الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ: الاِسْتِئْنَاسُ هُنَا الاِسْتِئْذَانُ (1) ، مَعَ أَنَّ الاِسْتِئْنَاسَ مَا هُوَ إِلَاّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الاِسْتِئْذَانِ، قَال الْجَصَّاصُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الاِسْتِئْذَانُ اسْتِئْنَاسًا؛ لأَِنَّهُمْ إِذَا اسْتَأْذَنُوا أَوْ سَلَّمُوا أَنِسَ أَهْل الْبُيُوتِ بِذَلِكَ، وَلَوْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَاسْتَوْحَشُوا وَشَقَّ عَلَيْهِمْ (2) .
صِفَتُهُ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
2 -
إِنَّ الْحُكْمَ التَّكْلِيفِيَّ لِلاِسْتِئْذَانِ مُرْتَبِطٌ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالإِْذْنِ، فَحَيْثُمَا تَوَقَّفَ حِل التَّصَرُّفِ عَلَى الإِْذْنِ، كَانَ الاِسْتِئْذَانُ فِيهِ وَاجِبًا، كَاسْتِئْذَانِ الأَْجْنَبِيِّ لِدُخُول بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِهِ، وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ زَوْجَهَا فِي خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَاسْتِئْذَانِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِي الْعَزْل عَنْهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا:" حِل التَّصَرُّفُ " وَلَمْ نُعَبِّرْ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّ التَّصَرُّفَ قَدْ يَقَعُ - إِذَا خَلَا مِنَ الإِْذْنِ صَحِيحًا مَعَ الْكَرَاهَةِ، كَمَا لَوْ صَامَتِ الزَّوْجَةُ نَافِلَةً بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا.
وَقَدْ يَقَعُ غَيْرَ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ بِغَيْرِ رِضَاهَا، أَوِ بَاعَ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
أَوَّلاً
الاِسْتِئْذَانُ لِدُخُول الْبُيُوتِ
أ -
الْمَكَانُ الْمُرَادُ دُخُولُهُ:
3 -
إِنَّ مَنْ يُرِيدُ دُخُول بَيْتٍ مِنَ الْبُيُوتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْبَيْتَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْتَهُ أَوْ غَيْرَ بَيْتِهِ، فَإِنْ
(1) أحكام القرآن للجصاص 3 / 381 طبع مصر، المطبعة البهية، وتفسير ابن كثير والقرطبي لهذه الآية.
(2)
أحكام القرآن للجصاص 3 / 381
كَانَ بَيْتَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا، لَا سَاكِنَ فِيهِ غَيْرُهُ، أَوْ تَكُونَ فِيهِ زَوْجَتُهُ، وَلَيْسَ مَعَهَا غَيْرُهَا، أَوْ مَعَهَا بَعْضُ مَحَارِمِهِ، كَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ بَيْتَهُ، وَلَا سَاكِنَ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِ أَحَدٍ؛ لأَِنَّ الإِْذْنَ لَهُ، وَاسْتِئْذَانُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَبَثِ الَّذِي تَتَنَزَّهُ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ (1) .
4 -
أَمَّا إِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ زَوْجَتُهُ، وَلَيْسَ مَعَهَا غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الاِسْتِئْذَانُ لِلدُّخُول؛ لأَِنَّهُ يَحِل لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَائِرِ جَسَدِهَا، وَلَكِنْ يَنْدُبُ لَهُ الإِْيذَانُ بِدُخُولِهِ بِنَحْوِ التَّنَحْنُحِ، وَطَرْقِ النَّعْل، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهَا رُبَّمَا كَانَتْ عَلَى حَالَةٍ لَا تُرِيدُ أَنْ يَرَاهَا زَوْجُهَا عَلَيْهَا (2) .
وَفِي وُجُوبِ اسْتِئْذَانِ الرَّجُل عَلَى مُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ: هَل يَلْزَمُ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ تَحْرِيمُهَا عَلَى مُطَلِّقِهَا أَمْ لَا؟ فَمَنْ قَال إِنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً، كَالْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، قَال: لَا يَجِبُ الاِسْتِئْذَانُ بَل يُنْدَبُ، وَيَكُونُ دُخُولُهُ عَلَيْهَا كَدُخُولِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ.
وَمَنْ قَال إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ وَقَعَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ
(1) تفسير القرطبي 12 / 219 طبع دار الكتب المصرية.
(2)
تفسير القرطبي 12 / 219، والشرح الصغير 4 / 762 طبع دار المعارف بمصر، والفواكه الدواني 2 / 427، طبع مصطفى البابي الحلبي، وشرح الكافي 2 / 1133، الطبعة الأولى سنة 1398، وحاشية ابن عابدين 2 / 531 طبع بولاق، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 451 طبع مطبعة المنار بمصر.