّرَ بعُسَيلة.
* * *
6085 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ! بأبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَقَالَ:"عَجبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ"، فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ! أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ".
الثاني:
(بأبي)؛ أي: مُفدَّى به.
(إيه) بكسر الهمزة وسكون الياء وكسر الهاء: اسمُ الفعلِ تقوله لِمَن تَستزيدُه من حديثٍ أو عملٍ، وإن وصلتَ نونتَ.
(فجًّا) هو الطريقُ الواسعُ بين الجَبَلَين، وسبق الحديثُ في (بدء الخلق) في (باب إبليس) بفوائده.
* * *
6086 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالطَّائِفِ قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ"، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ"، قَالَ: فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ: فَسَكَتُوا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلَّهُ بِالْخَبَرِ.
الثالث:
(نَفتحَها) بالنصب، أي: لا نُفارِقُ إلى أن نَفتحَها.
(بالخبر كُلِّه)؛ أي: حدَّثَنا بجميع الخبر مُستوفًى، وفي بعضها (كلَّه بالخبر) بتقديم (كله) منصوبًا، أي: حدَّثَنا كلَّ الحديث بلفظ الخبر، لا بالعنعنة، وسبق شرحُه في (غزوة الطائف).
* * *
6087 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ:"أَعْتِقْ رَقَبَةً"، قَالَ: لَيْسَ لِي، قَالَ:"فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ. فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ، فَقَالَ:"أَيْنَ السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا"،
قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي؟ وَاللهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ:"فَأَنْتُمْ إِذًا".
الرابع:
(بِعَرَق) بفتح المهملة والراء: قُفَّةٌ منسوجةٌ من خُوصٍ، وإن صحَّتِ الروايةُ بالفاء عِوَضَ العين، فهو مكيالٌ يَسَعُ ستةَ عشرَ رطلًا.
(المِكْتَل) بكسر الميم وفتح المثناة: زَنبيلٌ يَسَعُ خمسةَ عشرَ رطلًا.
(نَوَاجذه) بإعجام الذال: هي أُخرَيات الأسنان والأضراس، فأولُها في مُقدَّم الفم: الثنايا، ثم الرَّبَاعيات، ثم الأنياب، ثم الضَّوَاحك، ثم النَّوَاجذ.
(إذن) جوابٌ وجزاءٌ، أي: إن لم يكن أفقرَ منكم فكُلُوا أنتم، أي: إنفاقًا على العيال؛ لأن الكفَّارةَ على التراخي، وسبق الحديثُ مشروحًا في (الصوم).
* * *
6088 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْركَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا مُحَمَّدُ! مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
الخامس:
(نَجراني) بفتح النون وسكون الجيم: نسبةً إلى بلدة باليمَن، وفي الحديث: كمالُ حِلْمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وزهدِه وكرمِه، تقدَّم في (كتاب الجِزية).
* * *
6089 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي.
6090 -
وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا".
السادس:
(ما حَجَبَني)؛ أي: عن مجلسه المُختص بالرجال، لا الدخول في حُجَر النساء، أو المرادُ: ما مَنَعَني عطاءً طلبتُه منه.
(ثبِّتْه) أعمُّ من الثبات على الخيل وعلى غيرها، وسبق في (غزوة ذي الخَلَصَة).
* * *
6091 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ:"نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ"، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ".
السابع:
(الماء)؛ أي: المَني، أي: يجبُ الغُسلُ إذا احتلَمَتْ وأَنزلَتْ.
(فبِمَ)؛ أي: فبأيِّ شيءٍ حصل شَبَهُ الولدِ بالأُمِّ، أو يُشبه الأُمَّ، وفي بعضها:(فيم) بالياء بدل الموحدة، أي: في أيِّ شيءٍ من المشابهة بينهما لولا أن لها ما يَنعقدُ الولدُ منه، قالوا: في ماء الرجل قوةٌ عاقدةٌ، وفي ماء المرأة قوةٌ منعقدةٌ، وسبق الحديثُ في (كتاب الغسل)، وسبق في (كتاب الأنبياء):(أنه إذا سبق مَنِيُّ الرجلِ مَنِيَّها أَشبَهَ الوالدَ، وإن سبقَ مَنِيُّها أَشبَهَها).
* * *
6092 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
الثامن:
(مُستَجمِعًا) من استَجمَعَ، أي: اجتَمَعَ، وهو لازمٌ.
(ضاحكًا) تمييز، أي: مجتمعًا من جهة الضحك، يعني: ما رأيتُه يضحك تمامًا لم يَترُك منه شيئًا.
(لَهَواته) جمع: لَهَاة، وهي الهَنَةُ المُطيفةُ في أقصى سقف الفم، وقيل: اللَّحمةُ التي فيها، والجمعُ بين هذا وبين حديث ظهور النَّوَاجذ في قصة الأعرابي: أن عائشةَ إنما قالت: (ما رأيتُ)، وأبو هريرةَ شاهَدَ ما لم تُشاهِدْه، والمُثبِتُ مُقدَّمٌ، فكان صلى الله عليه وسلم أكثرُ أحواله التبسُّمَ، وفي بعض الأحوال أعلى منه وأقلَّ من القَهقَهة، وفي النادر عند إفراط التعجب تبدو النواجذُ على عادة البشَر، وقيل: تُسمَّى: الضواحك، والأنباب: نَوَاجذ، ولهذا جاء في (باب الصيام) بلفظ:(الأنياب).
قلت: وهذا أَولَى بحمل الحديث عليه، فعلى الأول فيه جوازُ القَهقَهة، وكان أصحابُه أيضًا يضحكون، والإيمانُ في قلوبهم أعظمُ من الجبال، وإنما المَكرُوهُ المَذمُومُ كثرةُ الضحك.
* * *
6093 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ،
فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ، فَاسْتَسْقَى فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيرُهُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ: غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا، وَلَا يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ، يُرِيهِمُ اللهُ كَرَامَةَ نبَيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ.
التاسع:
(قَحَط) بفتح الحاء وكسرها؛ والفتحُ أعلى، قاله في "المُحكَم"، أي: احتُبِسَ عنهم المطرُ، وفي بعضها بالبناء للمفعول.
(مثاعب) جمع: مَثْعَب بالمثلثة وفتح الميم والمهملة وبموحدة: مَسيلُ الماء ومَجراه.
(تقلع) من الإقلاع، وهو الكف.
(حَوَالَينا)؛ أي: أَمطِرْ حوالَينا ولا تُمطِرْ علينا.
(يتصدَّع)؛ أي: يتفرَّق، وسبق الحديثُ في (الاستسقاء)، وأن فيه كرامةً له صلى الله عليه وسلم غايةَ الكرامة.
* * *