الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشهورتان. فمشى في الليل وحده ومعه خرج صغير وطرقهم على غفلة وقال: جئناكم حرفاء- ثمّ جلس معهم على شرابهم وغنائهم. فقام الجماعة يرقصون واحدا بعد واحد حتّى رقص جميعهم. فقام حنين ووضع الخرج في عنقه [422 أ] وقال، وهو يرقص، والمغنّيتان تزفّ [ان] هـ:
قد جئتكم، وأنا حنين، في بيتكم
…
أملأ خرجي من أين؟ من عندكم!
وصار يكرّر ذلك حتّى فهموا قصده، فما منهم إلّا من وضع في الخرج مبلغا من ذهب أو فضّة، وألق [ت] المغنّيتان ما عليهما من الحلي والتفاصيل (1) وألقتاه في الخرج. وكمّل ليلته عندهم ثمّ خرج عنهم.
ولم يزل في ولايته حتّى مات ودفن في موضع بناحية مليج يقال له «بولة» فقال فيه [الطويل]:
لقد دفنوا ذاك الخراء ببولة
…
يحقّ لتلك الميتة ذاك الخرا (2)
1315 - حوثرة بن سهيل الباهليّ [- 132]
(3)
[409 أ] حوثرة (4) بن سهيل بن العجلان بن سهيل بن كعب بن عامر بن عمير بن رباح بن عبد الله بن عبد بن فرّاص بن باهلة، أبو المثنّى،
الباهليّ، أخو عجلان بن سهيل، من أهل قنّسرين.
كان مع مروان بن محمّد يوم غلب على دمشق، في جنده. ثمّ ولّاه مصر فسار إليها، ومعه عمرو بن الوضّاح في الوضاحيّة، وهم سبعة آلاف، وعلى أهل حمص نمير بن يزيد بن حصين بن نمير الكندي، وعلى أهل الجزيرة موسى بن عبد الله التغلبيّ، وعلى أهل قنّسرين أبو حمل بن عمرو بن قيس الكنديّ. وقدّم أبا الجرّاح بشر بن أوس الحرشيّ إلى مصر فقدمها يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرّم سنة ثمان وعشرين ومائة.
فاجتمع الجند إلى حفص بن الوليد وسألوه أن يمانع حوثرة فلم يوافقهم، وسلّم لأبي الجرّاح واعتزل.
فخاف أهل مصر حوثرة فبعثوا إليه يزيد بن مسروق الحضرميّ فلقيه بالعريش وسأله الأمان لأهل مصر على ما أحدثوه من خلع مروان. فأجابه وكتب لهم كتابا بعهد وأمان قدم به إليهم.
فاطمأنّوا.
ثمّ بعث حوثرة إليهم يستأذنهم في المسير إليهم والدخول إلى مصر، فأذنوا له. فسار إليها ونزل خارج المدينة، وبعث إليهم: إن كنتم في طاعتي فآلقوني في الأردية! - فخرج إليه حفص بن الوليد ورجاء بن الأشيم في وجوه الجند. فلمّا دخلا عليه فسطاطه قيّدهما، فانهزم الناس.
ودخل حوثرة الفسطاط على الصلاة والحرب، ومعه عيسى بن أبي عطاء على الخراج في يوم الأربعاء لثنتي عشرة خلت من المحرّم سنة ثمان وعشرين. فجعل على شرطه حسّان بن عتاهية.
وقدم كتاب مروان إلى أهل مصر: إنّي قد بعثت إليكم رجلا أعرابيّا بدويّا فصيح اللسان، من حاله ومن حاله، فاجمعوا له من فيه مثل خصاله،
(1) التفصيلة: القطعة من القماش.
(2)
البيت غير موزون، وقد مرّ في ترجمة أخرى.
(3)
الأعلام 2/ 326 - الوافي 13/ 218 (258) - الكندي، 88 - النجوم 1/ 305 - الأخبار الطوال 374 - أنساب الأشراف 3/ 137 - تاريخ خليفة بن خيّاط 2/ 426.
الكامل 5/ 442 (سنة 132) الخطط 1/ 303، 2/ 338.
(4)
في الهامش، حاشية: حوثرة بفتح الحاء المهملة وسكون الواو ثمّ ثاء مثلّثة.
يسدّده في القضاء ويصونه في المنطق ويسدّده.
فأجمع رأيهم على الليث بن سعد. وجمع حوثرة الجند إلى المسجد وخطبهم بشعر بلعاء (1) بن قيس [الطويل]:
دعوت أبا ليلى إلى الصلح كي يبو
…
برأي أصيل أو يردّ إلى حلم (2)
دعاني لشبّ الحرب بيني وبينه
…
فقلت له: مهلا، هلمّ إلى السلم
وبعث الخيل في طلب رؤساء الفتنة ووجوههم. فجمع عامّتهم وضرب عنق رجاء بن الأشيم [الحميريّ](3) في عدّة، لثنتي عشرة بقيت من المحرّم. وعزل خير بن نعيم عن القضاء، وفرض لشيعة مروان ومن كان يكاتبه، وصافى الخاصّة، وفرض لزيان بن عبد العزيز في بني أميّة ألفا، وفي قيس ألفا، وفرض لجماعة، وعقد لمحمّد بن [409 ب] زيان بن عبد العزيز على الجند وأنفذ معه أهل الديوان إلى العريش، فطلبوا ثابت ابن نعيم الجذاميّ حتى أسروه وبعثوا به إلى مروان [بن محمد]. ثمّ قتل حفص بن الوليد، ويزيد بن موسى بن وردان لليلتين من شوّال.
وقدم داعية عبد الله بن يحيى طالب الحقّ أحد الخوارج إلى مصر ودعا إليه فبايعه أناس من تجيب وغيرهم. فاستخرجهم حسّان بن عتاهية، فقتلهم حوثرة.
ثمّ صرف حوثرة عن مصر في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائة، وبعث به مروان مددا
إلى يزيد بن عمر بن هبيرة بالعراق. فاستخلف على مصر حسّان بن عتاهية- وقيل: بل [422 ب] استخلف أبا الجرّاح بشر بن أوس- وخرج من مصر لعشر خلون من رجب سنة إحدى وثلاثين.
وكانت ولايته على مصر ثلاث سنين وستّة أشهر.
ولحق حوثرة بابن هبيرة فسار معه يريد محاربة قحطبة بن شبيب أحد دعاة بني العبّاس، وقد استولى على عامّة أنعامه ونزل جلولاء. فأقبل إليه قحطبة وعبر دجلة ونزل دون الأنبار. فقدّم ابن هبيرة حوثرة في خمسة عشر ألفا إلى الكوفة فارتحل في أثره- وقيل: إنّ حوثرة لم يفارق ابن هبيرة.
وقيل: إنّ مروان لمّا استبطأ ابن هبيرة في مناجزته قحطبة كتب إليه: كأنّك لا ترى أنّ زامل بن عمرو قبلي، فو الله ما أعلم مكان عربيّ على وجه الأرض لو كانت الخلافة تصلح له أولى بها منه (4).
فقال ابن هبيرة: يرحم الله أمير المؤمنين: ما يدع المحسن حتّى يسيء!
فبعث مروان الحوثرة على العراق وقال له: لا تظهر عهدك حتى تقدم على يزيد، فإنّي أخاف أن يمتنع عليك. فخرج وهو لا يشكّ في العراق أنّه قد وليها فكان إذا كتب إلى يزيد بن هبيرة يبدأ بنفسه.
فبلغ ذلك مروان فكتب إليه: بلغني كتابك إلى يزيد وأنّك بدأت بنفسك. فإذا جاءك كتابي هذا
(1) بلعاء بن قيس الكنانيّ. انظر الحيوان 3/ 60 هامش 5.
والمؤتلف والمختلف (في أسماء الشعراء) للآمدي، نشر عبد الستّار فرّاج القاهرة 1961 ص 150.
(2)
يبو: يبوء، أي يرجع ويقرّ. والبيتان نقلهما الكندي، 90.
(3)
زيادة من النجوم 1/ 305.
(4)
زامل بن عمرو السكسكيّ الحبرانيّ هو والي مروان بن محمد على حمص ودمشق، انتقض عليه أهل الغوطة فأخمد ثورتهم. انظر مختصر ابن عساكر 8/ 373 (198) والطبريّ 7/ 312 والكامل 5/ 329. وكلام مروان هنا يقابل حزم زامل بن عمرو بتردّد يزيد بن عمر بن هبيرة على وجه اللوم والاستفزاز. ولم نجد هذه الكلمة في التوقيعات التي جمعها ابن عبد ربّه لمروان في العقد 4/ 210.