الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالت: زدني!
قال: لك ثلاثمائة.
فقال بعض جلسائه: إنّها غنم!
قالت: الأمير أكرم من أن يعطي غنما!
فاستحيى الحجّاج، وقال:«اجعلوها إبلا» ، وما كان أراد إلّا غنما.
وممّا مدحه به الفرزدق [البسيط](1):
إنّ ابن يوسف محمود خلائقه
…
سيّان معروفه في الناس والمطر
هو الشهاب الذي يرمى العدوّ به
…
والمشرفيّ الذي تمضي به مضر (2)
لا يرهب الموت إنّ النفس باسلة
…
والرأي مجتمع والجود منتشر
أحيا العراق وقد ثلّت دعائمه
…
عمياء صمّاء لا تبقي ولا تذر
ونازع أبان [الحارث] فحجّ بالناس، فقال الحارث [الطويل]:
[ف] إن تنج منها يا أبان مسلّما
…
فقد أفلت الحجّاج خيل شبيب
فقال الحجّاج: وا عجبا للحارث! يغلبه أبان ويهجوني!
[تحويله الدواوين إلى العربيّة]
وفي أيّام الحجّاج قلب الديوان من الفارسيّة إلى العربيّة، وذلك أنّ صالح بن عبد الرحمن كان منقطعا إلى زادان فروخ كاتب الحجّاج، وهو كان سببه إلى الحجّاج، فخفّ صالح للحجّاج حتّى كاد
زادان، فشقّ عليه ذلك. فقال صالح لزادان: إنّك سببي إلى هذا الرجل، وإنّي أراني قد خففت لديه خفّة لست آمن أن يقدّمني عليك وأن تسقط.
قال: لا تخف! ذاك عليّ، وهو أحوج إليّ منّي إليه.
قال: كيف ذلك؟
قال: لا يجد من يكفيه حسابه غيري.
قال: لو شئت حوّلت الحساب بالعربيّة.
قال: حوّل منه سطرا حتى أرى.
فكتب منه أسطرا، فلمّا رأى ذلك زادان قال لصالح:«تمارض! » فتمارض، فسأل الحجّاج عنه، فقيل: شاك.
فأرسل إليه طبيبه فلم ير علّة، فأرسل [صالح] إلى زادان يخبره فقال له: اظهر وائته!
وانصرف [زادان] إلى أصحابه، وقال: اطلبوا صنعة غير هذه.
وأجّل الحجّاج صالحا أجلا حتّى قلب الديوان.
ولمّا مات الحجّاج خطب عبد الملك بن الحجّاج، وكان قد استخلفه أبوه على الصلاة، فقال:«أنعى إليكم أسد الأسود وفارس الفرسان» ، ثمّ دفنه وأجرى الماء على قبره لئلّا يعرف مكانه.
ورثاه الفرزدق، وقال الهيثم بن عديّ: قدمت وفود العرب على سليمان بن عبد الملك بعد ما استخلف، فأمرهم أن يشتموا الحجّاج فقاموا يشتمونه، فقال بعضهم: إنّ عدوّ الله كان عبدا دبّابا قنوّر ابن قنوّر، لا نسب له في العرب (3).
(1) ديوان الفرزدق نشر الصاوي 435.
(2)
حاشية في الهامش: أي يجعلون سيوفه تمضي. ولكنّ الديوان- وكذلك المخطوط- أثبت تعصى، وقال شارح الديوان: تتّخذه كالعصا تعتمد عليه.
(3)
القنوّر: السيّئ الخلق الشّرس، وكذلك: الدعيّ في نسبه. وفي اللسان (دبب): رجل دبوب وديبوب: نمّام.
ولعلّ «دبّاب» منها.
[فقال سليمان: ] أيّ شتم هذا؟ إنّ عدوّ الله الحجّاج كتب لي: «إنّما أنت نقطة، فإن رأيت فيّ ما رأى أبوك وأخوك [333 ب] كنت لك كما كنت لهما (1). وإلّا فأنا الحجّاج وأنت نقطة، فإن شئت محوتك، وإن شئت أثبّتك! » ، فالعنوه لعنه الله!
فأقبل الناس يلعنون [هـ]، فقام بلال ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعريّ فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرك عن عدوّ الله بعلم.
قال: هات.
قال: كان عدوّ الله يتزيّن تزيّن المومسة ويصعد المنبر فيتكلّم بكلام الأخيار، وإذا نزل عمل أعمال الفراعنة، و [كان] أكذب في حديثه من الدجّال.
فقال سليمان لرجاء بن حيوة: هذا وأبيك الشتم! لا ما تأتي به هذه السّفلة.
وعن عوانة قال: قطع ناس من عمرو بن تميم وحنظلة على الحجّاج، فكتب إليهم: أمّا بعد، فإنّكم قد استحضتم (2) الفتنة- وفي رواية: قد استنتجتم الفتنة- فلا عن حقّ تقاتلون ولا عن منكر تنتهون. وايم الله! إني لأهمّ أن يكون أوّل ما يرد عليكم من قبلي خيل تنسف الطارف والتالد (3)، وتخلّي النساء أيامى، والأبناء يتامى. فأيّما رفقة مرّت بماء، فأهل ذلك الماء ضامنون لها حتى تصير إلى الماء الذي تليه، تقدمة منّي إليكم، والسعيد من وعظ بغيره!
وكان الحجّاج يقول: أخطب الناس صاحب العمامة السوداء بين أخصاص البصرة، إذا شاء خطب، وإذا شاء سكت- يعني الحسن بن أبي
[الحسن يسار] البصريّ (4).
وقال يوما لعبد الملك بن مروان: لو كان رجل من ذهب لكنته.
قال: وكيف ذاك؟
قال: لم تلدني أمة بيني وبين آدم إلّا هاجر.
فقال: لولا هاجر لكنت كلبا من الكلاب!
وكان الحجّاج يستعمل زياد بن عمرو العتكيّ، فلمّا أتى عبد الملك في الوفد، والحجّاج حاضر، قال زياد:«يا أمير المؤمنين، إنّ الحجّاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم» ، فلم يكن بعد ذلك أخفّ عليه منه (5).
وكتب الحجّاج إلى عامل له بفارس: ابعث إليّ من عمل خلّار، من النحل الأبكار، من شرح الدفتسشار، الذي لم تمسّه النار.
وشكا الحجّاج لجامع المحاربي (6) سوء طاعة أهل العراق، فقال: أما إنّهم لو أحبّوك لأطاعوك، على أنّهم ما شنئوك لنسبك، ولا لبلدك، ولا لذات نفسك. فدع ما يبعدهم منك إلى ما يقرّبهم إليك. والتمس العافية ممّن دونك تعطها ممّن فوقك. وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك!
فقال الحجّاج: إنّي والله ما أرى أن أردّ بني اللكيعة إلى طاعتي إلّا بالسيف!
فقال: أيّها الأمير، إنّ السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار.
(1) أبوه عبد الملك بن مروان وأخوه الوليد بن عبد الملك.
وقد تولّى سليمان بعد الوليد سنة 96.
(2)
في العقد 1/ 51: استخفّتكم.
(3)
في المخطوط: والتالف.
(4)
الحسن البصري: انظر ترجمته في الوفيات 2/ 69 (156).
(5)
العقد 2/ 137.
(6)
العقد 2/ 179 و 4/ 114، وقال: وكان جامع شيخا صالحا لبيبا خطيبا جريئا على السلطان.