الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: «ألا إنّ الحجّاج كافر! » ، ففعل ذلك مرارا، ثمّ قال: كافر أيّها المعزى، باللات والعزّى!
[مواقف له في صلاة الجماعة]
واتّخذ من مسجد واسط أربعة كنف (1): واحدا في القبلة، وآخر عن يمين المسجد، وآخر عن يساره، وآخر في مؤخّره، فكان حيث أدركته الصلاة سمع تكبيره من الجناح الذي هو فيه.
وقال ثابت البناني: أخّر الحجّاج صلاة الجمعة حتّى فاتت العصر، ثمّ قال: إنّكم في صلاة ما انتظرتم الصلاة.
وعن مبارك بن فضالة: شهدنا الجمعة مع أبي في زمن الحجّاج، فقرأ علينا كتابا جاءه، فلم يصلّ الجمعة يومئذ حتّى غربت الشمس، فنزل فصلّى الجمعة ثمّ صلّى العصر ثمّ صلّى المغرب.
وعن يحيى بن نافع قال: أتيت المسجد للجمعة، فخرج علينا الحجّاج فلم ير إلّا أشياخا مصطفّين، فقال:«ما لي لا أرى إلّا أعلاجا لا تغسل أعقابها؟ » ثمّ خطبنا حتى ملأ الناس نصف الجامع، ثمّ خرج ناس فدخلوا المسجد والحجّاج ينظر، فقال: ألا إنّ شرّ الدوابّ أذنابها، وهؤلاء أذناب أهل الجمعة، خذوهم!
فأخذوا فحبسوا، فرأيتهم أخرجوا بعد يومين من الحبس وقد أخذت أرديتهم.
وقال مرّة: يدعى: حيّ على الصلاة فلا تجيبون، ولو دعي: حيّ على أربعة دراهم لغصّ المسجد بأهله!
وقال جرير عن الأعمش: لقيت أبا وائل يوم الجمعة في إمارة الحجّاج، فقلت له: أصلّيت قبل أن تروح؟
قال: من أنت؟
قلت: رجل من المسلمين.
قال: مرحبا بالمسلمين، نعم!
وقال الحسن: ما شككت في الحجّاج منذ رأيته، يعني النفاق.
قال عون: ذكر الحجّاج عند محمد بن سيرين فقال: غير ما تقولون أخوف على [332 أ] الحجّاج عندي منه.
قلت: وما هو؟
قال: إن لقي الله بقلب سليم، فقد أصاب الذنوب من هو خير منه.
قلت: وما القلب السليم؟
قال: أن يعلم أنّه لا إله إلّا الله.
وقال إسماعيل بن عليّة عن عوف: قال محمد بن سيرين: ما أبالي أن أستغفر للحجّاج.
قلت: أفتستغفر لابن الأزرق؟
قال: لأنّ الأمير- يعني الحجّاج- قاتل على الدرهم. وإنّ الحروريّ- يعني ابن الأزرق- قاتل على ردّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن سيرين في الحجّاج: إن عذّبه الله فبذنبه، وإن غفر له، فهنيئا. وإن كان قلبه سليما فقد أصاب الذنوب من هو خير منه.
وقال سليم بن قتيبة: ما رأيت دارا تلاوة القرآن فيها أكثر من دار الحجّاج.
[لهج الناس بذمّه]
ولمّا ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة وجلس أوّل مجلس جلسه، كره القوم أن يذكروا الحجّاج حتّى يكون هو الذي يبدأ. فتكلّم سليمان فذكر الحجّاج فوقع فيه ونال منه. فما بقي في
(1) في المخطوط: أربع كنف: واحدا
…
والكنف ج كنوف وكنيف وهو الجهة والجناح المفصول عن غيره.
القوم أحد إلّا قال فيه، وعمر بن عبد العزيز ساكت. فقال سليمان: يا أبا حفص، ما لك لا تتكلّم؟
فقال: ما عسيت أن أقول؟ لو خابثنا الأمم بالحجّاج لغلبناهم.
وقال عمر مرّة: الوليد بالشام، والحجّاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيّان بالحجاز، وقرّة بن شريك بمصر: امتلأت الأرض والله جورا!
وجلس عمر ببيت المقدس، فجعل عبد الله بن قيس يقع في الحجّاج، فجعل عمر يقول:«إيه، ابن قيس؟ » يكرّرها، كأنّه يعزّيه به.
وقال: وددت أنّي وجدت رجلا يعنيه أمر الحجّاج أخاصمه فيه، فإن كان محقّا تبعته، وإن كنت محقّا تبعني. والله ما كان الحجّاج يصلح لدنيا ولا آخرة! وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه جبى العراق ثمانين ألف ألف وما جبى الحجّاج إلّا أربعين ألف ألف. ولئن أبقاني الله لا أنتهي حتّى أجبيه ثمانين ألف ألف.
وقال أبو عاصم النبيل: حدّثنا عبّاد بن كثير عن قحذم: جبى عمر العراق مائة وسبعة أو ثمانية وعشرين ألف ألف. وجباها عمر بن عبد العزيز مائة وأربعة وعشرين ألف ألف. وجباها الحجّاج ثمانية عشر ألف ألف.
وقال عبّاد عن قحذم: أطلق سليمان بن عبد الملك في غزاة واحدة ثمانين ألف أسير، وكتب أن يثبتوا ويلحقوا بأهاليهم.
وقال صالح بن عبد الرحمن: عرضنا السجون بعد الحجّاج فوجدنا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا لم يحلّ على أحد منهم قطع ولا صلب.
ووجد أعرابيّ يبول في ربض مدينة واسط، فأخذ وحبس حتى مات الحجّاج، فأطلق فقال [الطويل]:
إذا ما تجاوزنا مدينة واسط
…
خرينا وصلّينا بغير حساب (1)
وتعبّث الحجّاج بقيس بن الهيثم السلميّ بالبصرة، وضربه بالسّياط، فكتب قيس إلى القيسيّة بالشام، فدخلوا على عبد الملك فقالوا له: إنّ الحجّاج قد تعبّث بسيّدنا بالبصرة، فضربه في غير ذنب.
فكتب إلى الحجّاج يلومه، وكتب إلى قيس:
إن أحببت المقام بالبصرة فأقم، ولا سلطان للحجّاج عليك. وإن أحببت اللحاق بأمير المؤمنين فالحق.
فقال: لا أقيم ببلد الحجّاج فيه سلطان.
فلحق بعبد الملك، وكان من سمّاره. فذكر عبد الملك الحجّاج ليلة فأثنى عليه فسكت قيس، فقال له: ما لك لا تتكلّم؟
قال: قد قال أمير المؤمنين.
قال: قل!
قال: والله يا أمير المؤمنين، لو أتتنا أمة ورهاء فرفدتها بما رفدت به الحجّاج لضبطت ما ضبط:
قدم علينا زياد على راحلته فضبط العراق بأهل العراق، وترك أهل الشام لثغورهم فلم يأتنا منهم برجل، ثمّ أتانا ابنه من بعده غلاما حدثا فضبط العراق بأهل العراق وترك أهل الشام لثغورهم.
وأتانا الحجّاج فلم يزل بخرقه وضعف منّته حتى أخرب البلاد وأخاف الناس، وكتب إليك يستنصرك فأمددته بأهل الشام وعطّلت الثغور. فلوأمددت أمة ورهاء بما أمددته به لضبطت ما ضبط.
(1) في العقد 3/ 482)
…
وبلنا لا نخاف عقابا.