الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّوْجِيَّةَ أَقْدَسُ رِبَاطٍ، فَلَا يَصِحُّ شَرْعًا وَلَا أَدَبًا أَنْ تَنْسَى ذَلِكَ الْجَمِيل، وَتَتَجَاهَل حَقَّ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا. وَلَيْسَ مِنَ الْوَفَاءِ أَنْ يَمُوتَ زَوْجُهَا مِنْ هُنَا، ثُمَّ تَنْغَمِسُ فِي الزِّينَةِ وَتَرْتَدِي الثِّيَابَ الزَّاهِيَةَ الْمُعَطَّرَةَ، وَتَتَحَوَّل عَنْ مَنْزِل الزَّوْجِيَّةِ، كَأَنَّ عِشْرَةً لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَبْل الإِْسْلَامِ تُحِدُّ عَلَى زَوْجِهَا حَوْلاً كَامِلاً تَفَجُّعًا وَحُزْنًا عَلَى وَفَاتِهِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
هَكَذَا قَرَّرَ عُلَمَاءُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ فِيمَا يُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ الإِْحْدَادِ. فَقَدْ ذَكَرُوا " أَنَّ الْحِدَادَ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، إِظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى مَمَاتِ زَوْجٍ وَفَّى بِعَهْدِهَا، وَعَلَى انْقِطَاعِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَهِيَ لَيْسَتْ نِعْمَةً دُنْيَوِيَّةً فَحَسْبُ، وَلَكِنَّهَا أَيْضًا أُخْرَوِيَّةٌ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ فِي الْمَعَادِ وَالدُّنْيَا " وَشُرِعَ الإِْحْدَادُ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ يَمْنَعُ تَشَوُّفَ الرِّجَال إِلَيْهَا؛ لأَِنَّهَا إِذَا تَزَيَّنَتْ يُؤَدِّي إِلَى التَّشَوُّفِ، وَهُوَ يُؤَدِّي إِلَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَهُوَ يُؤَدِّي إِلَى الْوَطْءِ، وَهُوَ يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَاطِ الأَْنْسَابِ، وَهُوَ حَرَامٌ. وَمَا أَدَّى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ (1) ".
مَنْ تُحِدُّ وَمَنْ لَا تُحِدُّ
؟
10 -
تَبَيَّنَ فِيمَا سَبَقَ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهَا الإِْحْدَادُ فِي الْجُمْلَةِ. وَهُنَاكَ حَالَاتٌ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، مِنْهَا: الْكِتَابِيَّةُ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ، وَالصَّغِيرَةُ.
11 -
أَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ - فِي رِوَايَةِ
(1) حاشية سعدي جلبي على شرح فتح القدير 3 / 291 ط المطبعة الأميرية - بولاق القاهرة 1316 هـ.
ابْنِ الْقَاسِمِ - وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الإِْحْدَادُ مُدَّةَ الْعِدَّةِ إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ، وَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الإِْحْدَادَ تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَمَتَى وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الإِْحْدَادُ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ الإِْحْدَادَ مَطْلُوبٌ مِنَ الْمُسْلِمَةِ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ. . . الْحَدِيثَ.
(1)
12 - وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا تُحِدُّ، وَعَلَى وَلِيِّهَا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ فِعْل مَا يُنَافِي الإِْحْدَادَ؛ لأَِنَّ الإِْحْدَادَ تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ. وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا (2) ؟ فَقَال: لَا. مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، الْحَدِيثَ (3) وَلَمْ يَسْأَل عَنْ سِنِّهَا، وَتَرْكُ الاِسْتِفْصَال فِي مَقَامِ السُّؤَال دَلِيلٌ عَلَى الْعُمُومِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الإِْحْدَادِ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ (4) . فَإِنْ بَلَغَتْ فِي الْعِدَّةِ حَدَّتْ فِيمَا بَقِيَ. وَمِثْلُهَا
(1) تقدم تخريجه قريبا.
(2)
لعل المنع من الاكتحال باعتباره زينة، مع وجود غيره لإزالة المرض والتداوي، فإذا تعين علاجا فقواعد الشرع لا تمنع من استعماله.
(3)
حديث أم سلمة أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 484 ط السلفية) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (تحقيق سنن أبي داود 2 / 389 ط دار السعادة بمصر) .
(4)
حديث " رفع القلم عن ثلاث. . . ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: على شرطهما، ورواه ابن حبان وابن خزيمة من طرق عن علي وفيه قصة جرت له مع عمر علقها البخاري (فيض القدير 4 / 35)