الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورجع باقيهم إلى الشام. ودخل يزيد بن سياه المدينة فوقف على برذون أشهب وعليه ثياب بياض. فما لبث أن اسودّت ثيابه ودابّته ممّا مسح الناس به وما صبّوا عليه من الطيب.
قال ابن دريد: هو أوّل أمير أكل على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله حنتف بن السجف [التميميّ].
ودخل يوما على مروان بن الحكم وكان يجلسه على السرير معه، فرأى روح بن زنباع في موضعه من السرير معه، فأمر حملته ألّا يضعوه، وقال: إن رددتم علينا موضعنا وإلّا انصرفنا عنكم.
فقال مروان: مهلا! فإنّ لأبي زرعة مثل سنّك، وبه مثل علّتك- يعني النقرس.
قال حبيش: أو له مثل يدي عندك؟
قال: وله مثل يدك عندي، إلّا أنّ يده غير مكدّره بمنّ.
قال: إنّي لأظنّك يا مروان أحمق.
قال: أظنّ أيّها الشيخ ظننته أم يقين استيقنته؟
قال: بل ظنّ ظننته.
قال: فإنّ أحسن ما يكون الشيخ إذا أعجب بظنّه- وفي رواية: إنّ أحسن ما يكون الشيخ إذا استعمل ظنّه. وفي رواية: إنّ أحمق ما يكون الشيخ إذا استعمل ظنّه.
وقال صالح بن حسّان البصريّ: رأيت حبيش ابن دلجة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من مكتله (1) تمرا ويطرح نواه في وجوه القوم، وقال:
والله إنّي لأعلم أنّه ليس بموضع أكل، ولكنّي أحببت أن أذلّكم لخذلانكم لأمير المؤمنين.
وأخاف أهل المدينة خوفا شديدا وآذاهم،
وجعل إذا خطبهم يشتمهم ويتوعّدهم وينسبهم إلى الشقاق والنفاق والغشّ لأمير المؤمنين- يعني يزيد- حتى أتاه الحنتف فخرج إليه وأبى أهل المدينة أن يعينوه [319 ب] فقتل، وسرّ بقتله أهل المدينة سرورا كبيرا وحبست أسراه وهم خمسمائة، ثمّ ضربت أعناقهم.
[وقتل حبيش بن دلجة في سنة خمس وستّين](2).
1119 - حباسة بن يوسف الكتاميّ [- 307]
(3)
[412 أ] حباسة بن يوسف الكتاميّ، أحد قوّاد المهدي عبيد الله [
…
].
وبعثه المهديّ على الجيوش لأخذ مصر، وجهّز معه مائتي مركب. فسار إلى برقة، وبها أبو النمر أحمد بن صالح من الأبناء (4) على جيش كبير
(1) المكتل والمكتلة: الزنبيل من خوص للتمر وغيره.
(2)
الزيادة من مختصر تاريخ ابن عساكر 6/ 194.
(3)
الكندي 267؛ ابن عذاري 1/ 168؛ الكامل (سنة 302).
ورواية المقفّى هنا تلازم كلام الكندي في كتاب ولاة مصر عند ترجمته لأبي منصور تكين الخاصّة، ص 267 وما يليها.
ونجد في البيان المغرب 1/ 168 تفاصيل كثيرة عن حباسة بن يوسف الملّوسي وعن فعاله بأهل برقة، وانقطاعه عن القائم بمصر، ممّا جرّ قتله بالمهديّة حين عاد إليها. وتبع قتله انتقاض أخيه غزويه بن يوسف- الذي ساهم في الإيقاع بأبي عبد الله الشيعيّ- في جموع من ملوسة حتى إنّهم هدّدوا القيروان حسب رواية ابن الأثير (حوادث 302). والترجمة مفيدة بما أوردته من شعر المصريّين المناهضين للجيش الفاطميّ، ولكنّها لا تعرّف بالشاعرين: ابن مهران ونافع بن محمد. وكذلك الكندي لا يعرّف بهما، وإنّما يضيف (ص 278) أنّ ابن مهران قتل بسبب بيتين قالهما في تكين لمّا عزل عن ولاية مصر، فأمر بقتله عند ما ولي مصر سنة 311 للمرّة الثالثة.
(4)
الأبناء: رجالات الدولة العبّاسيّة من الخراسانيّين (دائرة-
من قبل أبي منصور تكين أمير مصر. فخرج إلى سرت ولقي حباسة فاقتتلا وانتصف كلّ منهما وامتنع من صاحبه. فعزل تكين أبا النمر بخير المنصوري.
وبلغ ذلك حباسة، فبعث إلى أبي النمر، وهو مواقفه:«ما يحملك على حربنا وأنت معزول؟ » وبعث إليه بكتاب ورد عليه من مصر بذلك.
فانصرف أبو النمر إلى برقة، وتبعه حباسة، ومضى أبو النمر إلى مصر، فملك حباسة برقة.
وخرج منها فلقي خير المنصوري وهزمه، وأقبل بجيوشه إلى الإسكندريّة، فدخلها يوم السبت لثمان خلون من المحرّم سنة اثنتين وثلاثمائة، ومعه ما يزيد على مائة ألف. فقدم القاسم بن سيما (1) من العراق، وقدمت الجيوش مددا لتكين. فخرج أوّل العسكر من مصر إلى الجيزة في خامسجمادى الأولى منها، وخرج تكين في تاسعه فعسكر بها.
وخرج حباسة من الإسكندريّة، فعسكر بمشتول من أرض الجيزة. ونودي بالنفير في الفسطاط لعشر بقين من جمادى الآخرة، فلم يتخلّف عن الخروج إلى الجيزة أحد من الخاصّة والعامّة، إلّا نفر [ا] يعذرون بعلّة أو حال عجز عن الحركة. ثمّ انصرفوا عشاء ولم يكن لقاء.
ثمّ نودي بالنفير يوم الخميس بعد ذلك بيومين.
فخرج الناس خروجا لم ير مثله قطّ في الاجتماع والنشاط وحسن البصيرة. وأتاهم حباسة في جيشه يومئذ فيما بين الظهر والعصر، فالتقوا فكثرت
القتلى بينهم، وقتل أكثر رجال حباسة وانهزم باقيهم، فتبعهم جمع من الرعيّة، وعبروا خلفهم خليج بوهة (2)، وقد دخل الليل، فخرج عليهم كمين لحباسة بعد الغروب، فقتل منهم نحوا من عشرة آلاف.
وأصبح الجند على مصافّهم بالجيزة يوم الجمعة، وفيه نودي بالنفير وقت صلاة المغرب، فاضطرب الناس لذلك اضطرابا شديدا، وخرجت الرعيّة إلى الجيزة ليلهم كخروجهم بالأمس. ثمّ عادوا إلى [412 ب] الفسطاط غداة يوم السبت ولم يكن لقاء.
وعاد حباسة إلى الغرب، فعند وصوله إلى المهديّة قتله المهدي [
…
].
وقال نافع بن محمد بن عمرو في واقعة حباسة [الطويل]:
ألا شقّ جيب الصّبر إن كنت موجعا
…
ولا يلف لاح فيك للعذل مطمعا
لما دهم الإسلام من فجع حادث
…
تهمّ له أركانه أن تضعضعا
لمصرع إخوان على الدين صرّعوا
…
لنصرة دين الله يا لك مصرعا!
فماتوا كراما ما استضيموا أعزّة
…
يلاقون في الله الأسنّة شرّعا
5 ألم ترهم يوم الخميس، وقد غدا
…
عدوّهم فيمن أعدّ وأجمعا؟
وقد صاح فيهم بالنفير أميرهم
…
فجاءوا سراعا، حاسرين ودرّعا
فصادمهم في الناكثين فأيّدوا
…
وكان حماة الدين أعلى وأمنعا (3)
- المعارف الإسلامية 1/ 104). وفي اللسان (بنى): هم أولاد الفرس الذين استقرّوا باليمن بعد محاربتهم للحبشة وتزوّجوا من العرب.
(1)
القاسم بن سيما الفرغاني، أحد قوّاد المكتفي والمقتدر (العيون والحدائق 568، وفيها أنّه مات سنة 305).
(2)
خليج بوهة: لم نتعرّف عليه.
(3)
في ولاة مصر 271: فابدءوا.