الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ -
حُكْمُ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ:
4 -
نَفْخُ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِل الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ (1) . وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإِْجْهَاضُ إِجْمَاعًا. وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ، بِلَا خِلَافٍ (2) .
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الإِْجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَل مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الأُْمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ ابْنُ
(1) حديث " إن أحدكم. . "، رواه البخاري ومسلم (اللؤلؤ والمرجان 1906) وهو الحديث الرابع في الأربعين النووية.
(2)
الشرح الكبير المطبوع مع حاشية الدسوقي 2 / 267 ط عيسى الحلبي، وحاشية الرهوني على شرح الزرقاني 3 / 264 ط سنة 1306. وانظر البحر الرائق 8 / 233 ط العلمية الأولى، وحاشية ابن عابدين 1 / 602، 5 / 378 ط 1272، وفتح القدير 2 / 495 ط بولاق، ونهاية المحتاج 8 / 416 ط مصطفى الحلبي، وحاشية الجمل 5 / 490 ط الميمنية، وحاشية البجيرمي 3 / 303 ط مصطفى الحلبي، والزرقاني على التحفة 6 / 248، والإنصاف 1 / 186، والفروع 1 / 191، والمغني 7 / 815 ط الرياض، والمحلى 11 / 29 - 31 ط المنيرية سنة 1352
عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَال: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأُْمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأَِنَّ مَوْتَ الأُْمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلَا يَجُوزُ قَتْل آدَمِيٍّ لأَِمْرٍ مَوْهُومٍ (1) .
ب -
حُكْمُ الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ:
5 -
فِي حُكْمِ الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالإِْبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإِْسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْل، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ (2) . وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا (3) ، وَقَال بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل الأَْرْبَعِينَ أَيْضًا، وَقَال
(1) الدر وحاشية ابن عابدين 1 / 602، وانظر البحر الرائق 8 / 233، والمجموع 5 / 301 ط المنيرية. واللجنة ترى أنه إذا كان الفقهاء منعوا هتك حرمة جسد الأم وهي ميتة وضحوا بالجنين الحي. فإن الحفاظ على حياة الأم إذا كان في بقاء الجنين في بطنها خطر عليها أولى بالاعتبار لأنها الأصل وحياتها ثابتة بيقين، علما بأن بقاء الجنين سيترتب عليه موت الأم وموت الجنين
(2)
فتح القدير 2 / 495، وحاشية ابن عابدين 2 / 380
(3)
حاشية الرهوني على شرح الزرقاني 3 / 264 ط الأولى.
الرَّمْلِيُّ: لَوْ كَانَتِ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّل الْجَوَازُ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ (1) . وَالإِْبَاحَةُ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَوَّل مَرَاحِل الْحَمْل، إِذْ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ شُرْبَ الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ لإِِلْقَاءِ نُطْفَةٍ لَا عَلَقَةٍ، وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ الرُّوحُ لَا يُبْعَثُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إِسْقَاطُهُ، وَقَال صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَلِكَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَجْهٌ (2) .
6 -
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالإِْبَاحَةِ لِعُذْرٍ فَقَطْ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الْحِل لِغَيْرِ عُذْرٍ، إِذِ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَ لأَِنَّهُ أَصْل الصَّيْدِ. فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلَا أَقَل مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا - مَنْ أَجْهَضَتْ نَفْسَهَا - إِثْمٌ هُنَا إِذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنُقِل عَنِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ مِنَ الأَْعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْل وَلَيْسَ لأَِبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ (الْمُرْضِعَ) وَيَخَافُ هَلَاكَهُ، وَقَال ابْنُ وَهْبَانَ: إِنَّ إِبَاحَةَ الإِْسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ (3) . وَمَنْ قَال مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالإِْبَاحَةِ دُونَ تَقْيِيدٍ بِالْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُهُ هُنَا بِالأَْوْلَى، وَقَدْ نَقَل الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ لِشُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الإِْجْهَاضُ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ (4) .
(1) تحفة الحبيب 3 / 303، وحاشية الشررواني 6 / 248، ونهاية المحتاج 8 / 416
(2)
الفروع 6 / 191، والإنصاف 1 / 386، وغاية المنتهى 1 / 81، والروض المربع 2 / 316 ط السادسة، وكشاف القناع 6 / 54
(3)
حاشية ابن عابدين 2 / 380 ط 1272
(4)
الإقناع بحاشية البجيرمي 4 / 129 فما بعدها
7 -
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَا قَال بِهِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ. فَقَدْ نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الإِْلْقَاءُ قَبْل مُضِيِّ زَمَنٍ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ؛ لأَِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ، فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ، كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ (1) . وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا (2)، وَقَوْلٌ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. يَقُول الرَّمْلِيُّ: لَا يُقَال فِي الإِْجْهَاضِ قَبْل نَفْخِ الرُّوحِ إِنَّهُ خِلَافُ الأَْوْلَى، بَل مُحْتَمَلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لأَِنَّهُ جَرِيمَةٌ (3) .
8 -
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. يَقُول الدَّرْدِيرُ: لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْل الأَْرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَلَّقَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيل يُكْرَهُ. مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي عِبَارَةِ الدَّرْدِيرِ التَّحْرِيمُ (4) . كَمَا نَقَل ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مَالِكًا قَال: كُل مَا طَرَحَتْهُ الْمَرْأَةُ جِنَايَةٌ، مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ، مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ (5) وَقَال: وَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْغُرَّةِ.
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 380
(2)
حاشية الدسوقي 2 / 266 - 267 ط عيسى الحلبي.
(3)
نهاية المحتاج 8 / 416
(4)
الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2 / 266 - 267
(5)
بداية المجتهد 2 / 453 ط 1386 هـ والغرة كما في كتب اللغة عبد أو أمة. وأصل الغرة البياض في وجه الفرس واستعملت بمعنى العبد والأمة مجازا. ورجح القاضي عياض أن لفظ الغرة جاء في الحديث القائل: " غرة: عبد أو أمة ". جاء منونا فيكون ما بعده جاء على سبيل التفسير. وقال وتفصيل الكلام عن الغرة موضعه مصطلح غرة.