الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصِّيغَةُ الصَّادِرَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صِيغَتَيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَجْزِمِ الْبَائِعُ بِبَيْعٍ وَاحِدٍ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ هَل هُوَ عَشَرَةٌ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَإِذَا كَانَ الإِْيجَابُ غَيْرَ جَازِمٍ لَا يَصْلُحُ، وَيَكُونُ عَرَضًا، فَإِذَا قَبِل الْمُوَجَّهُ إِلَيْهِ الْعَرَضُ إِحْدَى الصَّفْقَتَيْنِ كَانَ إِيجَابًا مُوَجَّهًا إِلَى الطَّرَفِ الأَْوَّل، فَإِنْ قَبِل تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِلَاّ لَمْ يَتِمَّ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ
84 -
وَهِيَ بَيْعُ (1) الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لأَِجْل النَّسَاءِ. يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (2) جَوَازَ بَيْعِ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لأَِجْل النَّسَاءِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (3) وَهُوَ عَامٌّ فِي إِبَاحَةِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ إِلَاّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَلَا يُوجَدُ دَلِيلٌ يُخَصِّصُ هَذَا الْعُمُومَ (4) .
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ:
وَهِيَ تَأْجِيل الدَّيْنِ الْحَال فِي مُقَابِل زِيَادَةٍ:
85 -
وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَدْخُل فِي بَابِ الرِّبَا (5) " إِذِ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ شَرْعًا شَيْئَانِ: رِبَا النَّسَاءِ، وَرِبَا التَّفَاضُل. وَغَالِبُ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ، مِنْ قَوْلِهَا لِلْغَرِيمِ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟ فَكَانَ الْغَرِيمُ يَزِيدُ فِي الْمَال، وَيَصْبِرُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقِ
(1) يراجع مصطلح " بيع "
(2)
نيل الأوطار للشوكاني5 / 152 ط أولى سنة 1357 هـ
(3)
سورة البقرة / 275
(4)
نيل الأوطار5 / 153
(5)
يراجع مصطلح " ربا "
الأُْمَّةِ ". قَال الْجَصَّاصُ: مَعْلُومٌ أَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ قَرْضًا مُؤَجَّلاً بِزِيَادَةٍ مَشْرُوطَةٍ، فَكَانَتِ الزِّيَادَةُ بَدَلاً مِنَ الأَْجَل، فَأَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَّمَهُ، وَقَال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} وَقَال تَعَالَى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (1) حَظَرَ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَْجَل عِوَضٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةً، فَقَال لَهُ: أَجِّلْنِي وَأَزِيدُكَ فِيهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْمِائَةَ عِوَضٌ مِنَ الأَْجَل "(2) .
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ:
وَهِيَ تَعْجِيل الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل فِي مُقَابِل التَّنَازُل عَنْ بَعْضِهِ ضَعْ وَتَعَجَّل.
86 -
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَقَال الْمَدِينُ لِغَرِيمِهِ: ضَعْ عَنِّي بَعْضَهُ وَأُعَجِّل لَكَ بَقِيَّتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَكَرِهَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالْمِقْدَادُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَالِمٌ، وَالْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ، وَالْحَكَمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَهُشَيْمٌ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَإِسْحَاقُ (3) . فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً سَأَل ابْنَ عُمَرَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَال: إِنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا (4) .
(1) سورة البقرة / 279، 280
(2)
أحكام القرآن للقرطبي 3 / 348 ط أولى، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 552، 554 ط المطبعة البهية سنة 1347 هـ
(3)
المغني المطبوع مع الشرح الكبير4 / 174 ط المنار.
(4)
العناية بهامش تكملة فتح القدير7 / 396 ط الميمنية.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ (1) . وَرُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ قَال لِرَجُلَيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ: كِلَاكُمَا قَدْ أَذِنَ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَاسْتَدَل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَسْمِيَةُ ابْنِ عُمَرَ إِيَّاهُ رِبَا، وَمِثْل ذَلِكَ لَا يُقَال بِالرَّأْيِ وَأَسْمَاءُ الشَّرْعِ تَوْقِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ قَرْضًا مُؤَجَّلاً بِزِيَادَةٍ مَشْرُوطَةٍ، فَكَانَتِ الزِّيَادَةُ بَدَلاً مِنَ الأَْجَل، فَأَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَرَّمَهُ، وَقَال:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (2) وَقَال تَعَالَى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (3) حَظَرَ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَْجَل عِوَضٌ. فَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٌ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ، فَإِنَّمَا جَعَل الْحَطَّ مُقَابِل الأَْجَل، فَكَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى الرِّبَا الَّذِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ، فَقَال لَهُ: أَجِّلْنِي وَأَزِيدُكَ فِيهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ، لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْمِائَةَ عِوَضٌ مِنَ الأَْجَل، كَذَلِكَ الْحَطُّ فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ، إِذْ جَعَلَهُ عِوَضًا مِنَ الأَْجَل، وَهَذَا هُوَ الأَْصْل فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ أَخْذِ الأَْبْدَال عَنِ الآْجَال (4) . فَحُرْمَةُ رِبَا النَّسَاءِ لَيْسَتْ إِلَاّ لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَال بِالأَْجَل وَإِذَا كَانَتْ شُبْهَةُ الرِّبَا مُوجِبَةً لِلْحُرْمَةِ
(1) أحكام القرآن للجصاص 1 / 554، وراجع المدونة 9 / 173، ومغني المحتاج2 / 129 ط الحلبي. وكشاف القناع 3 / 342 ط الرياض.
(2)
سورة البقرة / 279
(3)
سورة البقرة / 278
(4)
أحكام القرآن للجصاص1 / 554
فَحَقِيقَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ (1) . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْل هَذَا عَلَى إِسْقَاطِ الدَّائِنِ لِبَعْضِ حَقِّهِ؛ لأَِنَّ الْمُعَجَّل لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ، حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاؤُهُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَالْمُعَجَّل خَيْرٌ مِنَ الْمُؤَجَّل لَا مَحَالَةَ، فَيَكُونُ (فِيمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ) خَمْسُمِائَةٍ فِي مُقَابِل مِثْلِهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَصِفَةُ التَّعْجِيل فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي - وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ - وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنِ الأَْجَل، وَهُوَ حَرَامٌ.
وَأَيْضًا لأَِنَّ الأَْجَل صِفَةٌ، كَالْجَوْدَةِ، وَالاِعْتِيَاضُ عَنِ الْجَوْدَةِ لَا يَجُوزُ، فَكَذَا عَنِ الأَْجَل. (2)
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ (3) : إِنَّهُ بَيْعُ الْحُلُول، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ زَادَهُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ، فَقَال لَهُ: أُعْطِيكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتُعَجِّل لِيَ الْمِائَةَ الَّتِي عَلَيْكَ، وَيَقُول صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: وَالأَْصْل فِيهِ أَنَّ الإِْحْسَانَ مَتَى وُجِدَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ يَكُونُ مَحْمُولاً عَلَى الْمُعَاوَضَةِ - كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - فَإِنَّ الدَّائِنَ أَسْقَطَ مِنْ حَقِّهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَالْمَدْيُونَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الأَْجَل فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ، فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً بِخِلَافِ مَا إِذَا صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَحْمُولاً عَلَى إِسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ، دُونَ الْمُعَاوَضَةِ؛ لأَِنَّ الإِْحْسَانَ لَمْ يُوجَدْ إِلَاّ مِنْ طَرَفِ رَبِّ الدَّيْنِ (4) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا بِهَذَا ضَعْ
(1) العناية هامش تكملة فتح القدير7 / 396
(2)
هامش تكملة فتح القدير7 / 397
(3)
المغني4 / 174
(4)
ومغني المحتاج2 / 179