الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث:
(بآبائكم) لا ينافي ذلك نحو: (أَفلَحَ وأبِيه إن صَدَقَ)؛ لأن ذلك لم يَقصِدْ به القَسَمَ؛ بل هو مما يُزاد في الكلام بالتقدير ونحوه.
قال العلماء: حكمةُ النهي عن الحَلف بغير الله: أن الحَلفَ يقتضي تعظيمَ المحلوف به، وحقيقةُ العظمة مختصةٌ بالله تعالى، فلا يُضاهَى به غيرُه، وقد عذرَ صلى الله عليه وسلم عُمرَ في حَلفِه بأبيه، لتأويله بالحقِّ الذي للآباء، وبه ظهرَتْ مناسبتُه لترجمة الباب.
أما إقسامُ الله تعالى بمخلوقاته فلأنه يُقسِمُ بما شاء تنبيهًا على شرفه.
* * *
75 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لأَمْرِ اللهِ
وَقَالَ اللهُ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} .
(باب ما يَجوزُ من الغَضَب)
6109 -
حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تناوَلَ السِّتْرَ فَهَتكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ
يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ".
الحديث الأول:
(قِرَام) بكسر القاف: سترٌ.
(من أشد) إما من حيث إن المُصوِّرَ يُصوِّرُ صورةً تُعبَد من دون الله، فيكفر، أو المرادُ به المُستَحِلُّ، أو غير ذلك، وسبق في آخر (اللباس).
* * *
6110 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ".
الثاني:
(فأيكم ما صلَّى)، (ما) زائدة.
* * *
6111 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجدِ
نُخَامَة، فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَتَغَيَّظَ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ".
الثالث:
(حِيَال) بكسر المهملة وخفة الياء، والمرادُ تقديرُ أن اللهَ كأنه قِبَلَ وجهه، وإلا فاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن المكان، ففيه مجازٌ، وقال (خ): معناه أن توجُّهَه إلى القِبْلَة مُفضٍ بالقصد منه إلى ربِّه، فصار بالتقدير كأن مقصودَه بينه وبين القِبْلَة، وسبق أوائلَ (الصلاة).
* * *
6112 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ ربُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ:"مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا".
الرابع:
سَنَدُه مدنيُّون، إلا ابن سلام.
(ثم اعرِفْ) مِنَ المعرفة.
(وِكَائها) بكسر الواو والمد: ما يُشَدُّ به رأسُ الكيس.
(وعِفَاصها) بكسر المهملة وبالفاء: ما تكون فيه النفقةُ.
(استَنفِقْ)؛ أي: تَمتَّعْ وتصرَّفْ.
(فضالَّة الغنم) من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: ما حُكمُها؟
(وَجنتَاه) الوَجنَة: ما ارتفع من الخَدِّ.
(ما لك ولها)؛ أي: لِمَ تأخذُها؟ فإنها مُستقلةٌ بعيشتها، ومعها أسبابها.
(حِذَاؤُها) بكسر المهملة والمد: خُفُّ البعير.
(وسِقَاؤُها) أصله: ظرف اللبَن والماء، كالقِرْبَة، وسبق الحديثُ في (العلم).
* * *
6113 -
وَقَالَ الْمَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاؤُا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاؤُا لَيْلَةً فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْباب، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ
مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءَ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ".
الخامس:
(وقال المكِّي) وصلَه أحمد والدَّرِامي في "مسنديهما".
(احتجر)؛ أي: اتخذ شبهَ الحُجرة.
(حُجَيرة) مُصغَّر: حُجْرَة، ويُروَى بفتح الحاء وكسر الجيم.
(مُخَصَّفة) الخَصَفَة بمعجمة ثم مهملة مفتوحتين: ما يُجعَل منه جِلَالُ التمر من سَعَفٍ ونحوه.
قال (ط): ولو ثوبًا يستدير، يقال: خَصَفتُ على نفسي، أي: جمعتُ بين طرفَيه بعودٍ أو خيطٍ.
قال (ن): الخَصَفة والحصير بمعنىً واحدٍ، وشكَّ الراوي فيه، والمرادُ: أنه حوَّط موضعًا من المسجد بحصيرةٍ تسترُه ليُصلِّيَ فيه، ولا يَمرَّ عليه أحدٌ، وليتوفَّرَ فراغُ القلب، ففيه: جوازُ الجماعة في النافلة، وتركُ بعضِ المصالحِ لخوفِ مفسدةٍ أعظمَ من ذلك، وما كان عليه من شفقته على الأُمَّة.
قال (ط): يجبُ الغضبُ والشدةُ في أمر الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا سيما على الأئمَّة والملوك؛ ليَنحفظَ أمرُ الشريعة، ولا يَطرأَ عليها التغييرُ والتبديلُ، قال: وغضبُه عليهم لأنهم