الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العراق من قد خبرت: قد أفسدوا على أبيك وأخيك.
فاتّق الله واذكر الميثاق، فإنّه متى تكدني أكدك.
فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عنّي جدير، والحسنات لا يهدي لها إلّا الله. وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا.
وما أظنّ [لي] عند الله عذرا في ترك جهادك. وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر [هذه] الأمّة.
فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلّا أسدا.
وكتب معاوية إليه أيضا: إنّي لأظنّ أنّ في رأسك نزوة، فوددت أنّي أدركها فأغفر لك.
ولمّا احتضر معاوية دعا ابنه يزيد فأوصاه وقال له: انظر حسين بن عليّ، ابن فاطمة بنت رسول الله، فإنّه أحبّ الناس إلى الناس. فصل رحمه وارفق به يصلح لك أمره. فإن يك منه شيء فإنّي أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.
وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين، وبايع الناس ليزيد بن معاوية. فكتب [يزيد] مع عبد الله بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة أن ادع الناس فبايعهم فابدأ بوجوه قريش، وليكن أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ.
فإنّ أمير المؤمنين رحمه الله عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه.
فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية ودعاهما إلى البيعة ليزيد. فقالا: نصبح وننظر ما يصنع الناس.
ووثب الحسين فخرج، وخرج معه ابن الزبير وهو يقول: هو يزيد الذي نعرف. والله ما حدث له حزم ولا مروءة.
وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها عن رأسه، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلّا أسدا! .
فقال له مروان: اقتله!
قال: إنّ ذاك لدم مضنون في بني عبد مناف.
[تحذير الصحابة له والتابعين من الشّقاق]
وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكّة. فأخبر عبد الله بن عمر بن الخطّاب أنّ الحسين قد توجّه إلى العراق. فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟
قال: العراق.
فقال: لا تأتهم!
فقال: هذه كتبهم وبيعتهم.
فقال: إنّ الله عز وجل خيّر نبيّه بين الدنيا وبين الآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا. وإنّك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها الله عنكم إلّا للّذي هو خير لكم، فارجعوا! .
فأبى وقال: هذه كتبهم وبيعتهم.
فاعتنقه ابن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل.
وسار [ا] إلى مكّة، فقدماها، فنزل الحسين دار العبّاس بن عبد المطّلب ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المغافر (1) وجعل يحرّض الناس على بني أميّة، ويشير على الحسين أن يقدم العراق. وكان عبد الله بن عبّاس ينهاه عن ذلك، وكذلك عبد الله بن مطيع، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو واقد الليثيّ، وجابر بن
(1) في المخطوط: المغافري. والمغافر كالخوذ لحماية الرأس عند الحرب.
عبد الله. وكره سعيد بن المسيّب خروجه، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والمسوّر بن مخرمة. وكتب إليه [المسوّر]: إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق! .
وكذلك كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تنهاه عن العراق وتقول: أشهد، لحدّثتني عائشة أنّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقتل حسين بأرض بابل.
فلمّا قرأ كتابها قال: لا بدّ لي إذن من مصرعي! - ومضى.
وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: لقد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك. وأنت تريد أن تسير إليهم، وهم عبيد الدنيا. فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره. فاذكر الله في نفسك! .
فقال: جزاك الله يا ابن عمّ خيرا، فقد اجتهدت رأيك. ومهما يقض الله من أمر يكن.
فقال أبو بكر: إنّا لله! عند الله نحتسب أبا عبد الله! .
وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتابا يحذّره أهل الكوفة ويناشده الله أن [لا] يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمخبر بها أحدا حتّى ألاقي عملي.
وكتب [399 أ] إليه عمرو بن سعيد بن العاص:
إنّي أسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عمّا يرديك. بلغني أنّك اعتزمت على الشخوص إلى العراق. فإنّي أعيذك بالله من الشقاق، فإن كنت خائفا، فأقبل إليّ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة.
فكتب إليه الحسين: إن كنت أردت بكتابك إليّ برّي وصلتي، فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة. وإنّه لم يشاقق مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت: 33)، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.
وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عبّاس يخبره بخروج حسين إلى مكّة، [ويقول]: وأحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة.
وعندك منهم خبرة وتجربة. فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة. وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي إلى العراق- وكتب بهذه الأبيات إليه وإلى من بمكّة والمدينة من قريش [البسيط] (1):
يا أيّها الراكب الغادي لطيّته
…
على عذافرة في سيرها قحم
أبلغ قريشا على نأي المزار بها
…
بيني وبين حسين الله والرّحم
وموقف بفناء البيت أنشده
…
عهد الإله وما توفي به الذمم
عنيتم قومكم فخرا بأمّكم
…
أمّ لعمري عفّة كرم
5 هي التي لا يداني فضلها أحد
…
بنت الرسول، وخير الناس قد علموا
وفضلها لكم فضل، وغيركم
…
من قومكم لهم في فضلها قسم
إنّي لأعلم أو ظنّا كعالمه
…
والظنّ يصدق أحيانا فينتظم
أن سوف يترككم ما تدّعون بها
…
قتلى، تهاداكم العقبان والرّخم
يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت
…
ومسّكوا بحبال السّلم واعتصموا
(1) الأبيات 11 في تاريخ الطبري ج 8 ص 202.