الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشْتُرِطَ فِيهِ التَّأْجِيل، خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَاللَّيْثِ الَّذِينَ يَرَوْنَ لُزُومَهُ حَسَبَ التَّفْصِيل الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ (1) .
ج -
إِسْقَاطُ الأَْجَل بِتَرَاضِي الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ:
94 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا تَرَاضَى الدَّائِنُ وَالْمَدِينُ عَلَى إِسْقَاطِ شَرْطِ التَّأْجِيل أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَصَحِيحٌ.
ثَانِيًا: سُقُوطُ الأَْجَل
تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ عِدَّةَ أَسْبَابٍ إِذَا وَقَعَتْ أَدَّتْ إِلَى سُقُوطِ شَرْطِ التَّأْجِيل، وَمِنْهَا الْمَوْتُ وَالتَّفْلِيسُ وَالإِْعْسَارُ، وَالْجُنُونُ وَالأَْسْرُ.
أ -
سُقُوطُ الأَْجَل بِالْمَوْتِ
(2) :
95 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُقُوطِ الأَْجَل بِمَوْتِ الْمَدِينِ أَوِ الدَّائِنِ: فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الأَْجَل يَبْطُل بِمَوْتِ الْمَدِينِ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ، وَلَا يَبْطُل بِمَوْتِ الدَّائِنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْتًا حَقِيقِيًّا، أَمْ حُكْمِيًّا، وَذَلِكَ لأَِنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيل أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَال، فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الأَْجَل تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيل (3) ؛ وَلأَِنَّ الأَْجَل حَقُّ الْمَدِينِ، لَا حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ، فَتُعْتَبَرُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ فِي الأَْجَل
(1) المغني4 / 315 ط الأولى بالمنار، والجمل3 / 262، والقليوبي 2 / 260، والدسوقي 3 / 226، 227
(2)
راجع مصطلح " موت "
(3)
رد المحتار على الدر المختار4 / 24، 287، وبدائع الصنائع 5 / 213
وَبُطْلَانِهِ (1) .
وَمِثْل الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ، وَذَلِكَ كَمَا. لَوْ لَحِقَ مُرْتَدًّا بِدَارِ الْحَرْبِ (2) - كَمَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ - أَوْ كَالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ أَوِ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ - كَمَا صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ (3) . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ، إِلَاّ أَنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ ثَلَاثَ حَالَاتٍ. جَاءَ فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ (4) : إِنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّل عَلَى الشَّخْصِ يَحِل بِفَلَسِهِ أَوْ مَوْتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (5) ، لأَِنَّ الذِّمَّةَ فِي الْحَالَتَيْنِ قَدْ خَرِبَتْ، وَالشَّرْعُ قَدْ حَكَمَ بِحُلُولِهِ؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِل لَلَزِمَ إِمَّا تَمْكِينُ الْوَارِثِ مِنَ الْقَسْمِ، أَوْ عَدَمِهِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (6) ، وَلِلضَّرُورَةِ الْحَاصِلَةِ بِوَقْفِهِ.
وَعَلَى الْمَشْهُورِ: لَوْ طَلَبَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ بَقَاءَهُ مُؤَجَّلاً مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ " وَأَمَّا لَوْ طَلَبَ الْكُل لَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ ". وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْمَوْتِ مَنْ قَتَل مَدِينَهُ (عَمْدًا) فَإِنَّ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّل لَا يَحِل، لِحَمْلِهِ عَلَى اسْتِعْجَال مَا أَجَّل. وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ فَلَا يَحِل بِفَلَسِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ، وَلِغُرَمَائِهِ تَأْخِيرُهُ إِلَى أَجَلِهِ، أَوْ بَيْعُهُ الآْنَ، وَمَحَل حُلُول الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل بِالْمَوْتِ أَوِ الْفَلَسِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ مَنْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِل عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِذَلِكَ، وَإِلَاّ عُمِل بِشَرْطِهِ.
(1) بدائع الصنائع للكاساني5 / 213
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص357 ط الحلبي.
(3)
المهذب1 / 327، والأشباه والنظائر للسيوطي 329 ط الحلبي، ومغني المحتاج 2 / 147، 208
(4)
الخرشي4 / 176، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 265
(5)
وفي غير المشهور أن المؤجل لا يحل بالفلس ولا بالموت.
(6)
سورة النساء / 12
قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي الْمَوْتِ، وَأَمَّا إِنْ شَرَطَ مَنْ لَهُ أَنَّهُ يَحِل بِمَوْتِهِ عَلَى الْمَدِينِ فَهَل يُعْمَل بِشَرْطِهِ، أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الأَْوَّل (أَيْ أَنَّهُ يُعْمَل بِشَرْطِهِ) حَيْثُ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْبَيْعِ؛ لأَِنَّهُ آل أَمْرُهُ إِلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا يَحِل الدَّيْنُ الْمُؤَجَّل بِمَوْتِ الدَّائِنِ، وَأَمَّا مَوْتُ الْمَدِينِ فَلَهُمْ رَأْيَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحِل بِمَوْتِ الْمَدِينِ كَمَا هُوَ رَأْيُ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَحِل بِمَوْتِهِ إِذَا وَثِقَ الْوَرَثَةُ، فَقَدْ جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ (1) :" أَنَّهُ إِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَحِل الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ إِذَا وَثِقَ الْوَرَثَةُ، أَوْ وَثِقَ غَيْرُهُمْ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، عَلَى أَقَل الأَْمْرَيْنِ: مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوِ الدَّيْنِ "، وَهُوَ قَوْل ابْنِ سِيرِينَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ لأَِنَّ الأَْجَل حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، فَوُرِثَ عَنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَكَمَا لَا تَحِل الدُّيُونُ الَّتِي لَهُ بِمَوْتِهِ، فَتَخْتَصُّ أَرْبَابُ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ بِالْمَال، وَيَتَقَاسَمُونَهُ بِالْمُحَاصَّةِ، وَلَا يُتْرَكُ مِنْهُ لِلْمُؤَجَّل شَيْءٌ، وَلَا يَرْجِعُ رَبُّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِهِ بَل عَلَى مَنْ وَثَّقَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّوَثُّقُ لِعَدَمِ وَارِثٍ، بِأَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ، حَل، وَلَوْ ضَمِنَهُ الإِْمَامُ، أَوْ " تَعَذَّرَ التَّوَثُّقُ " لِغَيْرِ عَدَمِ وَارِثٍ، بِأَنْ خَلَفَ وَارِثًا لَكِنَّهُ لَمْ يُوثَقْ، حَل الدَّيْنُ لِغَلَبَةِ الضَّرَرِ، فَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ كُلَّهُ إِنِ اتَّسَعَتِ
(1) كشاف القناع3 / 438 ط الرياض، والمغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 485 ط مطبعة المنار.
التَّرِكَةُ أَوْ يُحَاصِصْ بِهِ الْغُرَمَاءَ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ الأَْجَل. وَإِنْ ضَمِنَهُ ضَامِنٌ وَحَل عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِل عَلَى الآْخَرِ. وَقَدِ اسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّل لَا يَحِل بِالْمَوْتِ إِذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةَ، فَقَالُوا: إِنَّ الأَْجَل حَقٌّ لِلْمَدِينِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ؛ وَلأَِنَّ الْمَوْتَ مَا جُعِل مُبْطِلاً لِلْحُقُوقِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِيقَاتٌ لِلْخِلَافَةِ وَعَلَامَةٌ عَلَى الْوِرَاثَةِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ (1) وَمَا قِيل بِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ هُوَ حُكْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهَا شَاهِدُ الشَّرْعِ بِاعْتِبَارٍ، وَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِ هَذَا، فَعَلَى هَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ وَيَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ مَالِهِ كَتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِمَال الْمُفْلِسِ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَبَّ الْوَرَثَةُ أَدَاءَ الدَّيْنِ، وَالْتِزَامَهُ لِلْغَرِيمِ، عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي الْمَال، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَاّ أَنْ يَرْضَى الْغَرِيمُ، أَوْ يُوَثِّقُوا الْحَقَّ بِضَمِينٍ مَلِيءٍ، أَوْ رَهْنٍ يَثِقُ بِهِ لِوَفَاءِ حَقِّهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ لَا يَكُونُونَ أَمْلِيَاءَ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِمُ الْغَرِيمُ، فَيُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ الْحَقِّ (2) .
وَيَرَى طَاوُسٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالزُّهْرِيُّ وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّل لَا يَحِل بِمَوْتِ الْمَدِينِ، وَيَبْقَى إِلَى أَجَلِهِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ (3) .
(1) حديث: " من ترك حقا أو مالا فلورثته ". ذكره صاحب المغني بهذا اللفظ ولم يخرجه4 / 468 ولم نجده بلفظه. ورواه بلفظ: " من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا ". البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. (جامع الأصول 9 / 630) .
(2)
المغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 486
(3)
المغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 486، وسبق بيان أن رأيا للمالكية يتفق مع هذا الاتجاه.