الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِفِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ نَحَرَ هَدْيَهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ، وَهِيَ مِنَ الْحِل (1) . بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} . (2)
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْل بِمَا يَرْجِعُ إِلَى حِكْمَةِ تَشْرِيعِ التَّحَلُّل مِنَ التَّسْهِيل وَرَفْعِ الْحَرَجِ، كَمَا قَال فِي الْمُغْنِي (3) . " لأَِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَعَذُّرِ الْحِل، لِتَعَذُّرِ وُصُول الْهَدْيِ إِلَى الْحَرَمِ " أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ دَل عَلَى ضَعْفِ هَذَا الاِشْتِرَاطِ. وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى تَوْقِيتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ بِالْحَرَمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} . (4)
وَتَوْجِيهُ الاِسْتِدْلَال بِالآْيَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: الأَْوَّل: التَّعْبِيرُ بِ " الْهَدْيِ ". الثَّانِي: الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ " مَحِلَّهُ " بِأَنَّهُ الْحَرَمُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى دِمَاءِ الْقُرُبَاتِ، لأَِنَّ الإِْحْصَارَ دَمُ قُرْبَةٍ، وَالإِْرَاقَةُ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إِلَاّ فِي زَمَانٍ، أَوْ مَكَانٍ، فَلَا يَقَعُ قُرْبَةً دُونَهُ (5) . أَيْ دُونَ تَوْقِيتٍ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ، وَالزَّمَانُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ، فَتَعَيَّنَ التَّوْقِيتُ بِالْمَكَانِ.
(1) المراجع السابقة في المذهبين.
(2)
سورة الفتح / 25
(3)
المغني 3 / 358
(4)
سورة البقرة / 196
(5)
الهداية 2 / 297
زَمَانُ ذَبْحِ هَدْيِ الإِْحْصَارِ:
40 -
ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ (1) وَالشَّافِعِيُّ (2) وَأَحْمَدُ (3) - عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ - إِلَى أَنَّ زَمَانَ ذَبْحِ الْهَدْيِ هُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، لَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ، بَل أَيُّ وَقْتٍ شَاءَ الْمُحْصَرُ ذَبْحَ هَدْيِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الإِْحْصَارُ عَنِ الْحَجِّ أَوْ عَنِ الْعُمْرَةِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ - لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِلْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إِلَاّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ الثَّلَاثَةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ (4) .
اسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . فَقَدْ ذَكَرَ الْهَدْيَ فِي الآْيَةِ مُطْلَقًا عَنِ التَّوْقِيتِ بِزَمَانٍ، وَتَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ نَسْخٌ أَوْ تَخْصِيصٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ الْقَطْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ إِلَاّ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَلَا دَلِيل.
وَاسْتَدَل أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّ هَذَا دَمٌ يَتَحَلَّل بِهِ مِنْ إِحْرَامِ الْحَجِّ، فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ فِي الْحَجِّ. وَرُبَّمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (5) فَيَقِيسَانِهِ عَلَيْهِ، حَيْثُ إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُذْبَحَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ الْمُحْصَرَ يَسْتَطِيعُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنْ يَتَحَلَّل مَتَى تَحَقَّقَ إِحْصَارُهُ بِذَبْحِ
(1) الهداية 2 / 299، ومتن الكنز وشرحه للزيلعي 2 / 79، والبدائع 2 / 180 - 181
(2)
المجموع 8 / 247، وفيه قول النووي:" قال المصنف والأصحاب: أما وقت التحلل فينظر إن كان واجدا للهدي ذبحه ونوى التحلل عند ذبحه " فأطلق وقت الذبح، ولم يقيده بأيام النحر.
(3)
المغني 3 / 359
(4)
المراجع الحنفية السابقة ورد المحتار 2 / 321
(5)
تبين الحقائق 2 / 79، وقارن بالبدائع 3 / 180 - 181