الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وتزويجه قطر الندى (سنة 281)]
ثمّ قدم رسول المعتضد في شهر رمضان بالخلع، وهي: اثنتا عشرة خلعة وسيف وتاج ووشاح مع خادم يدعى شنيف.
وعقد المعتضد نكاح أسماء بنت أبي الجيش المعروفة بقطر الندى في سنة إحدى وثمانين.
وخرج في نزهته بترنوط لأربع بقين من شعبان، ومضى إلى الصعيد حتى بلغ [أ] سيوط. ثمّ رجع من الشرق إلى الفسطاط، فقدم مستهلّ ذي القعدة [445 ب] منها.
وماتت حظيّته بوران، فتكدّرت حياته، وانكسر لموتها كسرة تبيّنت عليه.
وأخذ في تجهيز ابنته، فجهّزها جهازا يضاهي نعمة الخلفاء، فأنفذ في ذلك بيوت أمواله حتى حملها إلى العراق.
وخرج إلى الشام يوم الخميس لثمان خلون من شعبان سنة اثنتين وثمانين، فنزل منية الأصبغ ومنية مطر. ثمّ سار يوم الثلاثاء لعشر بقين منه حتى قدم دمشق، فأقام بها. وسعي عنده بأنّ جواريه قد اتّخذن خدّاما كالزوج لكلّ منهنّ. فأمر بحملهنّ من مصر، واتّفق أنّ الخدّام سألوا أبا زرعة القاضي فقالوا: ما تقول أيّها القاضي في رجل يكره غلمانه على أنفسهم حتى يفسق بهم وربّما جاء إلى أحدهم في صلاته وهو راكع أو ساجد، فيكرهه على نفسه ويفسق به؟
فقال: لعنه الله! من هذا؟ لو أنّي تحقّقت أمر إنسان على هذه الصفة لأمرت بقتله.
[مؤامرة غلمانه عليه وقتله]
فاجتمع الخدّام وقالوا: متى حضرت الجواري حتّى تقرع واحدة منهنّ بمقرعة فإنّها تقرّ فتقتل بهم- وتحالفوا على ذلك. فلمّا سكر- وكان يشرب ثلاثين رطلا- أقبلوا إليه وهو بقصره من دير مرّان ظاهر دمشق، وليس عنده سبعه زريق لغيبته عن مصر. فذبحوه وفرّوا. فلمّا علم بمقتله طلب الخدّام فلم يوجدوا فتسرّع النظر إليهم وخرجت الخيل في طلبهم حتى أدركوا وضربت أعناقهم، وعدّتهم نيّف وعشرون خادما، منهم غلام يقال له طاهر، ولؤلؤ، وباشي، وسابور، ومحافظ.
وبعث برءوسهم إلى مصر فنصبت على الجسر.
وغسّل أبو الجيش وكفّن وصلّى عليه القاضي أبو زرعة، وحمل في صندوق إلى مصر. وكان دخوله يوما عظيما تلقّاه غلمانه وجواريه ونساءالقطائع بالصياح، وما يصنع في المآتم، وقد شقّ الغلمان الأقبية وسوّد بعضهم ثيابه، وشقّقوا جيوبهم إلى أن واروه في قبره. وكانت قتلته ليلة الأحد لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وعمره اثنتان وثلاثون سنة، ومدّته اثنتا عشرة سنة وثمانية عشر يوما. وترك: طولون بن خمارويه، وقطر الندى.
[شيء من أخباره]
ومن أخبار أبي الجيش أنّه مرّ بقرية وهو سائر إلى الشام، فخرج إليه أهلها وشكوا سبعا في جوارهم، وأنّهم قد عزموا، من خوفهم منه، على الهرب من أوطانهم؛ لأنّه ما يظفر برجل أو امرأة أو بهيمة إلّا ويدقّه ويأكله. فقال: وأين هو؟
قالوا: بين يدي الأمير.
[الأسد الذي اصطيد باليد]
فقصده وأمر أن يصاح به ليظهر، وأقبلوا يصيحون حتّى ظهر لهم، وهو بقدر الحمار العظيم. فأمر أن يثيروه فأثاروه حتى غضب وتقدّم إليهم. فأمر أبو الجيش أصحابه بالنزول فنزلوا إليه. وكان فيهم رجل قد سقط ترسه منه في
الطريق ولم يشعر به، فنزع جبّته ولفّها على يده عوضا عن الترس، وكانت محشوّة قطنا، وقال لرفقائه: استروني من الأمير لئلّا يراني بلا ترس فيحرد عليّ. فستروه إلى أن تأمّله الأسد فيما بينهم بلا ترس، فقصده من بينهم وطلبه وطمع فيه.
وأقبل الرجل إليه، وانكشف لأبي الجيش فرآه بلا ترس فاغتاظ وأنكر سقوط ترسه، وأمر رفقاءه بأن لا يعاونوه ويتركوه مع الأسد، فامتثلوا أمره وخلّوا بينه وبين الأسد، فلم يزل يعاركه ويراوغه حتى تهيّأ السبع ووثب عليه، فوضع كفّه على كتف الرجل وفتح فمه، فأدخل الرجل ذراعه في فيه بالجبّة ثمّ سلّ ذراعه من الجبّة وأخرجه من فيه، وبقيت الجبّة في حلق الأسد، فاشتغل بإخراجها من حلقه. فلمّا رآه الرجل وقد اشتغل بإخراج الجبّة قبض بيديه جميعا على أذني السبع وأقبل يجذبه يمينا وشمالا ويزيله عن موضعه من بقعة إلى بقعة، وليس في الأسد فضل ولا وكد إلّا إخراج الجبّة من حلقه، وقد تشبّكت في فيه وغاصت أسنانه وأنيابه في القطن برطوبة زبده ولعابه وحصل أكثرها في حلقه، وكلّما أدخل الأسد يده إلى فيه ليجذبها لا تخرج معه إلّا قطعا قطعا، والرجل يجذبه بأذنيه فكانا كالرجلين يصطرعان ويتعاركان. فصاح أبو الجيش: زه والله زه [446 أ] والله! خلّوه معه فما يخاف بعد هذا عليه. ثمّ قال: يا غلام، رطل! - فجاءه برطل نبيذ فشربه. وكان معه محمد بن إسحاق بن كنداج وأحبّ أن يريه أنّ معه في رجاله من ينازع السباع هذه المنازلة، وأمر أن يؤتى برطل فأتي به فشربه.
فلمّا بقي السبع في يدي الرجل ساعته، قيل لأبي الجيش: أيّها الأمير، ما بقي على هذا الرجل حجّة، وقد وجب أن يعاون على قتل هذا الأسد.
فقال أبو الجيش لرفقائه: عاونوا صاحبكم فقد استحقّ ذلك.- فدخلوا إلى السبع فلم يزالوا يضربونه بأسيافهم حتى قطّعوه قطعا. وحزّ ذلك الرجل رأسه وأقبل به يحمله بأذنيه إلى أبي الجيش فرماه بين يديه، فضحك أبو الجيش وقال له: بارك الله فيك! يا غلام، بدرة! - فأتي ببدرة دراهم فدفعت إليه. فقال الرجل: تقطّعت جبّتي أيّها الأمير حتّى ما أرجع منها إلى شيء.- فضحك أبو الجيش وأمر له بثوب ديباج وعمامة خزّ وشقّتين ديبقيّ وثوب شرب، وقال: كم رزقك في الشهر؟
قال: عشرة دنانير.
فأمر أن تجعل ثلاثين دينارا، وزاد لكلّ واحد من رفقائه في رزقه عشرة دنانير. وانصرف أبو الجيش، وأهل القرية مبتهلون له بالدعاء، إلى أن انصرف إلى الرملة.
وكان أبو الجيش يجري الحلبة في أيّامه.
وكانت إذا أجريت في أيّام الطولونيّة قامت مقام الأعياد. وكان يجلس في المنظر يتأمّل الخيل كيف تقبل. فجلس يوما على عادته، فإذا بفرسين قد أقبلا [و] قد رمى أحدهما بفارسه، وقد قربا من باب المدينة. فنظر الفرس الذي رمى بفارسه سائسه الذي ربّاه وعني به، وهو راكب. فمرّ حتّىسايرهما قليلا قليلا، وترفّق حتى أنسا به وصار ثالثهما، وقد جعل الفرس بينه وبين الآخر، وهو يحرّك معهما. واستشرفه الناس ورموه بأبصارهم واشتغلوا به حتى إذا كان بينه وبين المنظر مقدار غلوة سهم، جمع رجليه فوق ظهر دابّته ووثب، فإذا هو على الفرس العربيّ الذي رمى بصاحبه.
وحثّه بالسوط وأحرقه وحرّكه، فدخل سابقا، ودخل صاحبه مصلّيا بعد أن كان يقدّر فيه أنّه هو السابق. فعجب الناس من حيلته، وأعجب ذلك أبا الجيش وسرّه وضحك وأمر له بجائزة غير السبق، وسأل عن رزقه فزاد فيه.