الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانعم به، لا زلت من
…
ريب الحوادث في أمان
فاستجاد سرعتها وخلع عليّ وكتبها في الطارمة.
[قال] وكان أبو القاسم ملولا، والملول ربّما ملّ الملالي (1)، وكان لا يملّ أن يملّ، ويحقد حقد من لا تلين كبده، ولا تنحلّ عقده. وقال لي بعض الرؤساء معاتبا: أنت حقود، ولم يكن حقودا.
فقلت له: أنت لا تعرفه. والله ما كان يحنى عوده ولا يرجى عوده. وله رأي يزيّن له العقوق، ويمقّت إليه رعاية الحقوق، بعيد من الطبع الذي هو للصدّ صدود، وللتأليف ألوف ودود، كأنّه من كبره قد ركب الفلك، واستوى على ذات الحبك (2). ولست ممّن يرغب في راغب عن وصلته، أو ينزع إلى نازع عن خلّته، ويؤثّل حالا عند من يحبّ ثلّته (3)، أو يقبل بوجهه على من لا يجعله قبلته. فلمّا رأيته سادرا جاريا في قلّة إنصافي على غلوائه، محوت ذكره عن صفحة فؤادي، واعتددت ودّه فيما سال به الوادي [الطويل]:
ففي الناس إن رثّت حبالك واصل
…
وفي الأرض عن دار القلى متحوّل
وأنشدت الرجل أبياتا أعتذر بها في قطعي له [الطويل]:
فلو كان منه الخير إذ كان شرّه
…
عتيدا، لقلنا: إنّ خيرا مع الشرّ
ولو كان، إذ لا خير، لا شرّ عنده
…
صبرنا، وقلنا: لا يريش ولا يبري
ولكنّه شرّ ولا خير عنده
…
وليس على شرّ إذا دام من صبر
وبغضي له- شهد الله- حيّا وميتا، أوجبه أخذه محاريب الكعبة الذهب [464 ب] والفضّة، وضربها دنانير ودراهم- وسمّاها الكعبيّة- وأنهب العرب الرملة وخرّب بغداد. وكم دم سفك، وحريم انتهك، وحرّة أرمل، وصبيّ أيتم! .
قال كاتبه وجامعه (4): قد صرّح- عفا الله عنه- أنّه عدوّ غضبان، وقلّ أن تكون مع هذين سلامة من عدوان. فلا تلتفت إلى تحامله في كلامه، وتعدّيه في عتبه وملامه، لا سيّما وهو مرميّ بالكذب والمين.
1247 - ابن دوّاس الكتاميّ [- 411]
(5)
[465 أ] حسين بن عليّ بن دوّاس، الكتاميّ، يلقّب سيف الدين.
كان أحد شيوخ كتامة. فتنكّر له الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور ابن العزيز، وتحرّز منه ابن دوّاس وامتنع من دخول القصر أو لقاء الحاكم إلّا في الموكب وعلى ظهر الطريق. فإذا استدعاه تأخّر عنه واعتذر إذا لقيه. فلمّا طال ذلك أنكر عليه الحاكم تأخّره، فقال له: قد خدمتك يا مولاي
(1) الملالي: لعلّها جمع الملّى، وهي الخبز الناضج الطيّب.
(2)
الفلك بضمّتين جمع الفلكة وهي ما ارتفع من تلول الأرض. والحبك إشارة إلى الآية وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (الذاريات: 7).
(3)
الثلّة بالكسر: الهلكة والتأثيل التثبيت والإقرار. وقد سقطت هاتان الجملتان من طبعة بنت الشاطئ.
(4)
أي المقريزيّ. وتدخّله في المقفّى نادر.
(5)
النجوم 4/ 186 - اتّعاظ 2/ 115 - الخطط 4/ 74. وجاء في الهامش هذا التنبيه: لم يذكر ال [
…
] في ذكره الحسين من تاريخ مصر وهو لم يدخلها. ولا ندري من هذا المتروك، ولا كاتب التنبيه، وتاريخ مصر هو كتاب المقفّى في المتعارف.
وخدمت آباءك، ولي عليكم حقوق كبيرة مثلها ما رعي و [لا] روعي، وقد قام في نفسي أنّك تريد قتلي، فأنا مجتهد في دفعك بغاية ما يمكنني، وما بك حاجة إلى حضوري قصرك. فإن كان باطن رأيك مثل ظاهره فدعني على جملتي فإنّه لا ضرر عليك من تأخّري. وإن كنت تريد بي سوءا فلأن تقتلني في داري، وأنا بين أهلي وأولادي، أولى من أن تقتلني في قصرك وتطرحني للكلاب تأكل لحمي.
فضحك الحاكم وأمسك عنه. واتّفق أنّ الحاكم توحّش ما بينه وبين أخته السيّدة العزيزيّة سيّدة الملك (1). فراسلته حتّى اجتمعت به واتّفقا على قتل الحاكم، وإقامة ابنه في الخلافة موضعه، وأن يكون ابن [395 ب] دوّاس صاحب الجيش وشيخ الدولة القائم بها. ووقّعت له بولاية السيارتين (2) وهي حماية مصر، وبخمسين ألف دينار إقطاعا، وعشرة آلاف دينار صلة، وعشرة أفراس بمراكب ذهب، ومائة قطعة ثيابا فاخرة، وسيف محلّى بذهب مرصّع بجوهر. وأحضرها عبدين فندبتهما لقتل الحاكم فقتلاه كما قد ذكر في ترجمتها (3)،
وأحضراه إليه فحمله إلى سيّدة الملك فكتمت أمره. وبعثت إلى ابن دوّاس ثيابا كثيرة وبدرتين عينا، وقادت إليه خمسة أفراس بمراكب الذهب.
ثمّ استدعته بعد فقد الحاكم بخمسة أيّام، وأمرته أن يركب في اليوم السابع من فقده ومعه كتامة إلى باب القصر. فركب في اليوم السابع ووقف بكتامة حتّى تعالى النهار. فاستدعته إلى مجلسها وقد أخرجت أبا الحسن علي ابن الحاكم وقالت له:
المعوّل في القيام بهذه الدولة عليك، وتدبيرها موكول إليك. وهذا الصبيّ ولده، وينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية وسعك وتبذل فيها كلّ ما عندك.
فقبّل الأرض وشكر ودعا ووعد بالإخلاص في الطاعة، وبلوغ ما في القدرة والاستطاعة. وخرج بالصبيّ إلى الناس وقد لقّب [465 ب]«الظاهر لإعزاز دين الله» . فكان أوّل من قبّل له الأرض ابن دوّاس، ومرّغ خدّيه على الأرض بين يديه. وفعل الناس كذلك بعده.
فزادت السيّدة ابن دوّاس في منزلته وجعلت مصادر التدبير على يده. فلمّا أحكمت ما أحكمته وأكّدت ما أكّدته، أحضرته وقالت له: قد علمت ما بيني وبينك من المواثيق والعهود. وأنا امرأة، وإنّما أريد الملك لهذا الصبيّ، وقد وفّق الله وأحسن المعونة، وأنت زعيم الدولة والمقدّم فيها. وقد رأيت أن أنجز وعدك وأردّ إليك أمر السيارتين مضافا إلى الشرطتين (4)، وأجعل رأيك في الأموال والخزائن نافذا، ورأيك في التدبيرات معتمدا.
فقبّل الأرض. وشاع هذا الحديث، وركب
- واختفاء الحاكم كان لليلتين بقيتا من شوال سنة 411 (الاتعاظ، 2/ 115).
(1)
السيّدة العزيزيّة: مرّ هذا اللقب في ترجمة جعفر الكلبي الصقلّي رقم 1081. ولعلّه أحد لقبي بنت العزيز أخت الحاكم، واللقب الآخر هو ستّ الملك أو سيّدة الملك كما يقول بعد قليل وكما قال في الاتعاظ 1/ 292 وزاد:
ولدت بالمغرب في ذي القعدة سنة 359. فهذه التي تتواطأ مع ابن دوّاس على قتل الخليفة المجنون هي أخته.
وفي الاتعاظ 2/ 115 سمّاها: ستّ الكلّ سلطانة.
(2)
السيارتان: قال أيمن فؤاد السيّد في تحقيقه للقانون في ديوان الرسائل لابن الصيرفيّ، بيروت، 1990، ص 35 هـ. 3 إنّهما تعنيان حماية الصعيد وحماية أسفل الأرض، ويسمّى صاحبهما متولّي الحرب.
(3)
ترجمة أخت الحاكم مفقودة، ونحن بعد لا نعرف اسمها.-
(4)
الشرطتان العليا والسفلى: شرطتا القاهرة ومدينة مصر.