الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الملك سفيان بن الأبرد. فإذا أخرج عمرو بن زهير ابن الأبرد، أخرج إليه عبد الملك حسّان بن [مالك بن] بجدل. كان ذلك دأبهم أيّاما حتّى اصطلح عبد الملك وعمرو.
ومات [
…
].
ومن شعره- وقيل: بل لرجل من كلب-[الطويل]:
[ف] إن لا يكن منّا الخليفة نفسه
…
فما نالها إلّا ونحن شهود
وقال آخر [الطويل]:
نزلنا لكم عن منبر [لو] علمتم
…
بحسّان إذ لا تستطيعون منبرا
1141 - حسّان بن النعمان الغسّاني صاحب فتوح المغرب [- 80]
(1)
[532 أ] حدّث عنه أبو قبيل، وكان ممّن شهد فتح مصر، وله رواية عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
فلمّا قتل عقبة بن نافع ملك كسيلة القيروان إلى أن كانت خلافة عبد الملك بن مروان، [ف] كتب عبد الملك بن مروان إلى حسّان بالنهوض إلى إفريقيّة ويقول له: إنّي قد أطلقت يدك في أموال مصر، فأعط من ورد عليك من الناس، واخرج إلى جهاد إفريقيّة.
فخرج في سنة ثلاث وسبعين، ومعه جيش كبير، حتى نزل طرابلس. واجتمع إليه من كان خرج من إفريقيّة وإطرابلس، فوجّه على مقدّمته
محمد بن أبي بكير، وهلال بن ثروان اللواتي، وزهير بن قيس [البلويّ]، ففتح البلاد وأصاب غنائم كثيرة.
وخرج إلى قرطاجنّة وفيها الروم، فقاتلهم، وهربوا في البحر إلى جزيرة صقلّيّة وغيرها، فدخلها بالسيف، ورجع إلى القيروان. وقال:
دلّوني على أعظم ملك بإفريقيّة، ومن إذا قتل ارتابت لقتله البربر والروم، فقالوا: لم يبق بإفريقيّة أعظم من امرأة يقال لها الكاهنة، وهي بجبل أوراس.
فسار حتى نزل على نهر [نيني](2)، ونزلت الكاهنة فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمته وقتلت من أصحابه وأسرت [532 ب] منهم ثمانين رجلا.
وأفلت حسّان إلى أنطابلس، ونزل قصورا من حيّز برقة عرفت بعد ذلك ب «قصور حسّان» ، واستخلف على إفريقيّة أبا صالح (3). وكتب إلى عبد الملك بما جرى له، فكتب إليه عبد الملك أن يقيم بحيث وافاه الكتاب. فلقيه الكتاب بعمل برقة فبقي فيه خمس سنين. وكانت برقة ولوبية ومراقية إلى حدّ أجدابية من عمل حسّان.
وأحسنت الكاهنة إسار من أسرته من أصحاب حسّان، وأرسلتهم إلّا رجلا من بني عبس يقال له خالد بن يزيد، فإنّها تبنّته، وأقام معها.
ووافت حسّان فرسان العرب، فبعث إلى [343 ب] خالد رجلا وأعطاه كتابا، فلمّا أتى خالدا وقف بين يديه في زيّ سائل فعلم أنّه رسول فقال له:
(1) الوافي 11/ 360 (521)، تهذيب ابن عساكر 4/ 164، ابن عذارى 1/ 222، النجوم 1/ 200، الحلّة السيراء 2/ 331، الأعلام 2/ 190، تاريخ الرقيق 55، رياض النفوس 1/ 51.
(2)
أو وادي مسكيانة كما في البيان المغرب 1/ 36، وفي الكامل 4/ 31، وعند السلاوي صاحب الاستقصاء 1/ 93 وادي مليانة، وفي المخطوط: على النهر، لا غير. وانظر تعليق المنجي الكعبي ناشر الرقيق 56 هـ 2.
(3)
أبو صالح مولى حسّان، وهو الذي ينسب إليه فحص أبي صالح.
«رزقك الله، تعود إليّ» ، فلمّا خلا أخذ الكتاب منه فقرأه وكتب على ظهره: إن البربر متفرّقون لا نظام لهم ولا رأي، وإنّما أتينا من أمر أراد الله أن يكرم به من مضى منّا بدرجة الشهادة. فاطو المراحل وجدّ في السير، فإنّ الأمر لله وليس يسلمك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله».
وجعل الكتاب في خبز ملّة وجعلها في زاد الرجل. ومضى، فلم يغب عنه إلّا قليلا حتى خرجت الكاهنة [533 أ] ناشرة شعرها وهي تقول:
«ويلكم يا بنيّ! ذهب ملككم! وهلاككم فيما يأكله الناس! » ، وكرّرت ذلك، فافترقوا يمينا وشمالا يطلبون الرجل فستره الله حتّى قدم على حسّان بالكتاب. ثمّ كتب أيضا كتابا آخر وجعله في قربوس نقر له فيه وأطبق عليه. فلمّا مضى الرسول خرجت الكاهنة ناشرة شعرها تضرب صدرها، وهي تقول:«يا بنيّ، ذهب ملككم في شيء من نبات الأرض، وأراه بين فرجين! » (1)، وكرّرت ذلك. فمضى الرسول إلى حسّان فندب أصحابه وخرج إلى غزوها، فخرجت ناشرة شعرها وقالت: انظروا ماذا ترون في السماء؟
قالوا: نرى شيئا من سحاب أحمر.
قالت: لا وإلهي، ولكنّه رهج (2) خيل العرب!
ثمّ جمعت ولديها وقالت: إنّي مقتولة وأرى رأسي تركض به براذين مقطوعة أذنابها إلى المشرق، ويوضع بين يدي ملك العرب الأعظم الذي بعث هذا الرجل.
وقالت لخالد: لهذا اليوم أردتك يا خالد. أمّا أنت فسوف تدرك ملكا عظيما عند الملك الأعظم،
وإنّي أوصيك بأخويك هذين خيرا.
فقال لها: إنّي أخاف إن كان ما تقولين حقّا، [أن] لا يستبقيا.
قالت: بلى، ويكون أحدهما عند العرب أعظم شأنا منه اليوم.
قال: فإذا كان هكذا، فارحلي بنا وخلّي له البلاد!
فقالت: أأفرّ وأنا ملكة؟ والملوك لا تفرّ من الموت، فأورث قومي عارا إلى آخر الدهر!
ثمّ قالت: اركبوا واستأمنوا إليه.
فركب خالد ولقي حسّان وأخبره خبرها وأخذ لابنيها أمانا وقدما عليه، فوكّل بهما من يحفظهما، وقدّم خالدا على أعنّة الخيل.
وخرجت الكاهنة ناشرة شعرها ثمّ قالت:
انظروا ما دهمكم، واعملوا لأنفسكم فإنّي مقتولة.
والتحم القتال وانهزمت جيوشها، واتّبعها حسّان حتى قتلها على بئر عرفت بعد ذلك ببئر الكاهنة.
وكان مع حسّان جماعة من البربر من البتر، فولّى عليهم أكبر أولاد الكاهنة وقرّبه. وأسلم كثير من البربر. وعقد لابنها الآخر بعد ما أسلم هو وأخوه. وانصرف إلى القيروان وبنى مسجد جماعتها (3)، ودوّن الدواوين، ووضع الخراج على عجم إفريقيّة وعلى من أقام معهم على النصرانيّة من البربر، واستقامت له الأمور. ثمّ توجّه إلى [533 ب] عبد الملك بن مروان بغنائمه في جمادى الآخرة في سنة ستّ وسبعين- وقيل:
سنة ثمان وسبعين. فلمّا مرّ على برقة جعل على خراجها إبراهيم ابن النصرانيّ. ثمّ مضى فمرّ بعبد العزيز بن مروان وهو بمصر. ثمّ نفذ إلى عبد الملك بن مروان فسرّ عبد الملك بما أورده عليه من فتوحه وغنائمه. ويقال: بل أخذ منه
(1) بين خشبتين في رياض النفوس 1/ 51، وفي معالم الإيمان 1/ 58.
(2)
الرّهج: الغبار.
(3)
في المعالم 1/ 61: وأمر بتجديده.