الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت معه سكّين لا تقطع إلّا بيده. فإذا أمسك طائرا أو قبضه أحد ممّن عنده، يدفع السكّين التي معه إليه ويقول: اذبحه! - فلا تمشي في يده حتى يأخذها هو ويذبحه بها، فيجري دم الطائر. ثمّ يعود فيمسكه بيده ويسرّحه فيطير.
وكان أصحابه يزعمون فيه أنّ الحديد لا يؤثّر في جسمه.
1310 - حميدان بن حوّاس العقيليّ [- 368]
(1)
ويقال فيه حمدان، والأوّل أشهر. ولي دمشق من قبل العزيز بالله أبي منصور نزار ابن المعزّ لدين الله سنة ثمان وستّين وثلاثمائة، بعد ظفره بهفتكين الشرابيّ. بعثه إليها في نحو مائتي رجل. وكان قسّام (2) إذ ذاك متغلّبا على دمشق، فلم يكن لحميدان مع قسّام أمر. ولم تطل مدّته حتى وقع بينه وبين قسّام، فأطرده العيّارون من أصحاب قسّام، وخرج هاربا من البلد، فنهبوا داره.
وقوي أمر قسّام. فجاءت القرامطة، جعفر وإخوته، فنزلوا على دمشق فمنعهم قسّام من البلد وعمل على قتالهم فساروا إلى الرملة.
فولي دمشق بعد حميدان أبو محمود (3).
ويقال إنّه ولي دمشق في سنة واحدة، وهي سنة ثمان وستّين هذه، ظالم بن مرهوب العقيلي، والقرمطي، ووشّاح (4) وحميدان وأبو محمود.
1311 - حميضة ابن أبي نميّ [- 720]
(5)
[536 أ] حميضة بن محمد بن حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليم بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، الشريف الأمير عزّ الدين، أبو [
…
] ابن الشريف الأمير أبي مهدي وأبي نميّ، ابن أبي سعد، الحسنيّ.
ولي إمارة مكّة شرّفها الله، هو وأخوه أسد الدين رميثة، قبل موت أبيهما أبي نميّ، في ثاني صفر سنة إحدى وسبعمائة. فانتظر إلى الموسم- وكان قد حجّ من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير. فلمّا رجع من منى ليطوف طواف الوداع، وقف له أبو الغيث وعطيفة، ابنا أبي نميّ، وشكيا من أخويهما حميضة ورميثة شكوى طويلة، منها أنّهما منعاهما إرث أبيهما وسجناهما مدّة حتى فرّا منهما. فقال بيبرس لحميضة: ألا تسمع ما يقول أخواك؟
فقال: يا أمير، نحن نتصرّف في إخوتنا، وأنتم فقد قضيتم حجّكم، فلا تدخلوا بيننا.
فغضب بيبرس، وأشار إلى الأمير سيف الدين طاش تمر الجمقدار، فلكم حميضة [و] ألقاه إلى الأرض، وللحال كتفت يداه ويدا أخيه رميثة وجعل في أعناقهما الحديد. فطار الخبر بمكّة، فركب الأشراف والعبيد، وصاح النساء من أعلى البيوت، ورموا بالحجارة. فثار أمراء مصر وأتباعهم مستعدّين للحرب. فجرح ثلاثة عشر
(1) ابن القلانسيّ: ذيل تاريخ دمشق، 21 - أمراء دمشق، 28: ابن جوّاسب.
(2)
قسّام الترّاب أو الحارثيّ: أمراء دمشق، 215.
(3)
أبو محمود هو إبراهيم بن جعفر بن فلاح. انظر ترجمته رقم 98.
(4)
وشّاح السلميّ من قبل الأعصم القرمطيّ.
(5)
الوافي 13/ 203 (238) - الدرر 2/ 167 (1637) - السلوك 1/ 948 - البدر الطالع 1/ 250 (158) الأعلام 2/ 321.
رجلا- وقيل ستّة- وثمانية أفراس. وخرجوا بحميضة ورميثة في الحديد إلى ظاهر مكّة. وأقيم في إمارة مكّة عوضهما أخواهما أبو الغيث وعطيفة.
وساروا بحميضة ورميثة إلى مصر، وصعدوا بهما في الحديد إلى قلعة الجبل أوّل يوم من المحرّم سنة اثنتين وسبعمائة. فسجنا إلى صفر سنة ثلاث وسبعمائة.
[ثمّ] أفرج عنهما وأحضرا بين يديّ الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأعيد حميضة إلى إمرة مكّة، ومعه أخوه رميثة على عادتهما، وخلع عليهما، وأريد حميضة أن يلبس كلفتاه زركش فامتنع من ذلك. فهدّد بعوده إلى السجن إن لم يفعل، فلبسها، وأجلس هو ورميثة فوق الأمراء.
وانصرفا. فبعث إليهما [418 ب] الأميران بيبرس وسلّار وسائر الأمراء الهدايا، وأجريت عليهما الرواتب السنيّة. وصارا يركبان بالميدان مع السلطان. ولعب حميضة بالكرة مع الأمراء والسلطان، وبالغ الجميع في تعظيمه وإكرامه، إلى أن سافر بأخيه، ومعهما عزّ [536 ب] الدين أيدمر الكوندكي ليسلّمهما مكّة. فأقام بمكّة إلى أن خرج بالركب من مصر الأمير سيف الدين نوغاي القبجاقي في سنة سبع وسبعمائة، وقدم به إلى مكّة. فبلغه أنّ عبيد حميضة تتخطّف من التجّار أموالها وتتعرّض للحجّاج وتأخذ منهم ما أرادت غصبا. فأرسل جماعة لتقبض على واحد منهم. ففرّ من كان معه من رفاقه وأخذ. فثارت العبيد وأركبوا حميضة ومعه الأشراف بالسلاح يريد الحرب، وكان شجاعا مقداما متهوّرا لا يحسب أنّ أحدا يقف له.
فركب نوغاي أيضا بأصحابه وثبت موضعه ونادى بالأمان وأن لا يخرج أحد من موضعه، ومن عدم له شيء كان على أمير الركب، ثمّ ساق بمن معه. فإذا طائفة من أهل الستر والحجّاج قد تعلّقوا بالجبل خوفا من الشرّ أن يدركهم. فوضع السيف فيهم وقتل منهم خلقا كثيرا على أنّهم من العبيد. وأعلم بهم فلم يكفّ عنهم.
وأقبل يريد حميضة بمكّة، فانهزم عنه لكثرة من معه. وخرج شيوخ الحرم والمجاورون إلى نوغاي، وما زالوا به حتّى رجع. واستمرّ حميضة فكثر ظلمه. وبلغ ذلك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجرّد إليه الأمير سيف الدين طقصبا الناصريّ على جماعة من أمراء مصر، وجرّد من دمشق الأمير بلبان البدريّ، ووصلوا جميعا مع ركبي مصر ودمشق في موسم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. ففرّ حميضة إلى جهة اليمن ونزل حيّ بني يعقوب.
فرتّب طقصبا عوضه أخاه أبا الغيث بن أبي نميّ، وأقام العسكر معه بعد الموسم شهرين، وعادوا.
فجمع حميضة وقدم مكّة بعد ما استمال بني حسن، فتركوا أبا الغيث وانهزم إلى وادي نخلة، واستقرّ حميضة بمكّة. فبعث إلى السلطان باثني عشر فرسا قودا وسأل العفو. فلم يعف عنه وحبس رسوله. فقطع حميضة اسم السلطان من الخطبة ودعا لصاحب اليمن، وأخرج أخاه رميثة. فقدم مصر في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة، فجرّد السلطان معه عسكرا.
ثمّ أخرج حميضة أخاه أبا الغيث من مكّة أيضا، فنزل وادي نخلة. فخرج إليه وقاتله فقتل أبو الغيث. وعقيب قتله قدم العسكر مع رميثة، ففرّ منهم مختفيا في زيّ امرأة وسار إلى العراق ولحق بخربندا، فاحتفل به وتلقّاه وبالغ في إكرامه وأجرى له الرواتب، ووعده أن يردّه إلى إمارة مكّة بجيش يبعثه معه ليقيم له الخطبة بالحجاز. وندب [537 أ] معه أربعة آلاف فارس ليوصلوه إلى مكّة، ويقيم بها معه ألف فارس ويعود بقيّتهم.
فسار في رجب سنة ستّ عشرة وسبعمائة يريد مكّة. فبلغ خبره محمد بن عيسى أخا مهنّا بن عيسى- وقد بلغه موت خربندا- وبيّت عسكر حميضة فقتل كثيرا من المغل. وفرّ حميضة، وأسر محمد منهم أربعمائة وغنم سائر ما معهم، وكان شيئا كثيرا، وبعث يبشّر السلطان بذلك.
فنجا حميضة ومعه أميران من أمراء المغل في نحو خمسين من التتر، ومضى إلى مكّة. فلمّا قاربها بعث يرغّب أخاه رميثة في إقامته معه شريكا له. فأبى عليه وبعث يستأذن السلطان في ذلك.
فأجابه بأن لا يمكّن من مكّة حتى يحضر إلى مصر، ويقيم بها تحت ظلّ السلطان وله الأمان.
فاستمال حميضة قوّاد مكّة حتى وافقوه وقاموا معه ففرّ رميثة إلى مصر ودخل حميضة إلى مكّة عنوة وقطع اسم الملك الناصر من الخطبة، ودعا لأبي سعيد بن خربندا صاحب العراق، ومدّ يده فأخذ أموال التجّار ومياسير الناس. فلمّا قدم رميثة إلى مصر وأعلم السلطان بذلك، جرّد معه الأمير صارم الدين أزبك الجرمكي وبهادر الإبراهيمي على ثلاثمائة فارس. فساروا به مع الركب في شوّال سنة سبع عشرة، فانهزم حميضة بين أيديهم من غير قتال حتى انقضى الموسم وعاد العسكر من مكّة.
[ف] قدم إليها وأقام خارجها [419 أ]، وأخوه رميثة بها، وبعث يسأل أن يعفى عنه. فبعث السلطان في سنة ثماني عشرة الأمير أيتمش المحمّديّ، ومعه بهادر السعيديّ الكركي، أمير علم، على خمسين جنديّا، وكتب أمانا لحميضة.
فلمّا نزلوا بطن مرّ تلقّاهم رميثة، ووقف على أمان أخيه [ف] سرّ به وأعلمهم أنّه نازل عند بني شعبة.
فبعث إليه أيتمش يخبره بأنّه حضر بالأمان حسب سؤاله، ودعاه إلى الحضور. فتعلّل بأنّه لا يجد ما يتركه عند أهله إذا فارقهم، وأنّه مقيم بهم في جوار بني شعبة. فبعث إليه أيتمش حملين بشماط (1) وحملين دقيقا وحمل سكّر وألف درهم فضّة.
فقبل ذلك وامتنع بقلعة منيعة على مسافة ثلاثة أيّام من مرّ تعرف بريمة. فشقّ ذلك على أيتمش، وركب إليه. ومرّ على وادي نخلة وعبر الوادي حتى نزل تحتها في اليوم الثاني، فإذا هي فوق جبل عال، وبها حميضة في ألفي رجل، وتحته فرس. فتلقّوا أصحاب أيتمش بالحجارة حتّى كادوا أن يهلكوا، وأحجمت خيلهم عن اقتحام الأوعار. فترجّل أيتمش بمن معه، ووالوا رشقهم بالسهام وقتلوا منهم خمسين [537 أ] وجرحوا مائتين. فانهزم حميضة، وصعد القوم الجبل فلم يقفوا له على خبر. وأسروا كثيرا من رجاله ثمّ أفرجوا عنهم، وعادوا. وكتب أيتمش بذلك إلى السلطان.
فلمّا رجع أيتمش وقع الصلح بين حميضة وأخيه رميثة فغضب السلطان على رميثة وجرّد الأمير بدر الدين محمد بن عيسى بن التركمانيّ فقبض على رميثة وحمل إلى مصر، وولّى السلطان عوضه عطيفة بن أبي نميّ. فسار حميضة إلى البرّ وأقام به، يتنقّل فيه إلى عدّة مواضع.
فلمّا حجّ السلطان في سنة تسع عشرة وعاد، هرب منه ثلاثة مماليك وقصدوا اللحاق بالسلطان أبي سعيد بن خربندا ملك التتار، وأعطوا بدويّا مائتي دينار، فسلك بهم من بطن مرّ على وادي نخلة، فصدفهم حميضة وهو يتصيّد. فسلّم عليهم وسألهم عن خبرهم ومال بهم إلى بيوته وأضافهم.
فأعلموه بأنّهم يريدون العراق، فوعدهم أن يسير بهم إلى أبي سعيد ويجعلهم من جملة أمرائه، فأقاموا عنده. وكان أحدهم شابّا جميلا، فاختصّ
(1) البشماط: كعك غير محشوّ (دوزي).