الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: الحسن بن عليّ بن عبد الرحمن اليازوريّ.
فقال: أيّها الوزير، اعلم أنّي لم أصرف اليازوريّ عن خدمتنا ولنا في إعادته رغبة. فطب نفسا ودع ذكره، فأنت آمن ممّا تخافه من جهته.
فقال: والله إنّ هذا لعجب فيمن حسن متابك، يا أمير المؤمنين، عنه، مع قبيح فعله وما همّ به من قتلك، حتّى إنّ السقية (1) أقامت تدور في قصرك أسبوعا كاملا.
[فقال: أيّها الوزير، أقامت السقيّة تدور عليّ في قصري أسبوعا كاملا؟ ](2).
قال: نعم.
فأطرق متعجّبا وبقي متفكّرا وأمسك. فظنّ البابليّ بإمساك الخليفة أنّه راض بما يفعله مع اليازوريّ، وخرج، واستدعى طاهرا كاتب السرّ وسيّره لقتله. فنمى الخبر إلى أمّ المستنصر فأنكرته، ودخلت على المستنصر وقالت: أنت يا مولانا أمرت البابليّ بقتل اليازوريّ؟
فقال: لا.
قالت: قد سيّر طاهر [ا] ابن غلام رشيد لقتله.
فاستدعى المستنصر سعيد السعداء (3) وأنفذه إلى البابليّ، وقال: قل له: لم نأمرك بقتله، فأنفذ من يعيد طاهرا ويمنعه من النفوذ.
فألفاه سعيد السعداء في الحمّام، فاعتذر إليه.
فقال: لا بدّ من الدخول إليك! - ودخل وأدّى الرسالة إليه. فقال: نعم، هوذا أخرج وأسيّر من يعيده.
وطوّل في الحمّام، ثمّ خرج، فإلى أن يكتب الكتاب ويسيّر النجّاب، جدّ طاهر في السير ووصل قبله إلى تنيس، فلم يدخل النجّاب حتّى نفّذ الحكم فياليازوريّ. وذلك أنّ طاهرا لمّا وصل دفع كتاب البابليّ إلى الأمير جمال الدولة صبح والي تنيس، وفيه: أنّا قد سيّرنا طاهرا فيما أنت تقف عليه من جهته، فتثبّت منه فيه وتحضر معه لإنجازه وتحذر من تأخيره من اليوم إلى غد (4).
فقال: وما الذي وصلت فيه؟
فأخرج تذكرة بخطّ البابليّ وفيها: إذا وصلت يا طاهر أعزّك الله، إلى تنيس، وقد شقيت ولهثت من العطش، فلا تبلّ ريقك بقطرة دون أن تحضر حسن بن عليّ بن عبد الرحمن اليازوريّ إلى دار الخدمة وتمضي حكم السيف فيه. فقد كتبنا إلى الأمير جمال الدولة بمعونتك على ما نستدعيه من ذلك، فقدّمه ولا تؤخّره إن شاء الله.
فقال له الوالي: أنت خليفة صاحب السّتر، ومرسل من جهة السلطان، والأمر الذي وصلت فيه ممتثل. فأمض الحكم فيه.
فقال: بحضورك.
قال: وما معنى حضوري إذا بلغت غرضك فيما وصلت فيه؟
فقال: لا بدّ من حضورك!
[قتل اليازوريّ في سجن تنيس]
وأنفذ من أحضر اليازوريّ من الدار التي اعتقل بها. فلمّا حضر أجلس على مصطبة باب الدهليز، وطاهر على مقابلته في مصطبة، والصقالبة
(1) السقيّة: شراب مسموم.
(2)
زيادة من الاتّعاظ 2/ 241.
(3)
هو الأستاذ قنبر أحد خدّام القصر المحنّكين، عتيق المستنصر (الخطط 4/ 273).
(4)
الزيادة والإصلاح من الاتّعاظ 2/ 242.
والسعديّة خدّام الستر وقوف، والسيّاف قائم.
وقال طاهر: يا حسن، يقول لك مولانا: أين أموالي؟
فلم يجبه ولم يرفع طرفه إليه، فقال له: لك أخاطب يا حسن بن عليّ بن عبد الرحمن. يقول لك أمير المؤمنين: أين أموالي؟
فلم يجبه ورفع طرفه ونظر إلى طاهر وإلى الجماعة القيام، وقال لطاهر: يا كلب، تجيء وهذا معك- وأشار إلى حيدرة السيّاف- وتسألني بعد ذلك؟ ولكن قل له: يا مولانا، قبض عليّ [367 ب] وأنا آمن على نفسي. فإن كان عندي مال، فقد وجدته في داري. وكتب داعيك وثقتك المؤيّد (1) في الدين في القمطرة الفلانيّة تشهد بذكر مالك أين هو.
فأشار طاهر إلى الذين معه فأخذوا اليازوريّ وضربت عنقه في الحال. وسار لوقته عائدا، ومعه رأس اليازوريّ، إلى القاهرة. فبلغ ذلك المستنصر فاغتمّ لقتله، وحقد على البابليّ حتى صرفه. وكان قتله في ليلة [
…
] الثاني والعشرين من صفر سنة خمسين وأربعمائة. وألقيت جثّته على مزبلة إلى أن ورد أمر المستنصر بعد ثلاثة أيّام بتكفينه وتجهيزه والصلاة عليه. فغسّل في مسجد وحنّط بحنوط كثير وكافور، وحمل بين العشاءين ومعه المشاعل ودفن. ثمّ حضر صقلبيّ بعد ذلك ومعه الرأس فدفنت معه في القبر.
ولم يتمكّن أحد في الدولة المصريّة بعد الوزير يعقوب بن كلّس تمكّن اليازوريّ. وحكي أنّه حجّ في صباه، فلمّا زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نام في الحجرة النبويّة، فسقط عليه شيء من الخلوق الملطّخ بحائط الحجرة. فأتاه بعض خدّام الحجرة وأيقظه وقال له: أيّها الرجل، إنّك ستلي ولاية عظيمة، وقد بشّرتك، ولي منك الحباء والكرامة.
فصار إلى ما صار حتّى إنّه سأل المستنصر بالله أن يكتب اسمه على سكّة الذهب والفضّة، فأذن له في ذلك. وطبعت باسمه نحو شهر ثمّ بطلت.
وأمر المستنصر إلّا يسطّر هذا في السير. وكانت صفة سكّته [السريع]:
ضربت في دولة آل الهدى
…
من آل طه وآل ياسين
مستنصر بالله جلّ اسمه
…
وعبده الناصر للدين
في سنة كذا.
ومن طريف التخلّصات في المكاتبة ما وقع له، وهو أنّ العالي بالله إدريس بن المعتلي بالله يحيى بن الناصر علي بن حمّود بن ميمون بن حمّود بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب صاحب الأندلس كتب إلى المستنصر بالله من مدينة مالقة مكاتبة فيها:«من أمير المؤمنين العالي بالله إلى أمير المؤمنين المستنصر بالله» . فعيب عليه بمصر قلّة تصوّره ومعرفته بأنّه لا يجوز أن يكون أمير المؤمنين في زمان واحد إلّا واحدا. ثمّ ألجأت الضرورة إلى مكاتبته بنحو ما كتب، وكان اليازوريّ إذ ذاك في الوزارة وتدبير أمور مصر. فقال: أنا أخلّص لكم هذه القضيّة وأعلّقها بمعنى دقيق لا يبين للمكاتب
(1) المؤيّد في الدين: أبو نصر هبة الله بن موسى. انظر الإشارة 44 ومقدّمة ديوانه نشر محمد كامل حسين، القاهرة 1949 ص 18، والأموال المشار إليها هي التي سيّرها اليازوريّ إلى البساسيريّ مع المؤيّد، وقد مرّ ذكرها.
وفي ابن ميسّر (ماسي) 8 أنّه اتّهم بتهريب الأموال إلى بيت المقدس مع ولده، فلعلّ هذا التهريب هو المقصود هنا.