الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوَاقِيتِ:
42 -
مِنْهَا:
أ - وُجُوبُ الإِْحْرَامِ مِنْهَا لِمَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ قَاصِدًا أَحَدَ النُّسُكَيْنِ، الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ، وَتَحْرِيمُ تَأْخِيرِ الإِْحْرَامِ عَنْهَا بِالإِْجْمَاعِ (1) . وَالإِْحْرَامُ مِنْ أَوَّل الْمِيقَاتِ، أَيِ الطَّرَفِ الأَْبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ أَفْضَل، حَتَّى لَا يَمُرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُسَمَّى مِيقَاتًا غَيْرَ مُحْرِمٍ. وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ آخِرِهِ أَيِ الطَّرَفِ الأَْقْرَبِ إِلَى مَكَّةَ جَازَ اتِّفَاقًا، لِحُصُول الاِسْمِ.
43 -
ب - مَنْ مَرَّ بِالْمَوَاقِيتِ يُرِيدُ دُخُول الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ اخْتُلِفَ فِيهِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْحْرَامُ لِدُخُول مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ الْمُعَظَّمِ الْمُحِيطِ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ مَكَّةَ أَوْ مِنْطَقَةَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ لَا لِلنُّسُكِ جَازَ لَهُ أَلَاّ يُحْرِمَ. (انْظُرِ الأَْدِلَّةَ وَفُرُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِي مُصْطَلَحِ " حَرَمٌ ") .
44 -
ج - الاِعْتِبَارُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ، لَا بِاسْمِ الْقَرْيَةِ وَالْبِنَاءِ. فَلَوْ خَرِبَ الْبِنَاءُ فِي الْمِيقَاتِ وَنُقِلَتْ عِمَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ وَسُمِّيَ بِاسْمِ الأَْوَّل لَمْ يَتَغَيَّرِ الْحُكْمُ، بَل الاِعْتِبَارُ بِمَوْضِعِ الأَْوَّل (2) .
45 -
د - لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِأَعْيَانِهَا، بَل يَكْفِي أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا بِذَاتِهَا، أَوْ مِنْ
(1) نص على الإجماع في المجموع 7 / 206، والمسلك المتقسط ص 55، واتفاق العلماء على هذا الحكم ظاهر في عبارات المراجع.
(2)
المجموع 7 / 195
حَذْوِهَا، أَيْ مُحَاذَاتِهَا وَمُقَابَلَتِهَا، وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ فِي تَوْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَخَذَ فِي تَوْقِيتِهَا بِالْمُحَاذَاةِ، وَأُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ. فَدَل عَلَى اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى الأَْخْذِ بِقَاعِدَةِ الْمُحَاذَاةِ.
فُرُوعٌ:
تَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ:
46 -
مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَيْسَ فِيهِ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ، بَرًّا أَوْ بَحْرًا أَوْ جَوًّا، اجْتَهَدَ وَأَحْرَمَ إِذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِالاِحْتِيَاطِ لِئَلَاّ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَخُصُوصًا رَاكِبُ الطَّائِرَةِ.
47 -
إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُحَاذَاةَ (1) فَإِنَّهُ يُحْرِمُ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. اعْتِبَارًا بِمَسَافَةِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ، فَإِنَّهُ عَلَى بُعْدِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَعَلَى ذَلِكَ قَرَّرُوا أَنَّ جَدَّةَ تَدْخُل فِي الْمَوَاقِيتِ؛ لأَِنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى مَكَّةَ مِنْ قَرْنِ الْمَنَازِل (2) . (3)
48 -
وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ، كَالشَّامِيِّ إِذَا قَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَالْمَدَنِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا مَرَّ بِالْجُحْفَةِ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ فَمِنْ أَيِّ الْمِيقَاتَيْنِ يُحْرِمُ؟ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
(1) دار نقاش حول إمكان وجود مكان لا يحاذي ميقاتا، فعبرنا بهذا، ولم نشأ الخوض في هذا لأننا لم نجد له فائدة عملية فيما ذكروه.
(2)
ويكون الميقات واصلا إلى البحر، وكذا إذا نظرنا إلى جدة من حيث المحاذاة فإن محاذاة الجحفة تجعلها داخلة في ضمن المواقيت، وتكون المواقيت ممتدة إلى عرض البحر.
(3)
فتح الباري 3 / 251 ط المطبعة الخيرية للخشاب 1319 هـ
يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ الأَْبْعَدِ، كَأَهْل الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، مِيقَاتُهُمُ الْجُحْفَةُ، فَإِذَا مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الإِْحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتِ أَهْل الْمَدِينَةِ، وَإِذَا جَاوَزُوهُ غَيْرَ مُحْرِمِينَ حَتَّى الْجُحْفَةِ كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا مِيقَاتُهُ نُدِبَ لَهُ الإِْحْرَامُ مِنَ الأَْوَّل، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْحْرَامُ مِنْهُ؛ لأَِنَّ مِيقَاتَهُ أَمَامَهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ فَالأَْفْضَل لَهُ الإِْحْرَامُ مِنَ الأَْوَّل، وَيُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى الثَّانِي الأَْقْرَبِ إِلَى مَكَّةَ. وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ - فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ - بِأَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ الثَّانِي مِيقَاتًا لَهُ. اسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: هُنَّ لَهُنَّ؛ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، فَإِنَّ هَذَا بِعُمُومِهِ يَدُل عَلَى أَنَّ الشَّامِيَّ مَثَلاً إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَهُوَ مِيقَاتُهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ.
وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِعُمُومِ التَّوْقِيتِ لأَِهْل الْمَنَاطِقِ الْمَذْكُورَةِ، إِلَى جَانِبِ الْعُمُومِ الَّذِي اسْتَدَل بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، فَيَحْصُل مِنْ ذَلِكَ لَهُ جَوَازُ الأَْمْرَيْنِ.
فَأَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ بِالْعُمُومِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْعِبَارَتَيْنِ، وَجَوَّزُوا الإِْحْرَامَ مِنْ أَيِّ الْمِيقَاتَيْنِ، مَعَ كَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ، وَيَدُل لَهُمْ مَا ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَهَل مِنَ الْفَرْعِ (1) وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَكَّةَ. وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمَدَنِيِّ. وَيَشْهَدُ لَهُمْ
(1) أخرجه مالك في الموطأ (مواقيت الإهلال) 1 / 242 نسخة تنوير الحوالك ط مصطفى الحلبي 1349 هـ بسنده عن نافع عن ابن عمر. وانظر الجواب عن هذا في المجموع 7 / 203
فِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى فِعْل الأَْفْضَل.
وَيَدُل لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِيقَاتِ تَعْظِيمُ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ، وَهُوَ يَحْصُل بِأَيِّ مِيقَاتٍ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ الْمُكَرَّمُ، يَسْتَوِي الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
49 -
التَّقَدُّمُ بِالإِْحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ جَائِزٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَإِنَّمَا حُدِّدَتْ لِمَنْعِ مُجَاوَزَتِهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.
لَكِنِ اخْتُلِفَ هَل الأَْفْضَل التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا، أَوِ الإِْحْرَامُ مِنْهَا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الإِْحْرَامُ قَبْل الْمِيقَاتِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الإِْحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَفْضَل، إِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مُخَالَفَةَ أَحْكَامِ الإِْحْرَامِ. اسْتَدَل الأَْوَّلُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ أَحْرَمُوا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَلَا يَفْعَلُونَ إِلَاّ الأَْفْضَل. وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ الإِْحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْل أَشْهُرِهِ، فَيَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْكَرَاهَةِ. وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ أَهَل مِنَ الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ. (1) وَسُئِل عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ قَوْله تَعَالَى:
(1) أبو داود في (المواقيت) 2 / 43، وابن ماجه برقم 3001 ص 999، قال المنذري في تهذيب السنن 2 / 285:" وقد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافا كثيرا "