الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مصر، وشفع فيه. فأطلقه. ومضى إلى مصر فولي صور بعد موت العزيز في أيّام الحاكم عند ما عصى أهل صور وأمّروا عليهم رجلا ملّاحا يعرف بالعلّاقة في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. فخرج إليها بتعيين برجوان في عسكر كثير وقد غلب عليها الروم مع العلّاقة. فاستنفر الناس من دمشق وأعمالها، وقاتل الروم والعلّاقة قتالا شديدا وأتته النجدات في المراكب البحريّة من مصر. فبادر الروم إلى مراكبهم وأقلعوا في البحر عن صور.
وأقبلت النجدات التي قدمت من مصر فاشتدّوا على صور ورموا من كان فوق الأسوار حتّى تفرّقوا، وملكوا البلد. فالتجأ العلّاقة إلى برج ثمّ نزل بأمان الحسين له. وملك صور في يوم السبت الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. وكان هذا أوّل فتح على يد الأستاذ برجوان، ولم يزل واليا على صور حتى مات بها في [
…
]، فقام مقامه ابنه أبو محمد الحسن (1).
ومن شعر أبي عبد الله الحسين، وكتب إلى أخيه وجيه الدولة ذي القرنين أبي المطاع (2)، وهو بديار بكر [البسيط]:
لو كنت أملك طرفي ما نظرت به
…
من بعد فرقتكم يوما إلى أحد
ولست أعتدّه من بعدكم نظرا
…
لأنّه نظر من ناظر رمد
فأجابه أبو المطاع:
قد كان في نزهة طرفي برؤيتكم
…
ينوب شاهدها عن ذلّ مفتقد
فالآن أشغله من بعد فقدكم
…
حفظا لعهدكم بالدمع والسّهد
1231 - سلطان الجيوش الحمدانيّ [- 465]
(3)
[487 أ] الحسين بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن الرشيد بن المثنّى بن رافع بن الحارث [بن عطيف] بن مجربة بن حارثة بن مالك بن جشم- أحد الأراقم- بن بكر بن خبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة الفرس بن نزار بن معدّ بن عدنان، الأمير ناصر الدولة، أبو عليّ، ابن الأمير ناصر الدولة أبي عبد الله، ابن أمير الأمراء أبي محمد ناصر الدولة، ابن الأمير أبي الهيجاء، التغلبيّ، الحمدانيّ، الملقّب سلطان الجيوش (4).
[
…
] ولمّا كانت سنة تسع وخمسين [وأربعمائة]، واشتدّت الفتنة بين العبيد والسودان والغلمان والأتراك، وتحيّز العبيد إلى شبرا دمنهور، وقويت الأتراك وطلبوا من المستنصر الزيادة في واجباتهم، وحضر العبيد إلى الجيزة، قدّم الأتراك عليهم ابن حمدان هذا وخرجوا لقتال العبيد فكسروهم. وعاد ابن حمدان بنفس قويّة وتحكّم حكما جائرا. وصار العبيد إلى الصعيد.
فاجتمع أكابر الأتراك عند المستنصر فشكوا من العبيد. فأمرت أمّ المستنصر جماعة من العبيد
(1) مرّت ترجمته برقم 1179.
(2)
أورد المسجّى طائفة من شعر أبي المطاع في كتابه أخبار مصر في سنتين، نشر ميلورد، القاهرة، 1960 ص 100.
(3)
الوافي 12/ 357 (340). وانظر الترجمتين 1179 و 1232، وأثبت المقريزيّ الرموز الدافعة للّبس:
ح س ي ن الخ.
(4)
في الوافي: لقّب نفسه بهذا اللقب.
والخدم فهجموا عليهم وقتلوهم. فبلغ ذلك ابن حمدان، ففرّ من داره إلى ظاهر البلد، واجتمع إليه الأتراك واقتتلوا مع العبيد المقيمين بالقاهرة ومصر مدّة أيّام. وحلف ابن حمدان أنّه لا ينزل عن فرسه إلّا بانفصال الأمر، إمّا له وإمّا عليه. وثبت، فانهزم العبيد بعد ما قتل معظمهم. فاشتدّ بأسه، وكلّف المستنصر مالا عظيما، وأنفق على من معه ألف ألف دينار عينا. وخرج في شهر رمضان من هذه السنة إلى محاربة العبيد ببلاد الصعيد، فواقعهم، وقووا عليه. فانهزم منهم وصار إلى الجيزة، وتلاحق به أصحابه.
فشغب على الخليفة المستنصر (1) واتّهمه بالنفقة على العبيد في السرّ، فحلف على ذلك، وشرع ابن حمدان يستدعي الأموال من المستنصر فبعث إليه بشيء عظيم أنفق منه في أصحابه، بدل ما تلف لهم في الوقعة ونهبه لهم السودان، مبلغ ألف ألف دينار أخرى. فسار وأوقع بالعبيد وقعة عظيمة [487 ب] أبادهم فيها ولم ينج منهم إلّا اليسير، فزالت دولتهم.
وعاد ابن حمدان في سنة ستّين وقد عظم أمره وتفرّد بالأمر دون الأتراك. فلم يحتملوه وصاروا إلى الوزير الخطير (2) [
…
] وقالوا له: كلّما خرج مال من الخليفة يأخذ ابن حمدان أكثره يفرّقه في حاشيته ولا يصل لنا منه شيء، إلّا القليل.
فقال: إنّما وصل إلى هذا وغيره بكم. ولو فارقتموه لم يتمّ له أمر.
فاتّفقوا على محاربته وإخراجه من مصر،
وتحدّثوا مع الخليفة في ذلك. فبعث إليه يأمره بالخروج عن مصر ويهدّده إن لم يخرج. فخرج من داره إلى الجيزة. ونهبت دوره ودور حاشيته وأصحابه في صفر سنة إحدى وستّين. فلمّا كان في الليل عاد من الجيزة سرّا إلى بيت القائد تاج الملوك شادي، وقبّل رجله وقال: اصطنعني وانصرني على الدكز وعلى الوزير الخطير.
فقال: كيف لي بذلك؟
قال: أن تركب في سائر أصحابك وتسير بين القصرين، فإذا أمكنتك فرصة فانتهزها واقتلهما.
فأجابه. وعاد ابن حمدان [384 أ] إلى الجيزة.
فلمّا أصبح شادي شرع فيما تقرّر، ففطن به الدكز، فالتجأ إلى القصر واستجار بالمستنصر. وأقبل الوزير في موكبه ولم يشعر [فقتله تاج الملوك](3).
فبعث شادي إلى ابن حمدان أن يحضر فعدّى من الجيزة. وحسّن الدكز للمستنصر أن يركب، فلبس سلاحه، واجتمع إليه عالم كثير من العامّة والأجناد والأتراك. وقاتل ابن حمدان فانهزم بعد ما قتل كثير من أصحابه، وسار إلى البحيرة في نفر قليل. فنزل على بني سنبس وأقام عندهم وتزوّج منهم وأخذ في إبطال الخطبة للمستنصر وتغيير الدولة الفاطميّة.
وسيّر الفقيه أبا جعفر محمد بن أحمد البخاري قاضي حلب إلى السلطان ألب أرسلان [ملك العراق] يسأله أن يجهّز إليه عسكرا ليقيم الدعوة العبّاسيّة بمصر. فتجهّز ألب أرسلان وبعث إلى محمود بن نصر (4) بن صالح بن مرداس، فقطع
(1) اتّعاظ 2/ 276 ثم 278.
(2)
خطير الملك هو ابن اليازوري المقتول سنة 450 (ترجمة رقم 1188) وابنه خطير الملك اسمه محمّد بن الحسن، وتولّى الوزارة في صفر 461 (اتّعاظ، 2/ 300، وابن ميسّر، 19).
(3)
اتّعاظ 2/ 279، وخطط، 2/ 139 وابن ميسّر، 19.
ومن هذه المصادر أخذنا قتل الوزير الخطير، ولا يخلو الأمر من ريبة إذ أنّ المقريزي لم يذكر قتل ابن اليازوري في ترجمته رقم 2069.
(4)
في الاتّعاظ 2/ 302 (سنة 402): محمود بن ثمال.
خطبة المستنصر من حلب في شوّال سنة اثنتين وستّين ودعا للخليفة القائم بأمر الله العبّاسيّ وللسلطان ألب أرسلان.
وسار ألب أرسلان إلى الشام وقطع الفرات في ربيع الآخر سنة ثلاث وستّين، ونزل على حلب.
ثمّ عاد لما دهمه من خبر ملك الروم، وترك عدّة من الترك ملكوا بلاد الشام، فخرجت [488 أ] عن أيدي المصريّين من حينئذ.
وندب المستنصر عسكرا لقتال ابن حمدان عند ما بلغه مكاتبة أهل العراق. فتقدّم أحد مقدّمي العسكر، وكانوا ثلاث فرق، وواقع ابن حمدان، فقتل من أصحابه عدّة وأسر. وقدم العسكر الثاني ولم يعلم بما جرى على الأوّل، فمرّ عليه مثل ما جرى على من تقدّمه، وقدم الثالث فصار إلى ما صار إليه العسكران من القتل والأسر. وقوي ابن حمدان بما غنمه من هذه العساكر، ومنع الميرة عن القاهرة ونهب أكثر الوجه البحريّ (1) وأبطل الخطبة للمستنصر من الإسكندريّة ودمياط وسائر الوجه البحريّ، وخطب للخليفة القائم بأمر الله العبّاسيّ.
فاشتدّ الأمر وعظم الخطب بالقاهرة ومصر لكثرة الجوع والموت في الناس، وألجأت ضرورة الحال الأتراك إلى مصالحة ابن حمدان لعظم ما حلّ بالناس من البلاء والشدّة. وتقرّر الحال على أنّه يقيم بمكانه من البحيرة ويحمل إليه مال مقرّر، ويكون تاج الملوك شادي نائبا عنه. فرضي بذلك، وسيّر الغلال إلى القاهرة فتنفّس خناق الناس قليلا.
ثمّ انتقض ما تقرّر بعد أشهر، واختلف الأتراك على ابن حمدان ومنعوه المال. فسار من البحيرة
في عساكر كثيرة ونزل على الجيزة، واستدعى تاج الملوك. فخرج إليه ومعه عدّة من المقدّمين فقبض عليهم وعدّى حتّى وافى مدينة مصر في ذي القعدة سنة ثلاث وستّين [وأربعمائة] ونهبها أصحابه وحرقوا دور الساحل. فبعث إليه المستنصر عسكرا كبيرا حاربوه وهزموه، فعاد إلى البحيرة.
وسار في سنة أربع وستّين إلى مصر وقد اضمحلّ أمر المستنصر وبطل ذكره وعظمت الشدّة في الناس. فقدم في شعبان وحكم في مصر وبعث يستدعي المال من المستنصر، فوجده الرسول على حصير، وقد زالت أبّهة الملك. فرقّ له وقرّر باسمه راتبا في كلّ شهر مائة دينار وبالغ في إهانته مبالغة عظيمة وقبض على أمّه وعاقبها وأخذ أموالها. وفرّق أهل الدولة عن المستنصر واجتهد في إقامة الدعوة العبّاسيّة بالقاهرة ومصر، فلم يتمكّن من ذلك لكثرة أتباع المستنصر. وفطن له الدكز ويلدكوش، وهما من أكبر الأمراء، واجتمعوا بالأتراك وخوّفوهم عاقبة استبداد ابن حمدان وقطعه الدعوة العلويّة. فانقادوا إليهما وتواعدوا على قتله. وكان الدكز قد زوّج ابنته من ابن حمدان هذا وتحالفا وأمن كلّ منهما إلى الآخر. فركب ابن حمدان يوما ليرتّب العساكر، فركب الدكز في خمسين فارسا، ورتّب مع غلامه حسام الدولة كمشتكين قتل ابن حمدان، وذكّره بما هو عليه من سفك الدماء، وما وقع بسببه من الغلاء والجلاء، فاتّفقا على إراحة المسلمين منه.
ثمّ [384 ب] قصداه وهو يتمشّى في داره، فمشى معه الدكز، ثمّ تأخّر عنه وضربه في خاصرته، وضربه كمشتكين فقطع رجليه، فصاح:
فعلتموها! - ثمّ حزّوا رأسه، وذلك في ليلة [
…
] من رجب سنة خمس وستّين وأربعمائة.
(1) اتّعاظ 2/ 303.