الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومات بدمشق في صفر سنة ثمان وعشرين وستّمائة. وله أوقاف بمدينة مصر وغيرها على زاوية بجامع عمرو بن العاص فيها مدرّس وعدّة طلبة من فقهاء الشافعيّة، وتعرف هذه الزاوية بالمجديّة.
1116 - حاطب بن أبي بلتعة [- 30]
(1)
[417 أ] حاطب بن أبي بلتعة- واسم أبي بلتعة:
عمرو- وقيل: حاطب بن راشد بن معاذ، اللخميّ، حليف قريش. وقيل إنّه من مذحج.
وقيل: هو حليف للزبير بن العوّام. وقيل: بل كان عبدا لعبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ، وكاتبه، فأدّى كتابته يوم الفتح، وهو من أهل اليمن. والأكثر أنّه حليف لبني أسد بن عبد العزّى بن قصيّ- يكنّى أبا عبد الله- وقيل: أبا محمّد- أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شهد بدرا والحديبيّة.
وقدم مصر مرّتين في الرسالة إلى المقوقس.
وشهد فتح مصر. ومات سنة ثلاثين بالمدينة، وهو ابن خمس وستّين سنة. وصلّى عليه أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه.
وقد شهد الله تعالى لحاطب بالإيمان في قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: 1]. وذلك أنّ حاطبا كتب إلى أهل مكّة قبل حركة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يخبرهم ببعض ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو إليهم، وبعث كتابه مع امرأة، فنزل جبريل عليه السلام على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في طلب المرأة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فأخذ معه المقداد بن الأسود، والزبير بن العوّام رضي الله عنه، فأدركا المرأة بروضة خاخ فأخذا الكتاب. ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا على الكتاب فاعتذر، وقال:
ما فعلته رغبة عن ديني (2) - فنزلت فيه آيات من صدر سورة الممتحنة. وأراد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّه قد شهد بدرا.
وروى الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، أنّ عبدا لحاطب جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يشتكي حاطبا، فقال: يا رسول الله، ليدخلنّ حاطب النار!
فقال عليه السلام: كذبت! لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبيّة.
وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: جاء غلام لحاطب بن أبي بلتعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا يدخل حاطب الجنّة- وكان شديدا على الرقيق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبيّة.
وفي موطأ مالك رحمه الله أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، قال لحاطب حين انتحر رقيقه ناقة لرجل من مزينة: أراك تجمعهم- وأضعف عليهالقيمة على جهة الأدب والردع له.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة في سنة ستّ من [417 ب] الهجرة إلى المقوقس
(1) مختصر ابن منظور 11/ 304؛ الإصابة 1/ 300 (1538)؛ أسد الغابة 1/ 431 (1011)؛ الوافي 11/ 272 (402)؛ المعارف 318؛ الأعلام 2/ 163.
(2)
في التاج (عرر) أنّ حاطبا اعتذر بغربته في أهل مكّة:
كنت عريرا فيهم فأحببت أن أتقرّب إليهم. وفي تفسير التحرير والتنوير 28/ 130 بحث في وجهة الرسول صلى الله عليه وسلم خيبر أم مكّة؟
صاحب مصر والإسكندريّة (1). فمضى حاطب بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا انتهى إلى الإسكندريّة وجد المقوقس في مجلس مشرف على البحر، فركب البحر، فلمّا حاذى مجلسه أشار بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعه. فلمّا رآه أمر بالكتاب فقبض وأمر به، فأوصل إليه، فلمّا رآه أجلسه وتناول منه الكتاب، وأنزله في منزله.
(قال): فأقمت عنده ليالي، ثمّ بعث إليّ وقد جمع بطارقته فقال: إنّي [318 أ] سأكلّمك بكلام أحبّ أن تفهمه منّي.
(قال): قلت: هلمّ!
قال: أخبرني عن صاحبك: أليس هو نبيّا؟
(قال): قلت: بلى، هو رسول الله.
قال: فما له، حيث كان هكذا، لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها؟
فقلت له: فعيسى ابن مريم، أتشهد أنّه رسول الله؟ فما باله حيث أخذه قومه وأرادوا صلبه ألّا يكون دعا (2) عليهم بأن يهلكهم الله، حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا؟
فقال: أحسنت! أنت حكيم جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمّد، وأرسل معك من يبلّغك إلى مأمنك.
وفي رواية أنّ المقوقس قال لحاطب: ما منعه، إن كان نبيّا، أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟
فقال له حاطب: ما منع عيسى ابن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به ويفعل؟
فوجم ساعة ثمّ استعادها فأعادها عليه حاطب،
فسكت. فقال له حاطب: إنّه قد كان قبلك رجل زعم أنّه الربّ الأعلى فانتقم الله به ثمّ انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك. وإنّ لك دينا لن تدعه إلّا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي الله به فقد ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلّا كبشارة عيسى بمحمّد. وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن إلّا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل. ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنّا نأمرك به.
[ثمّ] إنّ المقوقس أعاد حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهّز معه هديّة ورسولا يقال له ابن جبر، فيقال: إنّ حاطب بن أبي بلتعة لمّا قدم المدينة ودخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم أنشده أبياتا- ويشبه أن تكون مصنوعة (3) - وهي [الكامل]:
انعم صباحا يا وسيلة أمّة
…
ترجو النجاة به غداة الموقف
إنّي مضيت إلى الذي أرسلتني
…
أطوي المهامه في الطريق الأخوف
حتى رأيت بمصر صاحب ملكها
…
فبدا إليّ بمثل قول منصف
فقرا كتابك حين فكّ ختامه
…
فاهتزّ يرعد كاهتزاز المرجف
5 قال الأساقفة الذين تجمّعوا
…
ماذا أراعك من كتاب المسرف؟
قال: اسكتوا يا ويلكم وتأدّبوا
…
هذا كتاب نبيّ دين المصحف
قالوا: وهمت! فقال: لست بواهم
…
بل قد عرفت بيان حقّ الأحرف
في كلّ سطر من كتاب محمّد
…
خطّ يلوح لناظر متوقّف
هذا الكتاب كتابه لك خاضعا
…
يا خير مولود بحقّك يكتفي
(1) خبر هذه الرسالة مقتضب عند ابن هشام مفصّل في سيرة دحلان 2/ 173.
(2)
في أسد الغابة 1/ 433: فما باله لم يدع عليهم؟
(3)
هي في نظره مصنوعة ولكنّه ينقلها.