الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب فِي الأَمَلِ وَطُولِهِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} . {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} . وَقَالَ عَلِيٌّ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةُ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ، {بِمُزَحْزِحِهِ}: بِمُبَاعِدِهِ.
(باب: في الأمل وطوله، وقوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ} [آل عمران: 185])
مناسبةُ ذكر الآية للترجمة باعتبار أولها، وهو:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]، أو عَجُزها، وهو:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، أو ذكرها لمناسبة قوله:{وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ} [البقرة: 96]؛ إذ في تلك الآية: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96].
(فإن اليوم عمل) العمل إن كان في اليوم، وليس نفسُ اليوم عملًا، إلا أنه أخبر عنهُ مبالغة؛ فإنه نفس العمل، نحو: نهاره صائم، وأبو حنيفة فقهٌ.
(ولا حسابَ) بالفتح؛ أي: لا حساب فيه، وبالرفع؛ أي: ليس في اليوم حساب، ومثلُه شاذّ عند النحاة، فهو حجة عليهم.
* * *
6417 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ، مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ:"هَذَا الإنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نهشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نهشَهُ هَذَا".
الحديث الأوّل:
(خططًا) بضم الخاء وكسرها: جمع خطة.
(هذا الإنسانُ) مبتدأ وخبر؛ أي: على سبيل التمثيل؛ ويروى: (خطوطًا)، فإن قيل: الخطوط ثلاثة؛ لأن الصغار كلها في حكم واحد، والمشار إليه أربعة، فكيف ذلك؟ قيل: الداخل له اعتبارات، فالنصفُ الداخلُ فنه الإنسانُ فرضًا، والنصفُ الخارجُ منه أملُه.
(الأعراض)؛ أي: الآفات العارضة له.
وقال (ش): جمع عَرَض، وهو ما يُنتفع به في الدنيا.
(فإن أخطأه)؛ أي: بأن تجاوز عنه هذا العرض، لدغه العرض الآخر، وإن تجاوزت عنه هذه الأعراض؛ أي: الآفات جميعُها من الأمراض المهلكة ونحوها، (نهشه)؛ أي: لدغه (هذا)؛ أي: الأَجَل، يعني: إن لم يمت بالموت الاخترامي، لا بد أن يموت بالموت الطبيعي، وحاصله: أن ابن آدم يتعاطى الأمل، ويختلجه الأجل دون الأمل؛ قال الشاعر:
اللهُ أَصْدَقُ وَالآمَالُ كَاذِبَةٌ
…
وَجُلُّ هَذِي المُنَى في الصَّدْرِ وَسْوَاسُ
* * *
6418 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُطُوطًا، فَقَالَ:"هَذَا الأَمَلُ، وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الأَقْرَبُ".
الثاني:
(خطوطًا) ذكره جمعًا، ولم يذكر في التفصيل إلا اثنين اختصارًا، فالخط الآخر: الإنسانُ، والخطوطُ الأُخرُ: الآفاتُ، والخطُّ الأقربُ: الأجل؛ إذ لا شك أن الخط المحيط أقربُ من الخط الخارج منه.
واعلم أن الأمل مذموم، قالوا: إلا للعلماء؛ فلولا أملُهم وطولُه