الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقلت: كلّا! قد كلّمت رجلا لا والله ما رأيت في كفّي (1) رجلا قطّ أميز منه. وعسى أن يقع كلامي عنده بموقعه.
فلمّا كان الغد حضرنا فخرج الحاجب، فقال:
يحيى بن طلحة! فدخلت، فقال: الحجّاج! فدخل. فوقف بين السماطين، فقال عبد الملك:
مكانك يا أبا محمد! أحسبك ظننت أخاك عاب عليك بغير ما أنت عليه. ما قال فيك إلّا ما تعرف.
وهذا عهدك على العراق، فاخرج إليه فهو خير لك من الحجاز.
فلمّا خرجت إذا أنا بالحجّاج واقف [ا] فعانقني، وقال: انظر حوائجك بالعراق!
[أزواج الحجّاج]
وتزوّج الحجّاج في عمله على العراق نساء من قريش وغيرهم من العرب، منهم:
أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وأمّ الجلاس بنت سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وبنت أبي بكر بن عبيد الله بن عمر بن الخطّاب،
وأمّ البنين بنت المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
وأمّ سلمة بنت عبد الرحمن بن عمرو بن سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤيّ،
وهند بنت أسماء بن خارجة،
وهند بنت المهلّب بن أبي صفرة،
وأمّ أبان بنت النعمان بن بشير بن سعد الأنصاريّ،
وأمّ قطن بنت قطن بن قبيصة الهلاليّة.
وكان صاحب عذاب الحجّاج معد بن عوف بن هلال بن شأس بن ربيعة بن محلّم بن سويط بن عبد بن معاوية بن شعرة بن ربيعة بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد، [بن] ضبّة بن أدّ.
وكان مؤذّنه الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط بن سلمة بن حرمي بن رباح بن يربوع بن حنظلة.
وروي عن حوشب بن يزيد بن رويم عن أبيه أنّه دخل على المختار بن أبي عبيد يوما فسمعه يقول:
أنا الذي أتزوّج امرأة من ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم وأكسر قصر الملك فأبتني بنقضه قصرا وأبتني مدينة داوردان.
(قال حوشب): فحدّثت بذلك الحجّاج فقال:
أخطأت استه الحفرة! أنا ذاك! (قال) فنقض الحجّاج قصر النعمان بالحيرة وبنى به قصره في جبّانة الكوفة، وبنى مدينة واسط، وهي أوّل مدينة بنيت في الإسلام، وتزوّج أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر.
فكتب عبد العزيز بن مروان إلى عبد الملك:
إنّه بلغني أنّ الحجّاج بن يوسف تزوّج بنت عبد الله بن جعفر، وإنّه إنّما يفعل هذا بنساء قريش أنت. وقد كان للحجّاج مناكح في العرب مثلها فماأقنعه وأرضاه دون أن يتناول نساء قريش، ثمّ قد كان له في نساء قريش دون أن يتناول امرأة ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأرسل عبد الملك بالكتاب إلى الحجّاج، فلمّا قرأه قال: وا عجبا لابن زوجة الأنماريّ! ينكر أن أتزوّج امرأة من قريش، وقد جاز العقبة إلينا منهنّ سبعون امرأة. والله لأتزوجنّ امرأة هي أغيظ له وأقرب إليه منها!
فتزوّج ابنة سعيد بن عبد الرحمن، فسكت عبد العزيز على مضض.
(1) في المخطوط: ما وريت في كفّي رجلا، ولم نفهم:
كفّي.
وقال [أبو] عاصم النبيل عن جويرية بنت أسماء: لقي الوليد بن عبد الملك عبد الله بن جعفر عند عبد الملك بن مروان، فقال له:
أزوّجت الحجّاج؟
فقال: أنا زوّجته؟ والله ما زوّجه إلّا أبوك! فما مثلي ومثلكم في ذلك إلّا كما قال الشاعر [الوافر]:
ومن يك نائيا وتكن أخاه
…
أبا الضحّاك ينتهج الشمالا [331 ب]
وإنّما اشتريت بها خيط رقبتي.
ويقال: إنّ الذي سعى على الحجّاج في أمر أمّ كلثوم حتّى أمره عبد الملك بطلاقها خالد بن يزيد بن معاوية، فإنّه قال لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، والله إن كان في العرب أهل بيت أبغض إليّ من آل الزبير، فلمّا أصهرت إليهم أحببتهم، وإنّي لا آمن الحجّاج أن يميل إلى بني هاشم.
فكتب إليه عبد الملك يأمره بطلاقها، فقال الحجّاج:«هذا عمل ابن الرطبة. أما والله لأنكحنّ أمسّ به منها رحما! » ، فتزوّج أمّ الجلاس بنت سعيد بن عبد الرحمن.
واعتمر الحجّاج في خلافة الوليد بن عبد الملك فأسرع السير، وجمّع بمكّة ثمّ جمّع بالبصرة، وسار معه رجال من أهل البصرة وغيرهم، فلم يثبت في السير معه إلّا زريق بن مسلم بن عمرو الباهلي، فإنّه ثبت على ناقة لم يحوّل عنها رجلا حتّى دخل البصرة.
ونعس عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وهو مع الحجّاج فنفض عمامته وهو يسير، ثمّ قال:«يا غلام، دونك العمامة! » ، فألقاها لا يشكّ في أنّه تناولها غلامه في بيته، فذهبت عمامته. فقال له الحجّاج حين أصبح: أين عمامتك أبا عبد الرحمن؟
قال: حيث جعل الأمير يده! - وكان الحجّاج أراد أن يأكل فأصابت يده لحيته فلطّخها، وهو لا يعلم، من غلبة النعاس.
فقال الحجّاج السلاماني يذكر سير الحجّاج:
ما سار من مكّة إلّا سبعا
…
يقطّعن أحواز المطيّ قطعا
يحملن خرقا من ثقيف ينعى
وأسرع السير من الشام في وفادة وفدها، فرجز جرير بين يديه:
لمّا بدا الحجّاج بين الموكب
…
بين قريش وبني معتب
كالبدر يغشى البدر كلّ كوكب
وقال فيه الفرزدق وغيره.
وقيل: إنّ الحجّاج لم يحجّ في عمله على العراق، وقيل: بل حجّ، فقام إليه وهو بمنى رجال من أهل الحجاز فسألوه، فقال: نوّهتم بنا بغير بلادنا، وما لكم مترك، من هنا من أهل العراق؟
فقام إليه تجّار فقال: هل من سلف؟
قالوا: نعم.
فحملوا إليه ألف ألف فقسمها، فلمّا قدم العراق ردّها ومثلها.
ونظر الحجّاج مرّة إلى جعل، فقال: لعنها الله فإنّها من وذح (1) إبليس.
وسمع مرّة يقول: «أرسولك أفضل أم خليفتك؟ » فسمعه جبلة بن [
…
] فقال: «لله عليّ ألّا أصلّي خلفه أبدا. وإن رأيت من يجاهده لأجاهدنّه معه! » ، فخرج مع عبد الرحمن بن الأشعث وقتل معه.
وخطب يوما فأقبل عن يمينه فقال: «ألا إنّ الحجّاج كافر! » ثمّ أطرق، ثمّ أقبل عن يساره،
(1) الوذح: ما يتعلّق بأصواف الغنم من قاذورات.