الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَقْفِ، وَكَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ إِحْدَى الصِّيغَتَيْنِ (الْوَقْفَ، الإِْرْصَادَ) لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الأُْخْرَى.
13 -
لِلْمُرْصِدِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي إِرْصَادِهِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَشْرُوعَةِ مَا يَشَاءُ كَالْوَاقِفِ. قَال فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ: الْوَاقِفُ يَتَصَرَّفُ فِي وَقْفِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَمِثْلُهُ الْمُرْصِدُ بِإِجْمَاعِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ (1) .
آثَارُ الإِْرْصَادِ:
14 -
إِذَا أَرْصَدَ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الآْثَارُ التَّالِيَةُ:
أ - تَأْبِيدُ هَذَا الإِْرْصَادِ وَاسْتِمْرَارُ صَرْفِهِ عَلَى الْمَصْرِفِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُرْصِدُ. فَلَا يَجُوزُ لإِِمَامٍ يَأْتِي بَعْدَهُ نَقْضُهُ وَلَا إِبْطَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (2) . وَلَا أَدَل عَلَى ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِي عَهْدِ السُّلْطَانِ بُرْقُوقٍ، فَإِنَّهُ فِي عَامِ نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ الأَْرْصَادَ لِكَوْنِهَا أُخِذَتْ مِنْ بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ، فَعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسًا حَافِلاً حَضَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ رَسْلَانَ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَالْبُرْهَانُ بْنُ جَمَاعَةَ، وَشِيحُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ أَكْمَل الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ، فَقَال لَهُ الشَّيْخُ الْبُلْقِينِيُّ: مَا وُقِفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ لَا سَبِيل إِلَى نَقْضِهِ؛ لأَِنَّ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا رُصِدَ عَلَى فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ يُنْقَضُ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَاضِرُونَ (3) . قَال فِي
(1) الفتاوى المهدية 2 / 648
(2)
حاشية ابن عابدين 3 / 259، 266، والفتاوى المهدية 2 / 647، وحاشية كنون على شرح الزرقاني لمتن خليل 7 / 131
(3)
ابن عابدين 3 / 259، والفتاوى المهدية 2 / 647 وما بعدها.
الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ: قَال السُّيُوطِيُّ: وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، سُلْطَانُ الْعُلَمَاءِ، فَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوَافِقُ بَعْضُهُ بَعْضًا (1) .
ب - مَدَى الاِلْتِزَامِ بِالشُّرُوطِ فِيهِ: يَرَى جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ مُخَالَفَةُ شُرُوطِ الإِْرْصَادِ (2) بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا رَأَى وَلِيُّ الأَْمْرِ الْمَصْلَحَةَ فِي زِيَادَةٍ فِيهِ، أَوْ نَقْصٍ فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنِ الْجِهَةِ الَّتِي عُيِّنَتْ فِي الإِْرْصَادِ، كَأَنْ يَمْنَعَ مَنْ عُيِّنَ فِيهِ وَيَصْرِفَ اسْتِحْقَاقَهُ لِغَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ الْعُدُول (3) .
وَعَلَّل الْعَلَاّمَةُ أَبُو السُّعُودِ جَوَازَ مُخَالَفَةِ الإِْمَامِ شُرُوطَ الإِْرْصَادِ، بِأَنَّ الْمُرْصَدَ مِنْ بَيْتِ الْمَال أَوْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ (4) . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ تَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِ الْمُرْصَدِ، وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا، إِذَا كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الأَْوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ (5) .
ثَانِيًا:
الإِْرْصَادُ بِمَعْنَى تَخْصِيصِ
رَيْعِ الْوَقْفِ لِسَدَادِ دُيُونِهِ
:
15 -
يُطْلِقُ الْحَنَفِيَّةُ " الإِْرْصَادَ " عَلَى تَحْوِيل جُزْءٍ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ أَوْ كُلِّهِ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِوَفَاءِ دَيْنٍ مَشْرُوعٍ
(1) الفتاوى المهدية 2 / 648
(2)
حاشية أبو السعود على ملا مسكين 2 / 505، والفتاوى المهدية 2 / 646 - 649، وحاشية ابن عابدين 3 / 259
(3)
حاشية أبو السعود 2 / 505، وابن عابدين 3 / 259
(4)
حاشية أبو السعود 2 / 506، وابن عابدين 3 / 259
(5)
ابن عابدين 3 / 259، وحاشية كنون على شرح الزرقاني 3 / 131