الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذ عنه النحو. وحدّث بمصر، ومن شعره [الطويل]:
ألا قل لجيران الصفا ليت داعي ال
…
تفرّق أعمى يوم راح مناديا
لعمري لقد ودّعت يوم وداعكم
…
بشعب المنقّى شعبة من فؤاديا
1200 - ابن هود المرسيّ الزاهد [633 - 699]
(1)
الحسن بن عليّ بن يوسف بن هود، الجذاميّ، المغربيّ، الزاهد، أبو عليّ، [بدر الدين](2)، ابن عضد الدولة أبي الحسن، وهو (3) أخو المتوكّل على الله أبي عبد الله محمد [بن يوسف] ملك الأندلس (4).
كان أبوه عضد الدولة [علي بن يوسف] ينوب عن أخيه المتوكّل بمرسية. فتزهّد ابنه الحسن واشتغل بشيء من علوم الحكمة والطبّ ونظر في كلام ابن عربيّ وابن سبعين (5) وانتمى إلى رأي ابن سبعين وعظّمه.
وكان عنده غفلة في غالب أحواله بحيث يصحبه الرجل سنة ويغيب عنه أيّاما يسيرة فيراه فلا يعرفه، ويذكّره بأشياء جرت له معه فلا يذكر، ولا يظهر عليه أنّه رأى ذلك الشخص عمره.
وقدم مصر، وحجّ مرّات وجاور. ودخل اليمن واحترمه (6) سلطانها وأرسل إليه وإلى أصحابه مالا.
وقدم دمشق غير مرّة، وأكرم أوّل دخوله إليها إكراما كثيرا، وقصده نائب السلطنة بها والقاضي والأعيان، ثمّ طالت إقامته بها فانتقض ذلك الإكرام. وكان يظهر عليه أنّه لا فرق عنده بين الحالتين.
وكان نقم عليه كلام يصدر [371 ب] منه لا يوافق الشريعة (7). وكان شيخ الإسلام تقيّ الدين أحمد بن تيمية (8) كثير الوقيعة فيه والتنقّص له، ينفّر الناس عنه التنفير الكثير ويحذّر منه التحذير الوافر.
وقال الذهبيّ: ثمّ بان أمره، وقطع بأنّه من رءوس الاتّحاديّة (9).
- وترجم له المقريزيّ في المقفّى رقم 2830.
أمّا ابن سبعين، فهو عبد الحقّ بن إبراهيم بن محمد العكّي (ت 668)، له ترجمة في دائرة المعارف 3/ 945، والملاحظ أنّ ابن عربيّ وابن سبعين وابن هود ثلاثتهم ولدوا بمرسية.
(1)
له ترجمة في الوافي بالوفيات للصفديّ ج 12 ص 156 (128)، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبيّ 1/ 345 (122)، وعبر الذهبيّ 5/ 397، وشذرات الذهب لابن العماد 5/ 446، والسلوك للمقريزيّ 1/ 905، وطبقات الأولياء لابن الملقّن 428/ 126، ومسالك الأبصار 8/ 237.
(2)
الزيادة من السلوك ومن غيره.
(3)
أي عضد الدولة أبو الحسن عليّ.
(4)
ملك غرناطة على الموحّدين ابتداء من سنة 625، انظر دائرة المعارف الإسلاميّة 3/ 562 فصل: بني هود.
ولقب المتوكّل أسنده إليه الخليفة العبّاسيّ من بغداد سنة 631. انظر ابن خلدون 4/ 169.
(5)
محيي الدين ابن عربيّ: محمد بن علي بن محمد الحاتميّ الطائيّ (ت 638) العارف الصوفي الكبير، له ترجمة وافية في دائرة المعارف الإسلاميّة 3/ 729، -
(6)
هكذا في المخطوط وفي المسالك، ولعلّها: وأكرمه.
(7)
نقل له الصفديّ أبياتا قد تكون محلّ تهمة، منها:
أنا عبد، أنا ربّ
…
أنا عزّ، أنا ذلّ
أنا دنيا، أنا أخرى
…
أنا بعض، أنا كلّ
(8)
هو الفقيه الحنبليّ المشهور، توفّي سنة 728 وقد اضطهد كثيرا بسبب تصلبه في الدفاع عن السنّة وقاوم الصوفيّة، وله ترجمة مطوّلة في المقفّى (رقم 462).
(9)
قال فيه: الصوفيّ الاتّحاديّ الضالّ (عبر 5/ 397).
وقال الصفديّ: وكان تلحقه [حال](1) تشغله عن حسّه وتذهله عن نفسه حتّى إنّه كان يوضع في يده الجمر ولا يشعر، فإذا أحرقه عاد إلى حسّه، وربّما وقع في الحفائر ولا يدري (2).
وكان يقرئ الدلالة للرئيس موسى (3)، وأسلم على [يده] جماعة من اليهود، فأغاظهم ذلك فعملوا عليه حتّى سقوه الخمر في حال غيبته وأروه [ل] لمسلمين وهو في تلك الحال فما غيّر هذا عقيدة من له فيه عقيدة (4).
وقال أبو حيّان (5): رأيته بمكّة وجالسته. وكان يظهر منه الحضور مع من يكلّمه [ثمّ] تظهر الغيبة منه. وكان يلبس نوعا من الثياب ممّا لم يعهد لبس مثله بهذه البلاد. وكان يذكر أنّه يعرف شيئا من علوم الأوائل- وأنشد (6) عن أبي الحكم بن هاني عنه قوله [البسيط]:
خضت الدجنّة حتى لاح لي قبس
…
وبان بان الحمى من ذلك القبس
فقلت للقوم: هذا الربع ربعهم
…
وقلت للسّمع: لا تخلو من الجرس
وقلت للعين: غضّي من محاسنهم
…
وقلت للنطق: هذا موطن الخرس
وقال الشهاب أحمد بن فضل الله (7): أنشدني شيخنا أبو الثناء- يعني الشهاب محمود (8) - هذه الأبيات. وكان من خبرها أنّ ابن هود حجّ، فلمّا أتى المدينة وشارف أعلامها، نزل عن دابّته واغتسل ولبس ثيابا نظافا، ثمّ جعل يمشي، وهو يهمهم بكلام خفيّ سمعه بعض من كان يمشي خلفه، فإذا هو يقول [الطويل]:
نزلنا عن الأكوار نمشي، كرامة
…
لمن حلّ فيه أن نلمّ به ركبا (9)
ثمّ لم يزل يطأ من رأسه ويخضع حتّى أتى باب المسجد وكأنّه راكع، فسلّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم من ظاهر الحجرة بأكمل الآداب، ثمّ صلّى ركعتي التحيّة بالروضة، ثمّ خرج إلى الزيارة فجلس على الرمل، ثمّ جعل يبكي ويخطّ على الرمل الأبيات.
فقرأها بعض الحاضرين فحفظها وأنشدها عنه- يعني قوله: خضت الدجنّة
…
إلى آخرها.
(قال): وأتى لاجين نائب الشام وحسام الدين الرازي ابن هود، وهو لا يعرفهما. وكان مع لاجين سجّادة ففرشها تحت ابن هود بيده، وساعده الرازي. فقال له بعض من عنده: يا سيّدي، هذا نائب السلطان، وبيده [قد] فرش لك
(1) زيادة من المسالك.
(2)
عبارة الوافي: «وكان يحفر له الحفر في طريقه فيقع فيها ذهولا وغيبة» . وهي أعمال تدلّ على عداوة له من الناس.
(3)
موسى بن ميمون القرطبيّ الطبيب الفيلسوف اليهوديّ، انظر ترجمته في الأعلام للزّركليّ 8/ 284، توفي سنة 601. وكتاب الدلالة هو «دلالة الحائرين» الذي عرض فيه فلسفته.
(4)
هذه الحادثة جاءت مفصّلة عند الصفدي وابن شاكر.
(5)
الأثير ابن حيّان: هو محمد بن يوسف، أبو حيّان النحويّ الجيّانيّ (ت 745). انظر الأعلام 7/ 26. وله ترجمة في المقفّى: رقم 3600.
(6)
أبو حيّان هو الذي نقل شعر المرسيّ عن أبي الحكم. ولا نعرف ابن هاني هذا.
(7)
هو ابن فضل الله العمري، أحمد بن يحيى (ت 749) صاحب مسالك الأبصار. انظر الأعلام 1/ 254، وله ترجمة في المقفّى رقم 677، والنقل من المسالك 8/ 239.
(8)
الشهاب محمود: هو محمود بن سليمان- أو سلمان- بن فهد الحنبلي الحلبيّ (ت 725) الأديب الكاتب. انظر الأعلام 8/ 48، وقد سها الناسخ أيضا في اسمه، فكتب الشهاب ابن محمود.
(9)
ركبا: جمع راكب، أي نزّهنا الحرم عن أن نحلّ به راكبين.
السجّادة، وهذا الذي معه من أكابر العلماء.
فقال: بارك الله فيهما، والله ما فرش لي السجّادة إلّا ليجلس على سرير الملك، وصاحبه قاضي القضاة.
قال كاتبه (1): وكذا وقع، جلس لاجين هذا على سرير الملك وتلقّب بالسلطان الملك المنصور، وولي حسام الدين هذا قضاء القضاة، وهو أبو الفضائل الحسن بن أحمد الرازيّ الحنفي، كما قد ذكر في ترجمتيهما من هذا الكتاب (2).
قال الشهاب محمود: وكان ابن هود ذا علم جمّ، ولكن كانت الغيبة غالبة عليه. ولقد كان يبقى الأيّام والليالي لا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا. وكان كثيرا ما يقعد في مقابر كيسان مستديرا للمدينة متوجّها إلى القبلة قبالة البرج، ويبقى الأيّام الكثيرة في الحرّ والبرد لا يتغيّر من مكانه. ولقد رأيته هنا مرّة في زمان صيف شديد وقد لفحته هواجر الحرّ وأثّر فيه السموم. وكانت بيني وبينه صحبة، فوقفت أمامه وأنشدته قول الداني [الكامل]:
أنت المنيّة والمنى، فيك استوى
…
ظلّ الغمامة والهجير المحرق
فرفع رأسه إليّ وقال: ما أعرفك.
فعرّفته بنفسي، فقال: ما أعرفك.
فانصرفت وأنا أرثي له ممّا يقاسي.
وقال البرزالي: سألته عن مولده، فقال: في ثالث عشر شوّال سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة بمرسية.
وتوفّي عشيّة الاثنين السادس والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وستّمائة بدمشق. ودفن بكرة الثلاثاء بسفح قاسيون. [372 أ] وتقدّم في الصلاة عليه القاضي بدر الدين محمد ابن جماعة.
ومن شعره [الطويل]:
أورّي بذكر الجزع عنه وبانه
…
ولا البان مطلوبي ولا قصدي الرمل
وأذكر سعدى في حديثي مغالطا
…
بليلى، ولا ليلى مرادي ولا جمل
ولم أر في العشّاق مثلي لأنّني
…
تلذّ لي البلوى ويحلو لي العذل
سوى معشر حلّوا النظام ومزّقوا ال
…
ثياب ولا فرض عليهم ولا نفل
مجانين إلّا أنّ ذلّ جنونهم
…
عزيز، على أعتابهم يسجد العقل
وقوله [الطويل]:
سلام عليكم صدّق الخبر الخبر
…
فلم يبق «قال القسّ» أو «حدّث الحبر»
وهي قصيدة عسرة المسلك متوعّرة الجوانب يحار في ظلمائها ويخبط في بهمائها، منها:
وأشرق نور الحقّ من كلّ وجهة
…
على كلّ وجه فاستوى السرّ والجهر
(1) أي المقريزيّ المؤلّف. وهي عبارته حين ينتقل من النقل إلى التعليق.
(2)
لاجين المنصوريّ تسلطن بمصر من سنة 696 إلى 697، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ج 8 ص 85 - 114، وترجمة لاجين مفقودة من المقفّى.
والقاضي حسام الدين هو الحسن بن أحمد بن أنوشروان الرازي ثمّ الرومي، قاضي القضاة الحنفي (ت 699)، انظر الوافي 11/ 397 (571)، وفي سنة وفاته اختلاف. وقال المقريزي في السلوك 1/ 888 إنّه عدم في وقعة حمص مع التتار. وهي عبارة تعني أنّه فقد دون تيقّن من موته. وفي الوافي أنّه يكون قد أسر وحمل إلى جزيرة قبرص. وترجمته في المقفّى مرّت برقم 1150.