الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَحَقُّقِهِ حُلُول الدَّيْنِ أَوْ حُلُول الْعَيْنِ فِيمَا يَصِحُّ إِضَافَتُهُ مِنَ الأَْعْيَانِ إِلَى أَجَلٍ، أَوْ يَكُونَ أَجَل تَوْقِيتٍ وَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى تَحَقُّقِهِ انْتِهَاءُ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ لَهُ. وَالْمُسْقِطَاتُ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - إِمَّا بِطَرِيقِ الإِْسْقَاطِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ السُّقُوطِ.
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
أَوَّلاً: إِسْقَاطُ الأَْجَل
أ -
إِسْقَاطُ الأَْجَل مِنْ قِبَل الْمَدِينِ:
92 -
لَمَّا كَانَ الأَْجَل قَدْ شُرِعَ رِفْقًا بِالْمَدِينِ وَتَمْكِينًا لَهُ مِنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ لَهُ، وَرِعَايَةً لِحَالَةِ الْعَدَمِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ لَهَا، كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُسْقِطَ أَجَل الدَّيْنِ، وَيُصْبِحَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَعَلَى الدَّائِنِ قَبْضُ الدَّيْنِ. وَهَذَا هُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ:(الْحَنَفِيَّةِ مُطْلَقًا وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الإِْضْرَارِ بِالدَّائِنِ كَأَنْ كَانَ الأَْدَاءُ فِي مَكَانٍ مَخُوفٍ، أَوْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ كَانَ فِي وَقْتِ كَسَادٍ) عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مَوَاطِنِهِ (1) .
ب -
إِسْقَاطُ الأَْجَل مِنْ قِبَل الدَّائِنِ:
93 -
تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الأَْجَل حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ، طَالَمَا أَنَّهُ لَا
(1) فتح القدير 5 / 225، ورد المحتار4 / 177، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير3 / 226، والمهذب1 / 301، وكشاف القناع 1 / 301 ط الرياض، والمغني والشرح الكبير4 / 346 ط المنار.
يُؤَدِّي هَذَا الإِْسْقَاطُ إِلَى ضَرَرٍ بِالدَّائِنِ. أَمَّا الدَّائِنُ فَإِنَّ إِسْقَاطَهُ الأَْجَل يَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ أَجَلٍ لَحِقَ الْعَقْدَ وَقْتَ صُدُورِهِ - كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ - فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الأَْجَل لَازِمًا لِلدَّائِنِ لأَِنَّهُ الْتَحَقَ بِصُلْبِ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ أَرَادَهُ الدَّائِنُ وَالْمَدِينُ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَهَذَا النَّوْعُ قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُزُومِهِ لِلدَّائِنِ، أَيْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِإِسْقَاطِهِ دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (غَيْرَ زُفَرَ) وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَجَّلَهُ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَنَّ الثَّمَنَ يَصِيرُ مُؤَجَّلاً، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ابْتِدَاءً، وَيُصْبِحُ الأَْجَل لَازِمًا لِلدَّائِنِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ دُونَ رِضَا الْمَدِينِ. أَمَّا التَّأْجِيل فَلأَِنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ، فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّ التَّأْجِيل إِثْبَاتُ بَرَاءَةٍ مُؤَقَّتَةٍ إِلَى حُلُول الأَْجَل، وَهُوَ يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ بِالإِْبْرَاءِ عَنِ الثَّمَنِ فَلأََنْ يَمْلِكَ الْبَرَاءَةَ الْمُؤَقَّتَةَ أَوْلَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَازِمًا لَهُ فَذَلِكَ لأَِنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ عَنْ إِسْقَاطِهِ بِالْبَرَاءَةِ الْمُطْلَقَةِ السُّقُوطَ، وَالتَّأْجِيل الْتِزَامُ الإِْسْقَاطِ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَيَثْبُتُ شَرْعًا السُّقُوطُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا ثَبَتَ شَرْعًا سُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِهِ مُطْلَقًا (1) .
وَقَال زُفَرُ (مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ) وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ كُل دَيْنٍ حَالٍّ لَا يَصِيرُ مُؤَجَّلاً بِالتَّأْجِيل؛ لأَِنَّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَالًّا لَيْسَ إِلَاّ وَعْدًا بِالتَّأْخِيرِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ شَرْطِ تَأْجِيل الْقَرْضِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ تَأْجِيلَهُ، حَتَّى لَوِ
(1) فتح القدير6 / 145 ط الميمنية، ورد المحتار4 / 24