الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّفِينَةِ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ فِيهِ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا الأَْحْكَامُ السَّابِقَةُ.
أُجْرَةُ سَكَنِ الْمُحِدَّةِ، وَنَفَقَتُهَا:
21 -
اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ أَجْرُ سَكَنِ الْمُحِدَّةِ هَل هُوَ عَلَيْهَا أَمْ مِنْ مَال الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أُجْرَةَ سَكَنِ الْمُحِدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ، مِنْ مَالِهَا؛ لأَِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَوْرِيثِهَا، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا الْمُحِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ - عِنْدَهُمْ - فَأُجْرَةُ سُكْنَاهَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لأَِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ دَفَعَتْ مِنْ مَالِهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَدْخُول بِهَا وَغَيْرِهَا، فَغَيْرُ الْمَدْخُول بِهَا سُكْنَاهَا مَعَ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ مَالِهَا، لِلدَّلِيل السَّابِقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا فَإِنْ كَانَتْ تَسْكُنُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَسْكَنٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا وَعَجَّل أُجْرَتَهُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إِخْرَاجُهَا حَتَّى لَوْ بِيعَتِ الدَّارُ، فَيُسْتَثْنَى مِنْهَا مُدَّةُ إِحْدَادِهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَأُجْرَةُ سُكْنَاهَا مِنْ مَالِهَا، وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ عَلَى مَال التَّرِكَةِ بِشَيْءٍ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَامِل وَالْحَائِل (2) ".
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُحِدَّةَ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ السَّكَنِ مِنَ التَّرِكَةِ، بَل تَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ. وَتُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ وَالدُّيُونِ الْمُرْسَلَةِ فِي الذِّمَّةِ فِي الأَْظْهَرِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَائِلاً أَمْ حَامِلاً، مَدْخُولاً بِهَا أَوْ غَيْرَ
(1) رد المحتار 2 / 620، 621
(2)
التاج والإكليل 4 / 162
مَدْخُولٍ (1) .
وَفِي غَيْرِ الأَْظْهَرِ أَنَّ أُجْرَةَ السُّكْنَى عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهَا وَارِثَةٌ، فَتَلْزَمُهَا، كَالنَّفَقَةِ. وَهُنَاكَ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ أُجْرَةُ سُكْنَى يَوْمِ الْوَفَاةِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ تَسْكُنُ فِيمَا يَمْلِكُهُ أَوْ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَجَّل الأُْجْرَةَ قَبْل الْوَفَاةِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَامِل وَالْحَائِل، فَالْحَائِل أُجْرَةُ سُكْنَاهَا فِي الإِْحْدَادِ مِنْ مَالِهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، لِلدَّلِيل الْمَذْكُورِ سَابِقًا. وَأَمَّا الْحَامِل فَعِنْدَهُمْ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَهَا أُجْرَةُ السُّكْنَى مِنْ مَال الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ لأَِنَّهَا حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا، فَكَانَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، كَالْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَصَحَّحَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ. هَذَا عَنْ أُجْرَةِ سُكْنَى الْمُحِدَّةِ، أَمَّا نَفَقَتُهَا فَمَوْطِنُ بَحْثِهِ مُصْطَلَحُ (عِدَّةٌ) ؛ لأَِنَّ حُكْمَ النَّفَقَةِ تَابِعٌ لِلاِعْتِدَادِ لَا لِلإِْحْدَادِ.
حَجُّ الْمُحِدَّةِ:
22 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ إِلَى الْحَجِّ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لأَِنَّ الْحَجَّ لَا يَفُوتُ، وَالْعِدَّةُ تَفُوتُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَال: تُوُفِّيَ أَزْوَاجٌ نِسَاؤُهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ، فَرَدَّهُنَّ عُمَرُ رضي الله عنه
(1) الجمل على شرح المنهج 4 / 461، ونهاية المحتاج 7 / 145، وشرح الروض 3 / 399، والمغني 9 / 291
مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ (1) . فَإِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْحَجِّ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ بِالْقُرْبِ، أَيْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرِ الصَّلَاةِ، رَجَعَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ؛ لأَِنَّهَا فِي حُكْمِ الإِْقَامَةِ. وَمَتَى رَجَعَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ، أَتَتْ بِهِ فِي مَنْزِلِهَا (2) . وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَبَاعَدَتْ بِأَنْ قَطَعَتْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، مَضَتْ فِي سَفَرِهَا؛ لأَِنَّ عَلَيْهَا فِي الرُّجُوعِ مَشَقَّةً، فَلَا يَلْزَمُهَا. فَإِنْ خَافَتْ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِمَخَاطِرَ فِي الرُّجُوعِ، مَضَتْ فِي سَفَرِهَا وَلَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً؛ لأَِنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي رُجُوعِهَا (3) . وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَزِمَتْهَا الإِْقَامَةُ؛ لأَِنَّ الْعِدَّةَ أَسْبَقُ (4) .
وَفِي رَأْيٍ لِلْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ إِلَى الْحَجِّ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا، فَلَا يَنْبَغِي لِمُعْتَدَّةٍ أَنْ تَحُجَّ، وَلَا تُسَافِرَ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ غَيْرِ مَحْرَمٍ، فَقَدْ تُوُفِّيَ أَزْوَاجٌ نِسَاؤُهُنَّ حَاجَّاتٌ أَوْ مُعْتَمِرَاتٌ، فَرَدَّهُنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه
(1) رواه سعيد، هكذا في المغني لابن قدامة 9 / 184 والشرح الكبير ط المنار، ولعلها (نساء هن) بدون الواو. وهو عند مالك في الموطأ بلفظ آخر (ص 406 ط دار النفايس) .
(2)
المغني لابن قدامة 9 / 174 - 291 ط المنار، وابن عابدين 2 / 600 - 670 ط الأولى، والجوهرة النيرة 2 / 85 ط الخشاب، والخرشي على مختصر خليل 3 / 290، 332، والمجموع 17 / 164، والمنتقى شرح الموطأ للباجي 4 / 136 ط السعادة والكافي 2 / 982 ط الأولى.
(3)
فتح القدير 3 / 218 ط الأميرية، ونهاية المحتاج 7 / 143، والقليوبي 4 / 56 ط الحلبي، والشرح الكبير مع المغني لابن قدامة 9 / 183، 166، 167 ط المنار، والكافي لابن قدامة 2 / 948
(4)
ومثله تعذر العودة بسبب ظروف وسائل السفر الحديثة.
مِنْ قَصْرِ النَّجَفِ. فَدَل عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ (1) . أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَقُولُونَ: إِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، ثُمَّ طَرَأَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِأَنْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، بَقِيَتْ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ، وَلَا تَرْجِعُ لِمَسْكَنِهَا لِتَعْتَدَّ بِهِ؛ لأَِنَّ الْحَجَّ سَابِقٌ عَلَى الْعِدَّةِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَعْدَ مُوجِبِ الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، فَإِنَّهَا تَمْضِي عَلَى إِحْرَامِهَا الطَّارِئِ، وَأَثِمَتْ بِإِدْخَال الإِْحْرَامِ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ بِخُرُوجِهَا مِنْ مَسْكَنِهَا (2) .
وَلَمْ يَعْتَبِرِ الشَّافِعِيَّةُ الْمَسَافَةَ الَّتِي تَقْطَعُهَا الْمُحِدَّةُ الْمُحْرِمَةُ بِالأَْيَّامِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ. وَلَكِنْ قَالُوا: إِنْ فَارَقَتِ الْبُنْيَانَ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَالتَّمَامِ؛ لأَِنَّهَا صَارَتْ فِي مَوْضِعٍ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِيهِ وَهُوَ السَّفَرُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَعُدَتْ (3) .
23 -
وَمِثْل الْحَجِّ كُل سَفَرٍ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُنْشِئَ ذَلِكَ السَّفَرَ وَهِيَ مُحِدَّةٌ. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمِصْرِ قَبْل أَنْ تَعْتَدَّ (4) .
وَحَاصِل مَا تُفِيدُهُ عِبَارَاتُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّهُ إِذَا أَذِنَ الزَّوْجُ بِالسَّفَرِ لِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَبَلَغَهَا الْخَبَرُ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ؛ لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي السَّفَرِ تَمْضِي مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ وَكَانَتْ
(1) المبسوط للسرخسي 6 / 36 ط السعادة.
(2)
الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي عليه 2 / 486
(3)
نهاية المحتاج 7 / 143
(4)
فتح القدير 3 / 299