الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إكرامُ الكبير، وتقديمُه في الكلام في جميع الأمور إلا أن يَتخصَّصَ الصغيرُ بعلمٍ، فيجوز أن يتقدَّمَ به، ولا يُعدُّ ذلك سوءَ أدبٍ ولا تنقيصًا للكبير، ولذلك قال عمرُ:(لو قلتَها لَكانَ أحبَّ إلَيَّ).
* * *
90 - بابٌ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ.
(باب ما يَجوزُ من الشِّعْر)
وهو كلامٌ مُقفًّى موزونٌ بالقصد.
(والرَّجَز) سُمِّي بذلك لتقارُبِ أجزائه وقلةِ حروفه.
(والحُدى) سَوقُ الإبل والغِناءُ لها، وهو بضم الحاء وكسرها مقصور.
* * *
6145 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً".
6146 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ:"هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ".
الحديث الأول:
(دَمِيت) بفتح المهملة وكسر الميم، وأما تاء القافية ففي الرَّجَز مكسورةٌ، وفي الحديث ساكنةٌ، وسبق الحديثُ أولَ (الجهاد)، ووجهُ الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم وبين قوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69]؛ إما أن الرَّجَزَ ليس بشعرٍ كما قاله الأخفش، أو قاله حكايةً عن شِعْرِ الغير، أو المرادُ: نفيُ صفة الشِّعرِ لا نفسِه.
* * *
6147 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ"، وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ.
الثالث:
(كلمة) المرادُ بها هنا: قطعةٌ من الكلام.
(لَبِيْد) بفتح اللام وكسر الموحدة وإهمال الدال: ابنُ رَبيعةَ -بفتح الراء- العامري الصحابي، عاشَ مئةَ عامٍ وأربعًا وخمسين سَنةً، مات في خلافة عثمان رضي الله عنه.
(باطل)؛ أي: فانٍ مُضمحِلٌّ.
(وكاد أُمَيَّة) بضم الهمزة وخفة الميم وتشديد الياء.
(ابن أبي الصَّلْت) بفتح المهملة وإسكان اللام وبمثناة: الثقفي، وفي "مسلم":(عن عمرو بن الشَّرِيد -بفتح المعجمة وكسر الراء وبمهملة- عن أبيه قال: رَدفتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: هل معك من شِعر أُميةَ شيءٌ؟ فقلتُ: نعم، فقال: هِيْهِ، فأنشدتُه بيتًا، فقال: (هِيْهِ)، حتى أنشدتُه مئةَ بيتٍ، فقال: إن كادَ لَيُسلِمُ)، و (هِيْهِ): كلمةُ استزادةٍ مبنيةٌ على الكسر، تُنوَّن ولا تُنوَّن، ففيه: أن بعضَ الشِّعر محمودٌ.
* * *
6148 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْناَ لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيهَاتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
…
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا
…
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
…
إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ "، قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكوَعِ، فَقَالَ:"يَرْحَمُهُ اللهُ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْناَهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا هَذِهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ "، قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ:"عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ ". قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَهْرِقُوهَا وَاكسِرُوهَا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "أَوْ ذَاكَ"، فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُباب سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاحِبًا، فَقَالَ لِي:"مَا لَكَ؟ "، فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ:"مَنْ قَالَهُ؟ "، قُلْتُ: قَالَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ".
الرابع:
(عامر) هو أخو سَلَمة، إلا إن قلنا: إن سَلَمةَ هو ابنُ عمرو بن الأكوع، فيكون عمَّه.
(هُنَيهَاتك) جمع: هُنَيَّة، مُصغَّر: الهَنَة؛ إذ أصله: هَنْوَة، وهو الشيءُ الصغيرُ، والمرادُ الأراجيزُ.
(يَحدُو)؛ أي: يَسُوقُ، والرواية:(اللهم)، والموزون:(لاهُمَّ).
(فداء لك)؛ أي: لرسولك.
قال المَازَرِي: لا يُقال للهِ: فِدىً لك، إنما يُستعمَل في مكروهٍ يُتوقَّع حلولُه بالشخص، فيَختار شخصٌ أن يَحلَّ ذلك له ويَفديه، فهو إما مجازٌ عن الرِّضا، كأنه قال: نفسي مبذولةٌ لرِضاك، وهذه الكلمةُ في البيت خطابًا لسامع الكلام، ولفظ (فدى) مقصورٌ وممدودٌ، مرفوعٌ ومنصوبٌ.
(اقتَفَينا)؛ أي: اتَّبَعْنا أثرَهنَّ، وقال (ط): اغفِرْ ما ركبنا من الذنوب، و (فداءً لك): دعاءٌ أن يَفديَه اللهُ من عقابه على ما اقتَرفَ من ذنوبه، كأنه قال: اغفِرْ لي وافدِنِي منه فداءً لك، أي: من عندك، فلا تُعاقِبْني به، ولفظ (لك): تبيينٌ لفاعلِ الفداء المَعنِيِّ بالدعاء، أي: فتكون اللامُ كلامِ (هيتَ لك)، وفي بعضها:(أبقينا)، أي: افدِناَ من عقابك فداءً ما أبقينا من الذنوب، أي: ما تَركْنَاه مكتوبًا علينا، قال: ورُوِيَ: (فداءٍ) بالخفض، شبَّهه بـ:(أمسِ) على الكسر.
(أَبَينا) من الإباء عن الفرار وعن الباطل، وفي بعضها:(أتينا)، من الإتيان.
(عَوَّلوا)؛ أي: حملوا علينا بالصياح لا بالشجاعة، ولا ينافي هذا ما سبق في (الجهاد): أنه صلى الله عليه وسلم كان يقولها في حفر الخَندق، وأنها من أراجيز ابن رَوَاحةَ؛ لأنه يجوز وقوعُ الأمرَين، ولا محذورَ أن يَحدوَ الشخصُ بشِعرِ غيرِه.
(وجبت)؛ أي: الشهادة، وكانوا قد عرفوا أنه إذا استَغفرَ لأحدٍ عندَ الوقعة وفي المَشَاهد يُستَشهَد، فلما سمع عُمرُ رضي الله عنه ذلك قال:(يا رسولَ الله! لو أَمتَعتَنا بعامرٍ)، أي: لو تركتَه لنا، فبارَزَ يومَئذٍ، فرجعَ سيفُه على ساقه، فقَطعَ أكحلَه، فمات.
(حُمر الإنْسِية) بكسر الهمزة وسكون النون وبفتحهما، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته.
(نُهرِيقها) بسكون الهاء وفتحها وبحذفها.
(ويرجع) بالرفع.
(ذُباب)؛ أي: طرف.
(قَفَلُوا): رجعوا.
(شاحبًا)؛ أي: مُتغيِّر اللَّون.
(حَبِطَ) بكسر الموحدة، أي: بَطَلَ.
(وأُسَيد بن الحُضَير) مُصغَّران.
(لأجرَين)؛ أي: أجرُ الجُهد في الطاعة، وأجرُ المجاهدة في سبيل الله.
(مشى بها) بهذه الخصلة الحميدة، وهي الجهادُ مع الجُهد، وفي بعضها:(نشأ) بلفظ الماضي، من: النَّشْء بالهمز والهاء، عائدةٌ إلى الحرب أو بلاد العرب، أي: قليلٌ من العرب نَشَأ بها.
وفي الحديث وجوهٌ أُخَرُ تقدَّمت في (غزوة خَيبر)، وقال (ط): يُحتمَل أن الأجرَين من جهة أنه لما أَمَاتَ نفسَه، وقتلَها في سبيل الله ضُوعفَ أجرُه، أو يكون أحدُهما لموته والآخرُ للجزاء الذي به تقويةُ نفوس المسلمين، لِمَا فيه من ذكر الشجاعة ونحوه.
* * *
6149 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ:"وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ! رُوَيْدَكَ، سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ"، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ، لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ، قَوْلُهُ:"سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ".
الخامس:
(يا أَنْجَشَة) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم والمعجمة: غلامٌ أسودُ كان حاديًا، وكان في سَوقه عُنفٌ، فأمرَه أن يَرفقَ بالمَطَايا، فيَسُوقهنَّ كما تُسَاقُ الدابةُ إذا كان حملُها القواريرَ.
قال (خ): وجهٌ آخرُ وهو أنه كان حسنَ الصوت، فكرهَ أن يُسمعَهنَ الحُدَاءَ، فتتحرَّك نفوسُهنَّ، فشبَّه ضعفَ عزائمِهنَّ وسرعةَ تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الآفة إليها، وهذا معنى قوله:(رُوَيدَك): اسم فعل، بمعنى: أَمهِلْ، والكافُ حرفُ خطابٍ.
(سَوقَك) مفعول لـ (رُوَيد).
(بالقَوَارير)؛ أي: قواريرُ الزُّجاج، شبَّه النساءَ بهنَّ فيما سبق.
(بكلمة)؛ أي: وهي قوله: (سَوقَك بالقوارير).
(لَعِبتُمُوها) قال (ك): لعله بالنظر إلى أن شرطَ الاستعارة أن يكونَ وجهُ الشبَه جليًّا بين الأقوام، وليس بين القارورةِ والمرأةِ وجهُ التشبيه ظاهرًا، أو الحقُّ أنه كلمةٌ في غاية الحسن والبلاغة والسلامة من العيب، ولا يَلزَمُ في الاستعارة أن يكونَ جلاءُ الوجه من حيث ذاتُها؛ بل يكفي الجلاءُ الحاصلُ من القرائن التي تجعل الوجهَ جليًّا ظاهرًا، كما هنا، فالعَيبُ في العائب.
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَولًا صَحِيحًا
…
وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ
ويُحتمَل أن قصدَ أبي قِلابةَ أن هذه الاستعارةَ تَحسُنُ من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في البلاغة، ولو صدَرَتْ ممن لا بلاغةَ له لَعِبتُمُوها، وهذا اللائقُ بمنصب أبي قِلابة رضي الله عنه.
وقال (ط): القواريرُ كنايةٌ عن النساء على الإبل، فأَمرَه بالرِّفق في حُدَاء الإبل لئلا يَسقُطْنَ، وهي استعارةٌ بديعةٌ، لأن القواريرَ أسرعُ