الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْبَتُ الْعَرَبِ. قِيل لَهَا جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، لإِِحَاطَةِ الْبَحْرِ وَالأَْنْهَارِ بِهَا ". (1)
وَفِي الْمُغْنِي: قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: " جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا "، يَعْنِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ هُوَ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْيَمَامَةُ وَخَيْبَرُ وَيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا (2) ؛ لأَِنَّهُمْ لَمْ يُجْلُوا مِنْ تَيْمَاءَ وَلَا مِنَ الْيَمَنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْل الْحِجَازِ وَأَهْل نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. (3)
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: " قَال بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي الإِْمَامَ أَحْمَدَ - عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَال: إِنَّمَا الْجَزِيرَةُ مَوْضِعُ الْعَرَبِ، وَأَمَّا مَوْضِعٌ يَكُونُ فِيهِ أَهْل السَّوَادِ وَالْفُرْسِ فَلَيْسَ هُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ. مَوْضِعُ الْعَرَبِ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ " وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ أَيْضًا: " قَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُول فِي حَدِيثٍ لَا يَبْقَى دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ تَفْسِيرُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ فَارِسَ وَالرُّومِ. قِيل لَهُ: مَا كَانَ خَلْفَ الْعَرَبِ؟ قَال: نَعَمْ. "(4)
فَكَأَنَّ الإِْمَامَ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُ يَذْهَبُ إِلَى تَعْرِيفٍ آخَرَ لِلْجَزِيرَةِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَيَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: حَدِيثُ ابْنِ عُبَيْدَةَ
(1) المنتقى شرح الموطأ 7 / 195
(2)
وفي كشاف القناع 3 / 107 عن ابن تيمية التصربح بأن (تبوك) من الحجاز.
(3)
حديث: " أخرجوا يهود أهل الحجاز " أخرجه أحمد (1 / 195 ط الميمنية)، وقال الهيثمي: " رواه أحمد (بأسانيد) . ورجال طريقين منها ثقات، متصل إسنادهما، (مجمع الزوائد 5 / 325 ط القدس) .
(4)
أحكام أهل الذمة 1 / 176، 177، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 180 ط الحلبي.
صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَرْضَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (1) .
الأَْحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ:
2 -
لَمَّا كَانَتْ أَرْضُ الْعَرَبِ مَنْبَتَ الإِْسْلَامِ وَعَرِينَهُ، وَفِيهَا بَيْتُ اللَّهِ وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ، فَقَدِ اخْتُصَّتْ عَنْ سَائِرِ الْبِلَادِ الإِْسْلَامِيَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ:
الأَْوَّل: أَنَّهَا لَا يَسْكُنُهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا يَبْقَى فِيهَا دَارُ عِبَادَةٍ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِهَا خَرَاجٌ.
وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الأَْحْكَامِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي.
مَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنْ سُكْنَاهُ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ:
3 -
وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثُ فِي مَنْعِ الْكُفَّارِ مِنْ سُكْنَى الأَْرْضِ الَّتِي يَفْتَحُهَا الْمُسْلِمُونَ:
مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا. فَقَالُوا: بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَال: ذَلِكَ أُرِيدُ. ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ. فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. ثُمَّ قَال الثَّالِثَةَ. فَقَال: اعْلَمُوا أَنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَاّ فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (2)
(1) أحكام أهل الذمة 1 / 185
(2)
فتح الباري 12 / 317 ط السلفية، ومسلم 3 / 1387 ط عيسى الحلبي.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، عَلَى أَقْوَالٍ:
4 -
الأَْوَّل: وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، أَنَّ الْكُفَّارَ يُمْنَعُونَ مِنْ سُكْنَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلِّهَا (1)، أَخْذًا بِظَاهِرِ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا:
حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: لأَُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَاّ مُسْلِمًا. (2)
وَحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ (3) وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ (4)، وَرَوَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَاتَل اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ} (5)
قَال ابْنُ الْهُمَامِ: " لَا يُمَكَّنُونَ - يَعْنِي أَهْل الذِّمَّةِ مِنَ السُّكْنَى فِي أَمْصَارِ الْعَرَبِ وَقُرَاهَا، بِخِلَافِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا (6) . " وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ "
(1) فتح القدير 4 / 379
(2)
حديث: " لأخرجن اليهود. . . . . " رواه مسلم 3 / 1388، ط عيسى الحلبي، ورواه أبو عبيد في الأموال ص 98 ط القاهرة عن جابر، وزاد " فأخرجهم عمر ".
(3)
أحكام أهل الذمة 1 / 176، وحديث عائشة قالت:" آخر ما عهد. . . " رواه أحمد 6 / 275، ط الميمنية، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 5 / 325 ط القدسي) .
(4)
حديث ابن عمر: " لا يجتمع في جزيرة العرب. . . . . " أخرجه أبو عبيد في الأموال ص 98 ط القاهرة.
(5)
حديث: " قاتل الله اليهود. . . . . " أخرجه مالك مرسلا (الموطأ 2 / 892 ط عيسى الحلبي) وهو في الصحيحين عن عائشة مرفوعا.
(6)
فتح القدير 4 / 379
فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: يُمْنَعُونَ مِنِ اسْتِيطَانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛ لأَِنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ.
قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ثُمَّ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَوْلَهُ: لأَِنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ، أَفَادَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا، بَل جَزِيرَةُ الْعَرَبِ كُلُّهَا كَذَلِكَ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (1) ".
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ: أَمَّا جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَهِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَمَخَالِيفُهَا، فَقَال مَالِكٌ: يُخْرَجُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُل مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الإِْسْلَامِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنَ التَّرَدُّدِ بِهَا مُسَافِرِينَ (2) .
5 -
الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ لَيْسَ كُل مَا تَشْمَلُهُ (جَزِيرَةُ الْعَرَبِ) فِي اللُّغَةِ، بَل أَرْضُ الْحِجَازِ خَاصَّةً. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَال: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْل الْحِجَازِ وَأَهْل نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (3)
وَفِي الْمُوَطَّأِ: قَدْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكٍ. فَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ وَلَا مِنَ الأَْرْضِ شَيْءٌ. وَأَمَّا يَهُودُ فَدَكٍ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ وَنِصْفُ الأَْرْضِ؛ لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَالَحَهُمْ عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ وَنِصْفِ الأَْرْضِ، فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ الثَّمَرِ وَنِصْفَ الأَْرْضِ قِيمَةً مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَإِبِلٍ وَحِبَالٍ وَأَقْتَابٍ،
(1) ابن عابدين 3 / 275
(2)
الحطاب 3 / 381، الدسوقي 2 / 201
(3)
أحكام أهل الذمة 1 / 176، والحديث تقدم تخريجه (ف 1) .