الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مناظرة بين خالد وعبد الملك بن مروان]
فقال له خالد: أنا أكفيك.- فدخل خالد على عبد الملك بن مروان، وابنه الوليد عنده، فقال: يا أمير المؤمنين، الوليد ابن أمير المؤمنين ووليّ عهد المسلمين مرّت به خيل ابن عمّه عبد الله بن يزيد فعبث بها وأصغره- وعبد الملك مطرق.
فرفع رأسه فقال: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34].
فقال خالد: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً [الإسراء:
16].
فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلّمني؟ والله لقد دخل عليّ فما أقام لسانه لحنا.
فقال له خالد: فعلى الوليد تقول في اللحن؟
فقال عبد الملك: إن كان الوليد يلحن، فإنّ أخاه سليمان!
فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن، فإنّ أخاه خالد!
فقال الوليد: اسكت يا خالد، فو الله ما تعدّ في العير ولا في النفير!
فقال خالد: اسمع يا أمير المؤمنين! - ثمّ أقبل عليه فقال: ويحك! فمن للعير والنفير غيري؟
جدّي أبو سفيان صاحب العير، وجدّي عتبة بن ربيعة صاحب النفير. ولكن لو قلت: غنيمات وجبيلات والطائف- ورحم الله عثمان! - قلنا:
صدقت (1).
[شعره في نسائه]
وتزوّج خالد بن يزيد نساء ذوات شرف، منهنّ أمّ كلثوم (2) بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وفيها يقول حين زفّت إليه [طويل]:
[ف] جاءت بها دهم البغال وشهبها
…
معتّقه في جوف قزّ مخدّر
مقابلة بين النبيّ محمّد
…
وبين عليّ والحواريّ جعفر
منافيّة جاءت بخالص ودّها
…
لعبد منافيّ أغرّ مشهّر
ومنهنّ: آمنة- وقيل أمة- بنت سعيد بن العاص بن أميّة. ثمّ طلّقها فتزوّجها الوليد بن عبد الملك. ففي ذلك يقول خالد [طويل]:
كعاب أبوها ذو العصابة وابنه
…
وعثمان ما أكفاؤها بكثير
فإن تقبلنها والخلافة، تنقلب
…
بأكرم علقي منبر وسرير
- وقال: لعلّ الله ينفلكموها- فكانت وقعة بدر، وساحل أبو سفيان بالعير- أي أخذ على الساحل، فكانت الغنيمة ببدر كما قال الله عز وجل: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال: 7]، أي غير الحرب. فلمّا ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل بدر قال المسلمون: أنهدتنا يا رسول الله إلى العير؟
فقال العبّاس: إنما وعدكم الله إحدى الطائفتين.
وأمّا النفير، فمن نفر من قريش ليدفع عن العير، فجاءوا فكانت وقعة بدر، وكان شيخ القوم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وهو جدّ خالد بن يزيد من قبل جدّته هند أمّ معاوية، بنت عتبة.
ومن أمثال العرب: لست في العير يوم يجدّون بالعير ولا في النفير. ثمّ اتّسع هذا المثل حتى صار يقال لمن لا يصلح لخير ولا لشرّ ولا يحفل به: لست في العير ولا في النفير).
(1)
بعد هذا يأتي شرح لهذا الكلام، كحاشية وتعليق ولكنّه مقحم في المتن، وهو هذا: (أمّا قوله: في العير، فهي عير قريش التي أقبل بها أبو سفيان صخر بن حرب من الشام فنهد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب إليها المسلمين-
(2)
في المخطوط: أمّ كلثوم زينب.
وفي آمنة يقول خالد حين طلّقها [الكامل]:
أعطيت آمنة الطلاق كريمة
…
عندي ولم يكثر عليّ طلاقها
ولأضربنّ بحبل أخرى فوقها
…
يوما إذا لم تستقم أخلاقها [436 ب]
ومنهنّ رملة بنت الزبير بن العوّام أخت مصعب بن الزبير، أمّهما رباب الكلبيّة، وفي ذلك يقول شديد بن شدّاد بن عامر بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، يحرّض عليه عبد الملك بن مروان [الطويل]:
[و] لا يستوي الحبلان: حبل تلبّست
…
قواه، وحبل قد أمرّ شديد
عليك أمير المؤمنين بخالد
…
ففي خالد عمّا تحبّ صدود
إذا ما نظرنا في مناكح خالد
…
عرفنا الذي ينوي وأين يريد
فطلّقها عند ذلك. وفي رملة بنت الزبير يقول خالد [الطويل]:
تجول خلاخيل النساء ولا أرى
…
لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
أحبّ بني العوّام طرّا بحبّها
…
ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
فلا تكثروا فيها الملام فإنّني
…
تخيّرتها منهم زبيريّة قلبا
وما ذكرت عندي لها من سميّة
…
فتملك عيني من مشاربها غربا
فإن تسلمي نسلم وإن تتنصّري
…
يعلّق رجال بين أعينهم صلبا
فيروى أنّ عبد الملك بن مروان ذكر له هذا البيت فقال: يا خالد، أتروي هذا البيت؟
فقال: يا أمير المؤمنين، على قائله لعنة الله!
وذكر العتبيّ أنّ الحجّاج لمّا أكره عبد الله بن جعفر على أن زوّجه ابنته (1)، استأجله في نقلها سنة. ففكّر عبد الله في الانفكاك وألقي في روعه خالد بن يزيد، فكتب إليه يعلمه ذلك- وكان الحجّاج تزوّجها بإذن عبد الملك- فورد على خالد كتابه ليلا فاستأذن من ساعته على عبد الملك فقيل له: أفي هذا الوقت؟
فقال: إنّه أمر لا يؤخّر.
فأعلم عبد الملك بذلك فأذن له. فلمّا دخل عليه قال له عبد الملك: فيم السّرى يا أبا هاشم؟
فقال: أمر جليل لم آمن أن أؤخّره، فتحدث عليّ حادثة فلا أكون قضيت حقّ بيعتك.
فقال: وما هو؟
فقال: أتعلم أنّه ما كان بين حيّين من العداوة والبغضاء ما كان بين آل الزبير وآل أبي سفيان؟
قا [ل]: لا.
[قال: ] فإنّ تزوّجي إلى آل الزبير قد حلّل لهم ما كان لهم في قلبي، فما أهل بيتي أحبّ إليّ منهم.
قال: فإنّ ذلك ليكون.
قال: كيف أذنت للحجّاج أن يتزوّج في بني هاشم وأنت تعلم ما يقولون ويقال فيهم، والحجّاج من سلطانك بحيث علمت؟
فجزاه عبد الملك خيرا، وكتب إلى الحجّاج
(1) في العقد، 2/ 71 هي أمّ كلثوم، وفي 6/ 130 هي زينب، فلعلّ هذا هو سبب ذكر المقريزي للاسمين معا في ص 443. وليس في الحكاية ما يدلّ على أنّ خالد بن يزيد تزوّج بهذه التي تزوّجها الحجّاج. وفي جمهرة ابن حزم، 68، 140، ذكرت أمّ كلثوم لا غير، ولم تذكر زينب بنت عبد الله أصلا.