الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
112 -
وَيَرِثُ الْحَمْل بِشَرْطَيْنِ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل:
أَنْ يُولَدَ حَيًّا، حَتَّى تُعْتَبَرَ حَيَاتُهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ امْتِدَادًا لِحَيَاتِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَدَلِيلاً عَلَيْهَا. يَقُول الرَّسُول عليه الصلاة والسلام: إِذَا اسْتَهَل الْمَوْلُودُ وَرِثَ (1) وَيَرْوِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَوْلَهُمَا: قَضَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَرِثُ الصَّبِيُّ حَتَّى يَسْتَهِل. (2)
فَإِذَا وُلِدَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى حَيَاتِهِ فِيمَا قَبْل، لَا يَكُونُ وَارِثًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّ شَرْطَ الْمِيرَاثِ حَيَاةُ الْوَارِثِ. وَإِذَا نَزَل مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا فَلَا يَرِثُ أَيْضًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِعَدَمِ وُجُودِ دَلِيلٍ عَلَى حَيَاتِهِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَرِثُ، لأَِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ حَيًّا قَبْل الْجِنَايَةِ؛ إِذْ أَوْجَبَ عَلَى الْجَانِي (الْغُرَّةَ) وَوُجُوبُهَا لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ يَرِثُ عِنْدَهُمْ مُورَثُهُ الَّذِي مَاتَ، وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ثُمَّ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ.
113 -
وَيَكْفِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُ الْحَمْل حَيًّا. فَإِذَا ابْتَدَأَ نُزُولُهُ مُسْتَقِيمًا بِرَأْسِهِ وَبَقِيَ حَيًّا حَتَّى خَرَجَ صَدْرُهُ كُلُّهُ، أَوِ ابْتَدَأَ نُزُولُهُ مَنْكُوسًا بِرِجْلَيْهِ وَاسْتَمَرَّ حَيًّا حَتَّى ظَهَرَتْ سُرَّتُهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَرِثَ عِنْدَهُمْ، لأَِنَّ لِلأَْكْثَرِ حُكْمَ الْكُل. (3)
(1) حديث " إذا استهل المولود ورث " أخرجه أبو داود (3 / 87 - ط المطبعة الأنصارية بدهلي) وعنه البيهقي (6 / 257 - ط دائرة المعارف العثمانية) .
(2)
حديث " لا يرث الصبي حتى يستهل " أخرجه ابن ماجه (رقم 2751 - ط عيسى الحلبي) . من حديث جابر والمسور بن مخرمة.
(3)
السراجية ص 321، 322
وَاشْتَرَطَ الأَْئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَنْ تَتِمَّ وِلَادَتُهُ كُلُّهُ حَيًّا. وَتُعْرَفَ حَيَاتُهُ بِالاِسْتِهْلَال صَارِخًا. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا سِوَى الاِسْتِهْلَال. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِل، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الاِسْتِهْلَال مَا هُوَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِل صَارِخًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اسْتَهَل الْمَوْلُودُ وَرِثَ (1) أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِغَيْرِ الاِسْتِهْلَال، وَلأَِنَّ الاِسْتِهْلَال لَا يَكُونُ إِلَاّ مِنْ حَيٍّ. وَالْحَرَكَةُ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ حَيٍّ. وَرُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: يَرِثُ السِّقْطُ وَيُورَثُ إِذَا اسْتَهَل. فَقِيل لَهُ مَا اسْتِهْلَالُهُ؟ قَال: إِذَا صَاحَ أَوْ عَطَسَ أَوْ بَكَى، فَعَلَى هَذَا كُل صَوْتٍ يُوجَدُ مِنْهُ تُعْلَمُ بِهِ حَيَاتُهُ فَهُوَ اسْتِهْلَالٌ، وَهَذَا قَوْل الزُّهْرِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، لأَِنَّهُ صَوْتٌ عُلِمَتْ بِهِ حَيَاتُهُ فَأَشْبَهَ الصُّرَاخَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصَوْتٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرِثَ وَثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْمُسْتَهِل، لأَِنَّهُ حَيٌّ. وَبِهَذَا قَال الثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. (2)
الشَّرْطُ الثَّانِي:
أَنْ تَأْتِيَ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَتَتْ بِهِ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَذَبَتْ، وَوَرِثَ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فِي دَعْوَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْل، أَوْ لأَِقَل مِنْ ذَلِكَ وَرِثَ، لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ عَالِقَةً قَبْل الْمَوْتِ.
وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لأَِكْثَرَ مِنْ تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْل - عَلَى
(1) الحديث تقدم تخريجه هامش (ف 112)
(2)
المغني 7 / 197 - 200 ط أولى.
الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ - فَلَا يَرِثُ، لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ.
114 -
وَإِذَا أُرِيدَ تَقْسِيمُ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي فِي وَرَثَتِهِ حَمْلٌ، أُوقِفَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَصِيبُ أَرْبَعَةِ بَنِينَ أَوْ نَصِيبُ أَرْبَعِ بَنَاتٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ. وَيُعْطَى بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ أَقَل الأَْنْصِبَاءِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ إِذِ الأَْصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَبْطَ لَهُ. وَمِثَال أَكْثَرِيَّةِ نَصِيبِ الْبَنِينَ: إِذَا مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ وَعَمٍّ أَوْ أَخٍ. وَمِثَال أَكْثَرِيَّةِ نَصِيبِ الْبَنَاتِ: إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ تَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلأَْبَوَيْنِ السُّدُسَانِ، فَيَبْقَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَذَلِكَ لِلْعَصَبَاتِ إِذَا قُدِّرَ أَرْبَعَةُ بَنِينَ، وَإِذَا قُدِّرَتْ أَرْبَعُ بَنَاتٍ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ (سِتَّةَ عَشَرَ) .
فَإِذَا ظَهَرَ الْحَمْل، وَزَال الاِشْتِبَاهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْل مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ الْمَوْقُوفِ أَخَذَهُ، وَانْتَهَى الأَْمْرُ. وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْبَعْضِ فَيَأْخُذُ الْحَمْل هَذَا الْبَعْضَ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ، فَيُعْطَى لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ مَوْقُوفًا مِنْ نَصِيبِهِ.
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ هُوَ مَذْهَبُ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ، فَقَدْ قَال: رَأَيْتُ بِالْكُوفَةِ لأَِبِي إِسْمَاعِيل أَرْبَعَةَ بَنِينَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ. وَلَمْ يُنْقَل عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُوقَفُ نَصِيبُ ثَلَاثَةِ بَنِينَ أَوْ ثَلَاثِ بَنَاتٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ. رَوَاهُ عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ، أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَذَلِكَ لأَِنَّ وِلَادَةَ أَرْبَعَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمٌ بَل يُبْنَى عَلَى مَا يُعْتَادُ
فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ وِلَادَةُ اثْنَيْنِ. وَرَوَى الْخَصَّافُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بِنْتٍ وَاحِدَةٍ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُعْتَادَ الْغَالِبَ إِلَاّ تَلِدَ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ إِلَاّ وَلَدًا وَاحِدًا فَيُبْنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ.
115 -
وَذُكِرَ فِي فَتْوَى أَهْل سَمَرْقَنْدَ: أَنَّ الْوِلَادَةَ إِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً تُوقَفُ الْقِسْمَةُ لِوُجُودِ الْحَمْل، إِذْ لَوْ عُجِّلَتْ فَرُبَّمَا لَغَتْ بِظُهُورِ الْحَمْل عَلَى خِلَافِ مَا قُدِّرَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً لَمْ تُوقَفْ، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِضْرَارًا بِبَاقِي الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يُعَيَّنْ لِلْقُرْبِ مُدَّةٌ بَل أُحِيل عَلَى الْعَادَةِ. وَقِيل: هُوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ. وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنَ الْوَرَثَةِ كَفِيلاً عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْحَمْل أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (1) .
وَمَذْهَبُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - أَنَّهُ يُوقَفُ لِلْحَمْل نَصِيبُ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ. وَعُلِّل ذَلِكَ بِأَنَّ وِلَادَةَ التَّوْأَمَيْنِ كَثِيرَةٌ مُعْتَادَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَنَادِرٌ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمٌ. وَالْقَاعِدَةُ بِالنِّسْبَةِ لِحَجْزِ نَصِيبِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ. أَنَّهُ مَتَى زَادَتِ الْفُرُوضُ عَلَى الثُّلُثِ فَمِيرَاثُ الإِْنَاثِ أَكْثَرُ، لأَِنَّهُ يُفْرَضُ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَيَدْخُل النَّقْصُ عَلَى الْكُل بِالْمُحَاصَّةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهُ كَانَ مِيرَاثُ الذَّكَرَيْنِ أَكْثَرَ، وَإِنِ اسْتَوَتْ كَأَبَوَيْنِ وَحَمْلٍ، اسْتَوَى مِيرَاثُ الذَّكَرَيْنِ وَالأُْنْثَيَيْنِ.
(1) السراجية ص 317، 318، والرهوني 8 / 343 ط بولاق، وروضة الطالبين 6 / 39، والعذب الفائض 2 / 89.