الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّ الْبُيُوتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَاكِنٌ، وَلِلْمَرْءِ فِيهَا مَنْفَعَةٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، كَالْخَانَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَارَّةِ، وَالْخَرَابَاتِ الَّتِي تُقْضَى فِيهَا حَاجَةُ الْبَوْل وَالْغَائِطِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} أَيْ مَنْفَعَةٌ (1) .
9 -
ثَانِيًا:
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا إِذَا كَانَ فِي تَرْكِ الاِسْتِئْذَانِ لِدُخُول بَيْتٍ إِحْيَاءٌ لِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ، حَتَّى لَوِ اسْتَأْذَنَ وَانْتَظَرَ الإِْذْنَ تَلِفَتِ النَّفْسُ وَضَاعَ الْمَال، وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَنَفِيَّةُ عَدَدًا مِنَ الْفُرُوعِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى لَا تَأْبَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، إِلَاّ الْحَنَابِلَةَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا دُخُول الْبَيْتِ إِذَا خِيفَ ضَيَاعُ الْمَال إِلَاّ بِاسْتِئْذَانٍ، فَإِذْنٍ (2) . وَمِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ:
الأَْوَّل: إِذَا كَانَ الْبَيْتُ مُشْرِفًا عَلَى الْعَدُوِّ، يُقَاتِل مِنْهُ الْعَدُوُّ، وَيُوقِعُ بِهِ النِّكَايَةَ، يَجُوزُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ؛ لِمَا فِي دَفْعِ الْعَدُوِّ مِنْ إِحْيَاءِ نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ.
الثَّانِي: إِذَا سَقَطَ ثَوْبُهُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ، وَخَافَ لَوْ أَعْلَمَهُ أَخَذَهُ، جَازَ لَهُ الدُّخُول لأَِخْذِهِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَيِنَبْغِي أَنْ يَعْلَمَ الصُّلَحَاءُ أَنَّهُ إِنَّمَا دَخَل لِذَلِكَ.
الثَّالِثُ: لَوْ نَهَبَ مِنْهُ ثَوْبًا وَدَخَل النَّاهِبُ دَارَهُ لَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا لِيَأْخُذَ حَقَّهُ.
(1) بدائع الصنائع 5 / 125، والآية من سورة النور / 29
(2)
حاشية ابن عابدين 5 / 126، 127، وأسنى المطالب 4 / 387 طبع المكتبة الإسلامية، ونهاية المحتاج 8 / 315 طبع المكتبة الإسلامية، والمغني 9 / 325 ط 3 للمنار.
الرَّابِعُ: لَوْ كَانَ لَهُ مَجْرَى فِي دَارِ رَجُلٍ، أَرَادَ إِصْلَاحَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ فِي بَطْنِهِ، يُقَال لِرَبِّ الدَّارِ: إِمَّا أَنْ تَدَعَهُ يُصْلِحُهُ وَإِمَّا أَنْ تُصْلِحَهُ.
الْخَامِسُ: آجَرَهُ دَارًا وَسَلَّمَهَا لَهُ، لَهُ دُخُولُهَا لِيَنْظُرَ حَالَهَا فَيَرْمِهَا، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إِلَاّ إِذَا رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ (1) .
10 -
ثَالِثًا:
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ دُخُول الْبَيْتِ الَّذِي يُتَعَاطَى فِيهِ الْمُنْكَرُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، بِقَصْدِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، كَمَا إِذَا سَمِعَ فِي دَارٍ صَوْتَ الْمَزَامِيرِ وَالْمَعَازِفِ، فَلَهُ أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ؛ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِعِلَّتَيْنِ. الأُْولَى: أَنَّ الدَّارَ لَمَّا اُتُّخِذَتْ لِتَعَاطِي الْمُنْكَرِ فَقَدْ سَقَطَتْ حُرْمَتُهَا، وَإِذَا سَقَطَتْ حُرْمَتُهَا جَازَ دُخُولُهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ. وَالثَّانِيَةِ: أَنَّ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ، فَلَوْ شُرِطَ الإِْذْنُ لَتَعَذَّرَ التَّغْيِيرُ (2) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، فَقَدْ كَانُوا أَكْثَرَ تَفْصِيلاً لِلأَْمْرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الْمُنْكَرَ إِنْ كَانَ مِمَّا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ، جَازَ لَهُ دُخُولُهُ لِمَنْعِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، كَمَا إِذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ: أَنَّ رَجُلاً خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، أَوْ خَلَا بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْل هَذِهِ الْحَال أَنْ يَتَجَسَّسَ، وَيُقْدِمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ، مِنْ إِزْهَاقِ رَوْحِ مَعْصُومٍ، وَانْتِهَاكِ عَرْضِ الْمَحَارِمِ، وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَفُتِ اسْتِدْرَاكُهُ، كَمَا إِذَا دَخَل مَعَهَا الْبَيْتَ لِيُسَاوِمَهَا عَلَى أُجْرَةِ الزِّنَا، ثُمَّ يَخْرُجَانِ لِيَزْنِيَا
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 126 - 127
(2)
حاشية ابن عابدين 3 / 180 - 181، وجواهر الإكليل 1 / 251 طبع مصر، عباس شقرون.