الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخارجين ببلاد الشام.
[انتشار قرامطة البحرين بالعراق]:
وأمّا قرامطة البحرين، فكان مبدأ أمرهم أنّ رجلا من أهل جنّابا (1) يعرف بأبي سعيد الجنّابيّ- واختلف في اسمه فقيل: الحسن بن بهرام، وأنّه من الفرس، وقيل: الحسين بن عليّ بن محمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأنّه كان يعمل الفراء ويسافر من البحرين إلى سواد الكوفة، فنكح امرأة من قوم كانوا يدينون بالقرمطة، وصحب عبدان- وقيل: بل صحب قرمط وأخذ عنه- وعاد إلى القطيف فدعا الناس، وكان أوّل من استجاب له بنو سنبر، وهم:
الحسين وعليّ وحمدان. وما زالت دعوته تنتشر وأمره يقوى حتى جمع وقاتل من خالفه بمن أطاعه وهدم مدينة هجر [346 أ] بعد محاربة أهلها عدّة أشهر، وبنى دار هجرة بمدينة الأحساء وقاتل جيوش المعتضد في سنة سبع وثمانين ومائتين وقتل أكثرهم، وأسر معظمهم. ولم يزل أمره يشتدّ حتى قتله غلامه في الحمّام بمدينة الأحساء في سنة اثنتين وثلاثمائة، وكانت مدّته نحو ستّ عشرة سنة.
وقام من بعده ابنه أبو طاهر سليمان فأكثر من الغزو، وسار إلى البصرة وأخذها في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وقتل منها خلقا كثيرا، ثمّ أوقع بالحاجّ في ذي الحجّة منها وأخذ لهم من المال ما لا يقدّر قدره. وأخذ الكوفة في ذي القعدة سنة اثنتي عشرة [وثلاثمائة]، وقتل منها وأسر كثيرا.
ثمّ سار يريد بغداد في سنة خمس عشرة ونزل
الكوفة في شوّال منها، وقاتل يوسف بن أبي الساج وأسره ودمّر عساكره، وسار [510 ب] إلى الأنبار، فهمّ أهل بغداد بالهرب، وكانت له هناك معارك مع جيوش العراق. وسار إلى الرحبة ووضع السيف في أهلها، ونهب الجزيرة وقاتل أهل الرقّة ورأس عين وسنجار، وفرض الأموال على الناس وعاد إلى الأحساء.
ثمّ قدم مكّة في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وردم زمزم بالقتلى، وانتهك حرمة الكعبة وأخذ كسوتها وأموالها وقلع الحجر الأسود من موضعه وعاد به إلى بلاده.
ثمّ سار إلى الكوفة في سنة تسع عشرة فأفسد وعاد.
ثمّ خرج في سنة ثلاث وعشرين [وثلاثمائة] إلى الكوفة ونادى بالأمان، وفرض على أهل خراسان وبغداد والشام ومصر الأموال العظيمة، وكانت تحمل إليه في كلّ سنة اتّقاء شرّه.
ثمّ سار أيضا إلى الكوفة سنة خمس وعشرين وعاد، فأهلكه الله بالجدري بعد ما تقطّع جسده، وذلك في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
فقام من بعده أخواه أبو القاسم سعيد وأبو العبّاس أحمد، واستقرّ الرأي والتدبير منوط [ا] بستّة نفر [
…
].
وردّوا الحجر الأسود مع سنبر بن الحسن بن سنبر في سنة تسع وثلاثين ووضع في مكانه يوم النحر، فكانت مدّة غيبته اثنتين وعشرين سنة تنقص أربعة أيّام.
[حلول الأعصم بالشام ومصر]:
وغلب الحسن بن أحمد على الشام في ذي الحجّة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وولّى على دمشق وشاحا السلميّ، ثمّ رجع إلى الأحساء في
(1) بالمدّ، خلافا لما جاء في الحاشية الأولى، فلعلّها من غير المقريزيّ.
صفر سنة ثمان وخمسين.
وفي سنة تسع وخمسين خطب لهم بمكّة، وساروا إلى دمشق في سنة ستّين وثلاثمائة، وقتلوا جعفر بن فلاح في ذي القعدة، وكبيرهم يومئذ الحسن بن أحمد صاحب الترجمة.
وكان سبب حركته هذه أنّ ظالم بن مرهوب العقيلي لمّا انهزم من جعفر بن فلاح عن بلاد حوران والبثنيّة لحق بالإحساء، وحثّ القرامطة على المسير إلى أخذ الشام، فصادف ذلك منهم الغرض: فإنّ المال الذي كان يحمل إليهم من مصر انقطع عند دخول القائد جوهر بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر، فبعثوا العرفاء لجميع العرب، وسار الحسن بن أحمد إلى الكوفة فوافاه من استجاب له من العربان، وأنفذ إلى بغداد يطلب المال، فجهّز إليه خزانة سلاح وأربعمائة ألف درهم أحيل بها على أبي تغلب فضل الله بن ناصر الدولة الحسين بن حمدان، وهو على الرحبة.
فسار الحسن إلى الرحبة وحمل إليه أبو تغلب العلوفة والمال المرسوم به، وتوجّه إلى دمشق، وقد صحبه كثير من عسكر أبي تغلب ومن انهزم من الإخشيديّة، فخرج إليه أبو الفضل [511 أ] جعفر بن فلاح وقاتله، فقتل جعفر.
ونزل الحسن يوم الخميس سادس ذي القعدة [سنة 360] على المزّة خارج دمشق، وجبى من المدينة مالا كثيرا، وسار إلى الرملة من دمشق يوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة وقد استخلف عليها ظالم بن مرهوب، واجتمع عليه عرب الشام وكثير من الأتباع والأجناد، ونازل يافا، وبها سعادة بن حيّان، وقاتله، ثمّ رحل عنها.
وترك على حصارها أبا المنجّى عبد الله بن علي بن منجّى القرمطي وظالم بن مرهوب العقيلي، ونزل خارج القاهرة بعين شمس لعشر بقين من صفر سنة إحدى وستّين، ومعه خمسة عشر ألف جمل وبغل تحمل صناديق الأموال وأواني الذهب والفضّة، سوى التي تحمل الخيم والمضارب والبنود وغير ذلك من الأثقال. وقد استعدّ جوهر القائد لحربه، فالتحم القتال يوم الجمعة أوّل ربيع الأوّل [سنة 361] على باب القاهرة، وغدوا يوم الأحد للقتال على باب الخندق، فكانت وقائع شديدة قتل فيها من الفريقين عدد كبير، وانهزم الحسن ونهب سواده ببركة الحاجّ، وأخذت صناديقه وكتبه. ومضى في الليل على طريق القلزم، ونهب بنو عقيل وبنو طيّى كثيرا من سواده، وهو مشغول بالقتال، فسار إلى الأحساء.
ثمّ عاد من الأحساء ونزل الرملة في سابع رمضان، وطرح مراكب في البحر وملأها بالمقاتلة، وأكثر من جمع العربان معه ليسير إلى القاهرة.
فقدم المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ من بلاد الغرب، ونزل بالقاهرة في رمضان سنة اثنتين وستّين، فكتب إلى الحسن بن أحمد كتابا عظيما، فكتب جوابه بعد البسملة: وصل إلينا كتابك الذي كثر تفصيله وقلّ تحصيله، ونحن سائرون إثره، والسلام.
فلمّا كان شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستّين كثر انتشار القرامطة في أعمال الشام، وكثر الإرجاف بهم في القاهرة ومصر، وبلغت مقدّمتهم أرياف مصر وأطراف المحلّة لعشر بقين من جمادى الآخرة، ووصلت منهم سريّة إلى أطراف الحوف أوّل يوم من رجب.
وبعث الحسن بن أحمد [القرمطيّ] عبد الله بن