الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وموال لهم ومماليك وعبيد وإماء، قدم به على عبيد الله بن زياد مع رأس الحسين ورءوس من قتل معه، رضوان الله عليهم.
ولمّا قتل الحسين انتهب رحله وثقله. فأخذ سيفه القلانس النهشليّ.
وأخذ سيفا له آخر جميع بن الخلق الأزديّ.
وأخذ سراويله بحر بن كعب التميميّ وتركه مجرّدا.
وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الكنديّ، فكان يقال له «قيس قطيفة» .
وأخذ نعليه الأسود بن خالد الأوديّ.
وأخذ عمامته جابر بن يزيد.
وأخذ برنسه- وكان من خزّ- مالك بن بشير الكنديّ.
وأخذ رجل من العراق حلي فاطمة بنت الحسين، وهو يبكي. فقالت له فاطمة: لم تبكي؟ .
فقال: أسلب بنت رسول الله ولا أبكي؟
فقالت: دعه.
قال: إنّي أخاف أن يأخذه غيري.
وكان علي بن الحسين، الأصغر، مريضا نائما على فراش. فقال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا! .
فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله! نقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل؟
وجاء عمر [بن سعد] بن أبي وقّاص فقال: لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض.
وقال عليّ بن الحسين: قصدني رجل منهم وأكرم نزلي واختصّني وجعل يبكي كلّما خرج ودخل حتى كنت أقول: إن لم يكن عند أحد من الناس وفاء فعند هذا! - إلى أن نادى منادي ابن زياد: ألا من وجد عليّ بن الحسين فليأت به، فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم.
قال عليّ: فدخل والله عليّ وهو يبكي، وجعل يربط يديّ إلى عنقي وهو يقول: أخاف! - فأخرجني والله إليهم مربوطا حتّى دفعني إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا انظر إليه. فأخذت فأدخلت على ابن زياد فقال: ما اسمك؟
فقلت: علي بن حسين.
فقال: أولم يقتل الله عليّا؟
قلت: كان لي أخ يقال له عليّ، أكبر منّي، قتله الناس.
قال: بل الله قتله.
قلت: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (الزمر: 42).
فأمر بقتله. فصاحت زينب بنت عليّ: يا ابن زياد، حسبك من دمائنا! أسألك الله إن قتلته إلّا قتلتني معه.- فتركه.
[حمل بقيّة أهله إلى الشّام]
ولمّا أمر عمر بن سعد بثقل الحسين أن يدخل الكوفة، تقدّم به إلى عبيد الله بن زياد. وبعث إليه بالرأس مع خولي بن يزيد الأصبحيّ. فلمّا حملالنساء والصبيان ومرّوا بالقتلى، صرخت زينب بنت علي: يا محمّداه! هذا حسين بالعراء، مزمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء! يا محمّد، وبناتك سبايا وذرّيّتك مقتّلة! .
فما بقي [403 أ] صديق ولا عدوّ إلّا أكبّ باكيا.
وقدم بهم إلى عبيد الله بن زياد فقال عبيد الله بن زياد: من هذه؟
فقالوا: زينب بنت عليّ بن أبي طالب.
فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
فقالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون.
قال: الحمد لله الذي قتلكم وأكذب حديثكم.
فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد وطهّرنا تطهيرا.
(وفي رواية: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم).
وقال: قد شفى الله نفسي من طاغيتك وأهل بيتك.
فبكت وقالت: لعمري، لقد قتلت كهلي، وأبدت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي.
فإن يشفك هذا فقد اشتفيت.
فقال: هذه سجّاعة، وقد كان أبوها شاعرا سجّاعا.
فقالت: ما لي وللسجاعة؟ إنّ لي لشغلا، ولكن نفثي (1) ما أقول.
فلمّا وضعت الرءوس بين يدي ابن زياد، جعل يضرب بقضيب معه على في الحسين وهو يقول [الطويل]:
يفلّقن هاما من رجال أعزّة
…
علينا، وهم كانوا أعقّ وأظلما (2)
فقال له زيد بن أرقم: لو نحّيت هذا القضيب، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع فاه على موضع هذا القضيب.
وقالت حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك:
جيء برأس الحسين إلى ابن زياد. فقال: ما رأيت مثل هذا حسنا.
قلت له: أما إنّه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أنس بن مالك: شهدت عبيد الله بن زياد حيث أتى برأس الحسين. فجعل ينكت بقضيب معه على أسنانه ويقول: إنه كان لحسن الثغر.
(قال: فقلت: والله لأسوأنّك! ) فقلت: أما إنّي قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل موضع قضيبك من فيه.
فأمر ابن زياد برأس الحسين فنصب على خشبة.
قال الشعبيّ: رأس الحسين أوّل رأس حمل في الإسلام.
وأمر ابن زياد بحبس من قدم به عليه من بقيّة أهل الحسين معه في القصر.
فقال ذكوان أبو خالد: خلّ بيني وبين هذه الرءوس فأدفنها.
ففعل. فكفّنها ودفنها بالجبّانة. وركب إلى أجسادهم فكفّنهم ودفنهم.
قال المسعوديّ: ودفن أهل الغاضريّة- وهم قوم من بني أسد- الحسين وأصحابه بعد قتلهم بيوم (3).
وأقبل عمر بن سعد فدخل الكوفة وقال: ما رجع رجل إلى [501 أ] أهله بشرّ ممّا رجعت به:
أطعت ابن زياد، وعصيت الله، وقطعت الرحم.
وقدم رسول يزيد بن معاوية يأمر ابن زياد أن يرسل إليه بثقل الحسين، ومن بقي من ولده وأهل
(1) كلمة أخرى غير مفهومة، وأخذنا بقراءة الطبريّ، 5/ 457 إلّا في السجاعة، فالمقصود في رأينا هو سجع الكهّان، وإن كانت القواميس لا تقرّ السجاعة مصدرا.
(2)
البيت للحصين بن الحمام المرّي وهو في المفضّليّات ص 105 من طبعة أوربّا.
(3)
مروج، 3/ 259.